Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

“تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة”.. هكذا تنبأ إدوارد سعيد بمستقبل إسرائيل وفلسطين

نشرت مجلة فورين بوليسي (Foreign policy) الأميركية مقالا تناول فيه كاتبه حياة وأعمال المفكر  الفلسطيني إدوارد سعيد، والتي سلط فيها الضوء على “الفشل الذريع” للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط.

وأشار أمير حسين راجي -وهو صحفي مقيم بالقاهرة- في مقاله إلى أن إدوارد سعيد انتقد ما وصفه بخداع النفس، وأوجه القصور والتحيز الكامن وراء السياسة الخارجية الأميركية.

تمثيلية السلام

واعتبر راجي أن سعيد ظل طوال تسعينيات القرن الماضي يحذر مما سماها “تمثيلية” عملية السلام في الشرق الأوسط التي تلعب فيها الولايات المتحدة دور الوسيط.

وأضاف الكاتب أن المفكر الفلسطيني الأصل انتابه اليأس مع دنو أجله من حدوث أي تغيير في الوضع “المأساوي” للفلسطينيين، إثر تنازل قيادتهم عن أي مكاسب جنوها من نضالهم لنيل تقرير المصير، بتوقيعها على معاهدة أوسلو التي وصفها سعيد بأنها “وثيقة تنازل فلسطيني، فرساي فلسطينية”، في إشارة إلى المعاهدة الشهيرة بين الحلفاء وألمانيا التي أسدلت الستار من جانب القانون الدولي على أحداث الحرب العالمية الأولى.

وقد أظهرت الأحداث الأخيرة في فلسطين وإسرائيل -بحسب راجي- أن إدوارد سعيد كان من القلائل الذين وضعوا هذه المسألة في إطارها الصحيح.

وقد بدأت وسائل الإعلام الأميركية تستوعب مواقفه تلك بعد أن كانت تعتبرها متطرفة في حينها، ربما من منطلق وعيه العميق بالتاريخ الذي تجلى في كتاباته.

حرب تصورات وأفكار

إن الصراع في فلسطين -كما فهمه إدوارد سعيد بوضوح- هو “حرب تصورات وأفكار” بقدر ما هو مسألة تتعلق بالسياسات. وقد كان سعيد على مدى عقدين من الزمان الناطق الأكثر نفوذا بلسان الفلسطينيين في الولايات المتحدة، وكان ذاك موقفا وحيدا وشجاعا في وقت كان فيه مجرد التفوه بكلمة “فلسطين” يعد استفزازا سياسيا، بحسب الكاتب.

واعتبر راجي في مقاله بفورين بوليسي أن “تساهل” الجمهور الأميركي كان أكبر عون للتأثير الإسرائيلي على السياسة الأميركية، وهنا فقط سجل سعيد أعظم انتصاراته بفضل جزالة منطقه، حتى أن لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك) التي تمثل اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، حذرت أنصارها من أن التصدي لسعيد “سيجعلك تبدو سيئا ليس إلا”.

واليوم ليس بمقدور قادة إسرائيل اعتبار رضا الجماهير والخطاب السياسي في الولايات المتحدة -أو ما يسميه إدوارد سعيد “انتصار الصهيونية شبه التام”- من الأمور المسلم بها، وفقا للمقال الذي يرى كاتبه أن الفضل في ذلك التحول يعود بدرجة كبيرة إلى الإرث الذي تركه إدوارد سعيد.

ثورة “الاستشراق”

لقد كان سعيد ناشطا وباحثا وكاتب مذكرات وناقدا أدبيا وموسيقيا، وتعامل كل طلاب العلوم الإنسانية في الولايات المتحدة مع إرثه، ومهد كتابه “الاستشراق” الطريق لثورة في دراسة الأدب والتاريخ والسياسة.

ووصف راجي كتاب الاستشراق بأنه “الأكثر مبيعا على مستوى الباحثين والعلماء”، إذ دل على أن الدراسات الإنسانية الأوروبية لعبت دورا في توطيد مظالم الإمبريالية العالمية.

وفي كتابه تحت عنوان “أمكنة العقل: حياة إدوارد سعيد” -وهو أول ترجمة كبيرة لحياة المفكر الفلسطيني الأصل بعد وفاته في 2003- قال مؤلفه تيموثي برينان إن سعيدا استخدم كتابه “الاستشراق” في التصدي للصورة الجائرة الشائعة في الإعلام الأميركي عن فلسطين.

وانتهى الأمر بسعيد إلى سبر أغوار تاريخ الخطاب الأدبي والاستعماري الغربي لفهم إلى أي مدى تمكن المثقفون المحدثون من تصنيف أحداث مثل التطهير العرقي في فلسطين عام 1948، أو دولة إسرائيل التمييزية، تحت عنوان “صراع الشرق الأوسط” البراق.

ويوضح برينان في كتابه أن “عمل سعيد السياسي وجد متكأه في النقد الأدبي”. ويرى أمير راجي أن هذا الوصف صحيح تماما، ذلك لأن إدوارد سعيد حلّل وحرّر وساعد في ترجمة العديد من النصوص الخاصة بالحراك الفلسطيني في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، بما في ذلك أول خطاب ألقاه الزعيم ياسر عرفات أمام الأمم المتحدة.

وما لبث سعيد أن أصبح “مفكرا متمرسا مناهضا للاستعمار”، وإلى جانب ذلك -يضيف الكاتب- يجب أن تُخلد ذكراه بوصفه مفكرا في الشؤون الخارجية الأميركية، إلى جانب إنجازاته بوصفه باحثا أدبيا وممثلا للحراك الفلسطيني. ولعل هذا الادعاء اقترب برينان من التوصل إليه، لكنه لم يفصح عنه بشكل قاطع، بحسب الكاتب.

وبرباطة جأش مذهلة -على حد وصف راجي- رفض سعيد معاهدة أوسلو لعام 1993، وعملية سلام الشرق الأوسط التي تلت ذلك، والتي كانت أحد المسارح الرئيسية للدبلوماسية الأميركية في ذلك “الزمن الجميل الذي سبق 11 سبتمبر/أيلول”، في إشارة إلى الهجمات الإرهابية على نيويورك وواشنطن عام 2001.

أما مقالاته ومقابلاته في السنوات التي تلت ذلك، فيمكن أن تستوعبها 5 مجلدات، وتعد بعضها من بين أقوى كتاباته وأطولها ديمومة وأكثرها استبصارا للمستقبل.

وقد وصف إدوارد سعيد الاحتجاجات والإضرابات وحركات المقاطعة إبان الانتفاضة الأولى في أواخر الثمانينيات، بأنها “الثورة المناهضة للاستعمار الأكثر إثارة للإعجاب وانضباطا بكل تأكيد في هذا القرن”.

سعيد وعرفات

وعوضا عن البناء على ذلك، شعر سعيد أن عرفات تخلى عن أي مكاسب تحققت في القضية الوطنية، نزولا على الوعود “الواهية” التي قطعتها الحكومة الأميركية بأن تكون “وسيطا نزيها”.

وقد كانت تلك المرة الأولى التي يوافق فيها شعب تحت الاحتلال على التفاوض مع محتليه قبل حدوث أي انسحاب أو أي اتفاق عليه، كما درج سعيد على القول لسنوات.

وكان سعيد يعتقد أن الغاية من مفاوضات السلام هي توفير الأمن لإسرائيل، وليس منح الفلسطينيين دولة داخل ما يُسمى الخط الأخضر.

وقد تسبب هذا الموقف في خلاف “مرير” بين سعيد وعرفات، إلا أن آخرين في القيادة الفلسطينية -من بينهم السياسية والكاتبة حنان عشراوي- عادوا واتفقوا مع كثير من مواقفه.

وطوال العقد الذي تلى ذلك، حافظ إدوارد سعيد على “وتيرة محمومة” من الكتابات على وقع تزايد الهزائم الفلسطينية، على حد تعبير مقال راجي في فورين بوليسي.

الأب الأبيض الكبير

وتمثل جذر المشكلة في أن الحكومة الأميركية -التي وصفها سعيد بـ”الأب الأبيض الكبير” في نبرة تنطوي على تهكم- لم تعامل الفلسطينيين على قدم المساواة مع الإسرائيليين قط، على أن هذه ليست مجرد مسألة أخلاقية بل هي قصور في الدبلوماسية الأميركية التي حالت دون التوصل إلى أي اتفاق.

ولم يشر إعلان المبادئ -وهي الوثيقة التي تُعرف باسم اتفاقيات أوسلو- مجرد إشارة إلى دولة فلسطينية أو تقرير مصير أو أي سيادة، لكنه نص على نوع من “الحكم الذاتي البلدي” (تحت وصاية أجنبية)، كما اصطلح إدوارد سعيد على تسميته، دون الالتزام بوضع حد للاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية أو قطاع غزة.

وكان البعض يحدوه أمل في أن يتمكن عرفات من البناء على ذلك في مفاوضات الوضع النهائي “الخرافي” كما وعدت الاتفاقية.

وبدلا من ذلك، سلكت الولايات المتحدة ما يُعرف بالنهج المتدرج المدفوع إلى حد كبير بمطالب إسرائيلية لمزيد من التنازلات من الجانب الفلسطيني، لكنها لم تفعل شيئا لإيقاف التوسع في بناء المستوطنات اليهودية وهو ما جعل الحل القائم على إنشاء دولتين يكاد يكون مستحيلا، ولعل ذلك كان أمرا محتوما حسبما فهم إدوارد سعيد سياسة القوة التي تقف وراءها، بحسب الكاتب.

غضب سعيد

ومضى مقال فورين بوليسي لينقل عن المؤلف والأكاديمي الأميركي تيموثي برينان القول في كتابه الآنف الذكر، إن سعيدا صب جام غضبه على المثقفين في الشرق الأوسط.

وكان سعيد قد تكهن منذ التسعينيات كيف أن عملية السلام الأميركية ستمنع أي شيء باستثناء واقع الدولة الواحدة. وكما يعتقد برينان -تلميذ سعيد- فإن المفكر الفلسطيني الأميركي لطالما سبق في نظرته تلك مفكري المراكز البحثية في واشنطن.

وفي كتابه “نهاية عملية السلام: أوسلو وما بعدها”، يشدد إدوارد سعيد على أن “التاريخ لا يرحم، إذ ليس يتضمن قوانين ضد المعاناة والوحشية، ولا ينطوي على توازن داخلي يعيد شعبا وقع عليه أفدح الظلم لمكانه المشروع في العالم”.

على أنه لا ينبغي -برأي أمير راجي- إساءة فهم عبارة سعيد تلك على أنها رسالة يأس، ذلك لأنه ليس كاتبا عاطفيا، إنما هو يقتدي بالقول المأثور للمفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي “تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة”.

 

Share

التصنيفات: ثقافــة,عاجل

Share