Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

وثائق فرنسية عن حياة الجزائري مالك بن نبي وريث ابن خلدون

صدر عن مؤسسة الإمام الشيخ عبدالحميد بن باديس ودار الهدى بالجزائر كتابٌ بعنوان “وثائق مالك بن نبي في الأرشيف الوطني الفرنسي” من تأليف الباحثين رياض شروانة وعلاوة عمارة، وهو ثمرة خمس سنوات من البحث والتنقيب في الأرشيف الفرنسي.

ويُشير المؤلفان إلى أنّ الكتاب جاء نتيجة جمع الآلاف من الوثائق المتعلّقة بالشخصيات المؤثرة في تاريخ الجزائر المعاصر، بينهم مالك بن نبي، الذي عثرا على الوثائق المرتبطة به في مركزَيْ الأرشيف الوطني الأساسييْن في فرنسا.

ويضيف الباحثان أنّ الكتاب ليس دراسة لحياة أو لفكر بن نبي، وإنّما هو عملية نشر وتقديم لوثائق توفّر للدارسين معلومات جديدة عن مسيرته إلى غاية عام 1957، وتُصحّح الكثير من المعلومات المتداولة بخصوصه.

واستند الكتاب على 201 وثيقة أرشيفية تُعرض للمرّة الأولى، بعدما اقتصرت الدراسات السابقة على تبنّي السردية التي دوّنها مالك بن نبي عن نفسه من خلال كتابيه “العفن” و”مذكرات شاهد القرن”، وأيضا “كراريسه”، خصوصا أنّ الثاني كان في آخر حياته، وجاء في سياق مختلف مرتبط بمرحلة الاستقلال.

وتنقسم الوثائق إلى قسمين؛ قسمٌ مرتبط بالاستعلامات، وبالتالي فهي أمنية محضة بما تقدمه من متابعة لأدق تفاصيل المفكر، وأخرى مرتبطة بملف قضائي جاء على إثر إيداع بن نبي في سجن شارتر ما بين أكتوبر 1945 وأبريل 1946، الذي أفضى في نهاية الأمر إلى تبرئته من التُّهمة المنسوبة إليه، وهي “المساس بالأمن الخارجي للدولة”، بمعنى تعاونه مع ألمانيا النازية.

ويوضح المؤلفان أنّ مجموع الوثائق المنشورة بين دفتي الكتاب مؤرّخة ما بين عامي 1939 و1957، وتُغطّي حياة ونشاطات بن نبي من المدرسة الابتدائية إلى مدرسة الميكانيك والكهرباء بباريس، مرورا بمدرسة قسنطينة الشرعية، كما تعطي تفاصيل مثيرة عن نشأته وطفولته وحياته المهنية.

وهناك تفاصيل كثيرة عن نشاطه السياسي في الحزب الشعبي الفرنسي ومساندته لألمانيا النازية، وعمله لدى الألمان الذي تسبّب له بمشاكل متواصلة منها الاعتقال الإداري والاحتياطي.

كما تُقدّم الوثائق تفاصيل مثيرة عن محاولة الاستخبارات الفرنسية توظيف بن نبي وتجنيده، وتستعرض أنشطته العلمية والسياسية منذ عام 1946، حيث تتوفّر لديها معلومات عن منشوراته “الكتب والمقالات الصحافية”، وتتتبّع محاضراته ونشاطه في إطار الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري برئاسة فرحات عباس.

الكتاب يصحّح الكثير من المعلومات المتداولة بخصوص الشخصيات المؤثرة في تاريخ الجزائر المعاصر

ويؤكد الباحثان أنّ الوثائق تكشف عدم حصول بن نبي على شهادة مهندس كهربائي، على عكس ما هو رائج، لأنّ السيرة الذاتية التي دوّنها بن نبي بخط يده لا تتحدث عن هذه الشهادة، وبالاستعانة بأرشيف مدرسة الميكانيك والكهرباء بباريس تأكّدت لهما هذه المعلومة، لغياب اسمه في قوائم المتخرّجين في الدفعات الواقعة ما بين عامي 1932 و1939، وأيضا لأنّه ترك هذه المدرسة في عام 1935 بعد قضائه أربع سنوات بها.

ويُعدّ المفكر الجزائري بن نبي أحد رُوّاد النهضة الفكرية الإسلامية في القرن الماضي ويُمكن اعتباره امتدَادا لابن خلدون، ويعدّ من أكثر المفكرين المعاصرين الذين نبّهوا إلى ضرورة العناية بمشكلات الحضارة.

ومما لا شك فيه أن بن نبي يفهم الاقتصاد كبعد من أبعاد الثقافة كما يدرك أن أسلوب الإنتاج الاقتصادي ذاته هو تعبير عن ثقافة المجتمع وانعكاس لها، كما أنّ السياسة التي تعني في الجوهر تدبير شؤون الناس هي ظاهرة ثقافية بامتياز.

ويؤكد بن نبي أنه “جرى العرف إذا ما أريد الحديث عن الثقافة أن تقتصر مشكلتها في ذهن القارئ على قضية الأفكار”، ومن ثمّ يضيف موضحا عدم صحة هذا الموقف قائلا “إن تنظيم المجتمع وحياته وحركته، بل فوضاه وخموده وركوده، كل هذه الأمور ذات علاقة وظيفية بنظام الأفكار المنتشرة في المجتمع، فإذا تغير هذا النظام بطريقة أو بأخرى فإن جميع الخصائص الاجتماعية الأخرى تتعدل في الاتجاه نفسه.

إن الأفكار تكون في مجموعها جزءا هاما من أدوات التطور في مجتمع معين، كما أن مختلف مراحل تطوره هي في الحقيقة أشكال متنوعة لحركة تطوره الفكري”.

ولا بد من الإشارة إلى أن بن نبي سبق الكثير من المفكرين الاستراتيجيين المعاصرين الذين يولون أهمية قصوى لدور الأفكار في تفجير التحولات الكبرى مثل المفكر الاستراتيجي الأميركي المعروف جوزيف ناي الذي قدم نظرية متكاملة بخصوص دور القوة الثقافية والحضارية الناعمة في صنع التأثير في التاريخ، وهي النظرية التي تدين كثيرا لنظرية الهيمنة عند غرامشي التي تعني القيادة الثقافية والسياسية والفكرية.

ولفهم أفكار بن نبي كان من الضروري وضعها في إطار حياته وتجربته الذاتية وما خاضه من تقلبات ساهمت في صناعة فكره، وهو ما تبينه الوثائق المنشورة.

Share

التصنيفات: ثقافــة,عاجل

Share