Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

أملاك المقدسيين: صمت عربي في فصل جديد من الانتهاك

محمود منير*

يستذكر الشاعر الفلسطيني حنا أبو حنا (1928) في كتاب “مهر البومة”، الجزء الثاني من سيرته الذاتية التي صدرت في مجلّدات ثلاثة، واقعة حدثت عام 1946 في القدس حين كان يسير في أحد شوارعها، وإذ بكتابات باللغتين العربية والعبرية على جدارٍ تعِد الفلسطينيين بمواطنة متساوية في الدولة اليهودية المزمع إنشاؤها.

مفارقةٌ تُستحضر مع المواجهات التي يخوضها المقدسيون منذ نهاية الشهر الماضي دفاعاً عن سيادتهم في مدينتهم التي احتلّتها “إسرائيل” في حزيران/ يونيو 1967 عقب هزيمتها جيوش ثلاث دول عربية؛ مصر وسورية والأردن في ستّة أيام، بعد أسابيع من دعوات الإعلام الرسمي العربي إلى “الجهاد” ضدّ العدو الصهيوني.

“المساواة” التي زعمت تحقيقها العصابات اليهودية قبل نحو خمسة وسبعين عاماً، لم تكن مجرّد شعار على جدار إنما كانت امتداداً لمخطّطات الاستعمار البريطاني الذي بدأ تنفيذها منذ سيطر على فلسطين، من أجل إقصاء أبنائها وانتهاك حقوقهم تمهيداً لاقتلاعهم من أرضهم، كما يروي أبو حنا في الكتاب ذاته حين أشار إلى تمكين اليهود في التعليم من خلال إنشاء “الجامعة العبرية” في القدس سنة 1925 ومنحهم حربة تامة في إقرار المناهج التعليمية التي يريدون، واستقلالية في إدارة جميع مدارسهم، مقابل حرمان العرب من دراسة ثانوية كاملة يتيح اجتيازها من دخول الجامعات.

مصطلح “القدس الشرقية” كرٍّسته الأدبيات العربية ليشير إلى المدينة المقدسة رغم أنه لا يتجاوز 16% من كامل مساحتها

وتم ابتلاع أكثر من نصف المدينة وهدم منازلها الواقعة في غرب المدينة عام 1948، وفق الحملة الصهيونية الممنهجة لتدمير المدن الفلسطينية، كما فصّلها المؤرخ إيلان بابه في كتابه “التطهير العرقي في فلسطين”، وكان ذلك في كانون الثاني/ يناير من السنة نفسها؛ أي في اللحظة التي كانت لا تزال بريطانيا تحتلّ فلسطين دون أن يتدخّل جيشها، بل إنه قام بتجريد السكّان من الأسلحة التي كانوا يمتلكونها، لينتهي الأمر إلى احتلال أحياء القدس الغربية الثمانية آنذاك، وتطهير تسع وثلاثين قرية كانت في محيطها، لينتهي ذكرها ويدخل منذ ذلك التاريخ مصطلح “القدس الشرقية” في الأدبيات العربية ليشير إلى المدينة المقدسة رغم أنه لا يتجاوز 16% من كامل مساحتها.

فصلٌ جديد من تاريخ القدس كان حين أصبحت جزءاً من الأردن بين عاميْ 1948 و1967، حيث بدأ القضم الاستعماري الإسرائيلي لأحيائها بالاستناد إلى سلسلة قوانين فرضها الاحتلال تتمثّل في “قانون أملاك الغائبين” و”قانون أنظمة القضاء والإدارة”، ثم “الخطة الهيكلية الرئيسية” لعام 2000، لكن جزءاً من الواقع التي يعيشه سكّان حي الشيخ جراح المنتفضين اليوم يعود إلى عام 1956 حين قامت وزارة الإنشاء والتعمير الأردنية و”الأونروا” ببناء ثمانية وعشرين منزلاً، على أن يتم تفويض الملكية لأهله بعد انقضاء ثلاث سنوات من إكمال البناء، إلا أن هزيمة حزيران حالت دون متابعة تفويض الأرض، وتسجيلها بأسماء العائلات التي لم تحصل على سند ملكية لعقاراتهم حتى أعلنت وزارة الخارجية الأردنية في التاسع والعشرين من  نيسان/ أبريل الماضي عن مصادقتها على أربع عشرة اتفاقية، وتسليمها إلى أهالي الحيّ.

لا حديث عن استعادة ما احتلّه العدو  ما لم يحقّق المواطن العربي تحرّره الوطني في دولة ديمقراطية حديثة

خلال أكثر من نصف قرن، استولى مئتا ألف مستوطن على أملاك المقدسيين ضمن خطّة “القدس الكبرى” التي يتوقّع أن تؤدّي إلى إخراج أكثر من 100 ألف فلسطيني من حدود المدينة، وتوطين أكثر من 150 ألف مستوطن آخر، في لحظة ينقسم فيها الموقف العربي الرسمي بين صمت عدد من البلدان التي انخرطت في التطبيع مع العدو، أو الإدانة في أحسن الأحوال.

الوقائع على الأرض لا يمكن فصلها عن مآلات الدولة العربية التي يفتقر الحكم فيها إلى الشرعية، حيث شكّل تحرير فلسطين عنصراً أساسياً في توليدها على مدار عقود ماضية، ليتكشف الأمر عن منظومات من الاستبداد والفساد عجزت في نهاية المطاف عن بلوغ التحرير المنشود أو التنمية والتحديث في ظلّ تدهور متسارع لاقتصادياتها، وفقدت أيضاً أية ملامح لاستقلالها مع تبعيتها المطلقة للغرب.

معطيات تعيدنا إلى المربع الأول، أي إلى بداية القرن العشرين، فلا حديث عن استعادة ما احتلّه العدو الصهيوني ما لم يحقّق المواطن العربي تحرّره الوطني في دولة مستقلة ديمقراطية حديثة.

 

  • كاتب مصري

Share

التصنيفات: ثقافــة,عاجل

Share