Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

بوحيٍ من مؤرخ صهيوني.. نفتالي بينت.. من تسوية أو إدارة الصراع إلى “تقليص الصراع”

وكالات :

عندما تولى نفتالي بينيت رئاسة حكومة الاحتلال، توجه للإسرائيليين والمجتمع الدولي بخطاب تناول فيه موقفه من القضية الفلسطينية، فأطلق عبارات تتيح استقراء سيناريوهات مستقبلية لحكومته.

في خطابه قال بينيت إن على “الفلسطينيين تحمل المسؤولية عن أفعالهم والفهم أن العنف سيواجه برد حاسم”. كما أكد أن “الهدوء الأمني وانشغال الفلسطينيين بالشؤون المدنية سيؤديان إلى تطورات في المجال الاقتصادي وتقليل الاحتكاك مع الجيش الإسرائيلي وإلى تقليص الصراع”.

قد يبدو هذا التصريح مألوفاً للفلسطينيين، ويندرج تحت ما يمكن تسميته سياسة العصا والجزرة التي تعود إلى الأيام الأولى من احتلال أراضي 1967، لكن الأمر ليس كذلك تماما.

يرى المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) أن “تقليص الصراع” مقولة جديدة تدخل إلى القاموس السياسي الإسرائيلي، وهي من إنتاج أستاذ التاريخ الإسرائيلي ميخا غودمان الذي تحول إلى “سوبر ستار” في السنتين الأخيرتين. إلى جانب طاقم بينيت المكون من المختصين ورجالات الاستخبارات والساسة المخضرمين والمستشارين التكنوقراط، فإن غودمان هو أحد الأشخاص الذي يقوم بينيت باستشارتهم باستمرار، سيما بعد توليه منصب رئاسة الحكومة. بل إن عبارة “تقليص الصراع” التي استخدمها بينيت في خطابه مأخوذة من كتاب غودمان الذي يحمل عنوان “مصيدة 67” الصادر عام 2017.

أراضي 1967 هي مصيدة.. إذن لـ”نقلص الصراع”

وفقا لـ”مدار” ينطلق ميخا غودمان في كتابة “مصيدة 67” من فرضيات أساسية باعتبارها مسلمات نهائية غير قابلة للنقاش، ويبني عليها باقي أطروحته. إحدى هذه المسلمات هي أن الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني كان قد بدأ مع احتلال أراضي العام 1967.

والسبب هو أن غودمان يريد أن يقارب القضية الفلسطينية منطلقا من النقاشات الفكرية والخلافات الأيديولوجية داخل إسرائيل، وليس من خلال رصد الجذور التاريخية للصراع. بالنسبة للإسرائيليين (وهو يركز على اليسار واليمين الصهيونيين) فإن هناك توافقا تاما على حق إسرائيل في القيام على أراضي 1948، بيد أن الجدال الحاصل هو حول أراضي 1967.

الافتراض الثاني الذي يسوقه غودمان هو أن الصراع داخل إسرائيل على مصير أراضي 1967 هو صراع غير قابل للحل، ولن يزول، بل سيبقى ملازما للمجتمع الاسرائيلي إلى الأبد. وعليه، فإن “إدارة الصراع” الذي يعتبر غير قابل للحل لا يمكن أن تكون خيارا استراتيجيا على المدى البعيد.

وعليه، يقترح غودمان “تقليص الصراع”. ويقصد بتقليص الصراع التقليل قدر الإمكان من كل مظاهر الاحتلال (دون تفكيكه)، وتقليل الاحتكاك ما بين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي والمستوطنين (بدون إنهاء السيادة الإسرائيلية على أراضي “ج”)، وتقديم تسهيلات حياتية واقتصادية ملموسة. حسب غودمان، هذا من شأنه أن “يعزز الانطباع بالسيادة الفلسطينية من الناحية الرمزية، ويقلل من السيطرة الإسرائيلية على الفلسطينيين من الناحية العملية” وبالتالي سينهي أسباب وجود صدامات شعبية أو تذمرات دبلوماسية.

تقليص الصراع يقوم على ثماني خطوات

في 2019 استكمل غودمان مقاربته السياسية بمقال بعنوان: “ثماني خطوات لتقليص الصراع”، بعض هذه الخطوات يتعلق بالشؤون المدنية الحياتية، والبعض الآخر يتعلق بالشؤون الاقتصادية. لكنها جميعها تنطلق من افتراض أن “تقليص الصراع” يكون باتخاذ خطوات جريئة من قبل إسرائيل من شأنها أن تقلل الاحتكاك ما بين الفلسطينيين والإسرائيليين، دون أن تعد بحلول سياسية سيادية من جهة، ودون أن تهدد من إسرائيل من جهة أخرى.

والخطوات الثماني هي: ربط كل مناطق “أ” و”ب” داخل الضفة الغربية مع بعضها البعض من خلال إنشاء بنية تحتية من الشوارع السريعة والأنفاق والجسور. والهدف أن يتنقل الفلسطيني من الخليل إلى جنين مرورا بأريحا بدون أن يشعر أنه تحت احتلال وبدون أن يلتقي بجندي إسرائيلي واحد أو يتوقف عند حاجز. خصوصا عندما تستلم السلطة الفلسطينية السيادة على هذه الشوارع، فإن الواقع المرير الذي يعيشه الفلسطيني سيتغير بشكل دراماتيكي. مصدر آخر للصدامات ما بين الجيش الاسرائيلي والفلسطينيين هو الحق في السكن والتوسع الطبيعي داخل الضفة الغربية.

وعليه تطرح الخطوة الثانية منح مساحات إضافية للسلطة الفلسطينية تكون على أطراف القرى والمدن وهي أطراف قام الفلسطينيون أصلا بالتوسع عليها بشكل “غير قانوني”. وبرأيه يمكن ضرب عصفورين بحجر، إذ أن إقامة بنية تحتية لربط المناطق الفلسطينية سيتطلب أن تقدم إسرائيل “تنازلات” في المناطق “ج” والتي يمكن أيضا الاستفادة منها للتوسع العمراني والتكاثر الطبيعي.

معتبرا أيضا أن السفر إلى الخارج هو من أهم التجارب التي تجعل الفلسطيني يشعر بوجود الاحتلال. ويقول إن توسيع جسر الملك حسين وتسهيل تنقل الفلسطينيين لن يضر بالأمن الإسرائيلي، لكنه لا يكفي أيضا. ولذا يقترح غودمان إضافة إلى ذلك افتتاح محطة مغادرين في الضفة الغربية تكون مرتبطة مباشرة مع مطار بن غوريون، وتسيير خط حافلات بينهما.

ويقترح زيادة عدد تصاريح العمال الفلسطينيين ليصلوا إلى حوالى 400 ألف وتخصيص مساحات في المنطقة “ج” لغرض إنشاء مدن صناعية. كما يقترح ربط التجار الفلسطينيين بخطوط مباشرة مع الموانئ البحرية والجوية الإسرائيلية على نمط الخطوط اللوجستية المسماة “باب إلى باب” والتي ستعفي التاجر الفلسطيني من المرور عبر المعابر التجارية المرهقة من خلال فتح مسار “آمن” له.

كذلك يرى بإلغاء “اتفاقية باريس الاقتصادية” التي يعتبرها الفلسطينيون بأنها إعادة إنتاج للاحتلال بأدوات اقتصادية، ويقترح غودمان منح استقلالية اقتصادية شبه كاملة لهم وانضمام إسرائيل إلى جهود القيادة الفلسطينية الرامية إلى الاعتراف بفلسطين كدولة في الأمم المتحدة”.

الانفصال الزاحف

يعتقد غودمان أن اعتراف العالم يجب أن يكون اعترافا بدولة فلسطين وليس اعترافا بحدودها، وأن هذا قد يفتح الباب لتحول السياسات الإسرائيلية من سياسات “الضم الزاحف” إلى سياسات “الانفصال الزاحف” بدون التزامات جغرافية مقيتة، وفق رؤيته.  ويهدف “تقليص الصراع” إلى إبقاء 60% من مناطق الضفة الغربية تحت السيادة الإسرائيلية، وفي أحسن الحالات “التنازل” عن 2-5% من مناطق الضفة الواقعة في المنطقة “ج” لصالح الخطوتين الأولى والثانية. ضمن هذه الخطة الالتفافية يقترح منح إقامة دائمة (على غرار الهوية المقدسية) للفلسطينيين الذين سيبقون في المناطق “ج” وربطهم نفعيا مع المؤسسة الإسرائيلية. لكن الأهم من كل ذلك، هو أن غودمان، كأستاذ تاريخ، يخطئ في قراءة تاريخ الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، ويصّوره باعتباره هبة فلسطينية للمطالبة بتسهيلات حياتية. هذا يعني أن غودمان يهمل حق تقرير المصير، والمشاعر القومية والوطنية لدى الفلسطينيين والمتمثلة في إصرارهم على إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس، وهذا كتسوية، كون دولتهم هذه ستقوم على 22% فقط من فلسطين التاريخية. كما أنه لا يتناول قضية اللاجئين والمياه الموارد الطبيعية والقدس والسبب هو ببساطة لأن خطته لا ترمي إلى إنهاء الصراع ولا إلى إدارة الصراع، وإنما تهدف إلى “تقليص الصراع”.

هدية من السماء

تلقف نفتالي بينيت هذا المفهوم وكأنه هدية من السماء فمفهوم تقليص الصراع يتلاقى كليا مع الأجندة الصهيونية الدينية المنتمي لها، وخصوصا مع برنامج بينيت الاستيطاني، ويبقي على حق المستوطنين في البناء داخل “أرض الميعاد”، ويحافظ على “أمن إسرائيل”. وبينما أراد غودمان أن يطرح خطة تكون مخرجا من “مصيدة 67” بحيث يقدم بديلا عن برنامج اليسار السلامي وبرنامج اليمين الخلاصي وقاسما مشتركا يجمع عليه الطرفان، فإنه حسب  الباحث في الشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت وقع هو نفسه في المصيدة، وجاء بخطة يمينية بامتياز. فليس في خطة “تقليص الصراع” أي تضمين للأجندة السياسية اليسارية والمتمثلة بإنهاء الاحتلال، بل إن إيهود باراك، زعيم حزب العمل في السابق، كان قد انتقد خطة غودمان ووصفها بأنها انحياز مطلق للأجندة اليمينية المتطرفة.

ويتابع: “يمكن النظر إلى تقليص الصراع على أنها إعادة إنتاج لرؤية موشيه ديان حول “الاحتلال الخفي” الذي كان يعني الإبقاء على هياكل الاحتلال والاستمرار في السيطرة الفعلية على الأرض ومصير السكان الفلسطينيين، بدون أن يشعر الفلسطينيون بذلك. والسبيل الوحيد لأن لا يشعروا بذلك، هو أن يتم منحهم شعوراً حقيقياً بأنهم أحرار وأنهم غير مضطرين إلى مقابلة جندي إسرائيلي في كل مرة يغادرون منزلهم. بل إن منحهم “سيادة رمزية” بدلاً من السيادة الفلسطينية الحالية التي تآكلت قد يكون حجر الأساس في تقليص الصراع”.

Share

التصنيفات: خارج الحدود,عاجل

Share