Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

أمراض المبدعين الخفية تفضحها السوشيال ميديا

شريف الشافعي*

بقدر ما أسهمت شبكة الإنترنت والصفحات الشخصية للأدباء والنقّاد والمبدعين في كسر انعزالهم وتشرنقهم حول ذواتهم، وتقريبهم من قرّائهم ومتابعيهم الحريصين على ملامسة نتاجاتهم وتقصي صورتهم الإنسانية وملاحقة أخبارهم، بقدر ما يمكن أن يرتدّ هذا السلاح المزدوج إلى صدر صاحبه إذا أساء استخدامه.

رغم أن الهدف هو الاقتراب أكثر من القارئ، فإنه قد ينقلب حضور حملة الأقلام على وسائل التواصل الاجتماعي إلى نقمة تظهر عيوبهم وأمراضهم الدفينة وانحرافاتهم النفسية، وتفضّ الناس من حولهم، وتختصم كثيرا من رصيدهم الإبداعي.

ويحتل القارئ موقعا متقدما للغاية في قائمة اهتمامات أي كاتب معاصر، خصوصا بعد سقوط الفلسفات والنظريات القديمة التي أسكنت المبدعين في أبراج فوقية وعزلتهم طويلا عن تفاصيل الحياة اليومية واهتمامات البشر بدعوى تعالي النص واكتفائه بذاته.

وتضاعف هذا الاهتمام بالقارئ مع ظهور الأدب الرقمي والنشر الإلكتروني، حيث تبلورت مفاهيم رجع الصدى والتفاعلية والكتابة التشاركية التي يدلي فيها القرّاء بدلوهم، وربما يتدخلون في النص كقوى مؤثرة، بل ويقترحون نهايات مثلا لروايات يتركها مؤلفوها مفتوحة.

خطوة للخلف

جاءت السوشيال ميديا كمنعطف جديد في علاقة الكاتب وقرّائه من جهة، وعلاقة الكاتب ورفقائه ومجايليه من المبدعين والنقّاد والمختصين من جهة أخرى، كذلك صلته بالأجيال السابقة والتالية من ذوي الاهتمام المشترك.

وتلعب وسائل التواصل دورا كبيرا في صناعة شخصيات أدبية وتكثيف الضوء حولها، ودفع أعمالها إلى دائرة “البيست سيلرز” المتوهجة، أو المؤلفات الأكثر مبيعا.

يندر أن يحتجب مبدع عن الظهور الافتراضي عبر الإنترنت، من خلال البروفايل أو الصفحة الشخصية التي يديرها بنفسه في أغلب الأحوال، ويلتقي فيها الآلاف من الأصدقاء والمتابعين على مدار الساعة، حتى وإن لم يكن من معتادي الحضور الاجتماعي والظهور في المناسبات والفعاليات الأدبية في الواقع الحقيقي.

من الطبيعي، أن تدفع وسائل التواصل الاجتماعي الأديب خطوات إلى الأمام، إذا استثمر هذه الواجهة الناصعة في التعبير عن ذاته كما يليق، إنسانيّا وإبداعيّا، بالإضافة إلى إمكانية استغلال هذا الفضاء في التعريف بأعماله الجديدة ونشر مقتطفات منها، وإبراز الإضاءات النقدية والأكاديمية حولها، والترويج لها تسويقيّا بشكل غير مباشر.

السوشيال ميديا منعطف جديد في علاقة الكاتب بقرائه من جهة، وعلاقته بمجايليه من المبدعين والنقاد من جهة أخرى

تسهم الصفحات الشخصية في تقديم المبدع لقرّائه كصديق، ورسم ملامحه الإنسانية البسيطة دون تكلّف، وربما تصوير مقتطفات من حياته العائلية، فيستشعرونه واحدا منهم، يعيش أزماتهم وأوجاعهم ويتحدث بألسنتهم ويتبنى آلامهم وطموحاتهم، ومن ثم فإنهم يتحمسون لأعماله، ويحرصون على اقتنائها، والتفاعل الدائم معها، وكذلك مع تدويناته و”بوستاته”، وحتى صوره وفيديوهاته وأخباره.

يقترن ذلك النجاح بالضرورة بالكيفية الإيجابية التي يطل بها المبدع على رفاقه وجمهور المتابعين، فالظهور المثمر يقتضي وعيا واتزانا وعمقا، ونضجا بغير تقعّر، وبساطة بغير ابتذال، وثقة بالذات من دون غرور، واحتراما لسائر المشاركين والمتفاعلين، إلى آخر هذه الممارسات السوية واللائقة فنيّا واجتماعيّا وأخلاقيّا.

ماذا لو كانت الإطلالة سلبية، ويسيء بها المبدع لنفسه وللآخرين الذين يجرحهم بخطابه وتعليقاته وأسلوبه في التعامل؟ هنا، سوف تنقلب الآية بطبيعة الحال، وتتحول السوشيال ميديا وأدبياتها الخاصة إلى دوران للخلف، وتراجع كبير.

الجنون بالذات

من الصعب حصر كافة مظاهر الخلل والتشوهات والأمراض النفسية والانحرافات السلوكية والأخلاقية التي قد تنتاب المبدع، بقصد أو دون قصد، في جولاته اللحظية في الفضاء الافتراضي، لكن قد يكون ممكنا اتخاذ بعض مؤشرات البذاءة دليلا لتوصيف هذه الحالات المؤسفة.

من الممارسات المسيئة ما يقدم عليه البعض من إذاعة الرسائل الخاصة علنا من دون استئذان صاحبها، خصوصا إذا اقترنت تلك الرسائل بما يؤذي صاحبها أو يعيبه أو يظهره بما لا يرضيه، كأن يكون طالبا العون أو النصح في أمر ما، أو متحدثا في شأن شخصي بحت، أو سائلا الرأي حول محاولة إبداعية صغيرة قيد التشكّل، وتزداد الطينة بلة حين يتخذ المبدع الكبير هذه الرسائل مادة للتهكم على صاحبها، والتنمر عليه.

يتصل بذلك، ما يفعله الكثيرون للأسف من إظهار ضعف بعض الأقلام النسائية، والأدباء صغار السن، وغير الموهوبين، ممن يلجأون إلى الأديب لاستطلاع رأيه حول إبداعاتهم الوليدة، فبدلا من مخاطبتهم “على الخاص”، أو حتى تجاهلهم إذا أراد، فإنه يتخذهم معبرا لفرض نرجسيته، وممارسة تنمّره، وإثبات تضخم ذاته كمركز للوجود، يقصده المتطلعون من كل حدب وصوب.

ما يعرّي الخلل النفسي أيضا لدى بعض المبدعين، انصباب الجزء الأكبر من كتاباتهم وبوستاتهم وتعليقاتهم على الغير، من الرفقاء المنافسين مثلا، بغرض تحقيرهم والحط من شأنهم، وكيل الاتهامات لهم، وتصيّد أخطائهم، واتخاذها مادة للتندّر والسخرية، وكأن السبيل إلى تحقيق الذات هو نفي الآخرين، وإلغاء وجودهم.

يغرق بعض الأدباء في العدوانية إلى درجة أنهم لا يكادون يقدمون شيئا على صفحاتهم يخصهم أنفسهم، بل يوجهون طاقتهم كلها للانتقادات التي قد تصل إلى الشتائم المجانية، وتزداد حفلات الذم الجماعية ضراوة عادة في أعقاب المناسبات الأدبية الكبرى، كالإعلان عن نتائج جوائز أو انعقاد مؤتمر، وما إلى ذلك.

الإدارة السيئة لصفحات الأدباء تنتقص من رصيدهم وتنفّر القرّاء.

ومن الأمور العجائبية تباهي البعض بحذفه عددا كبيرا من المتابعين، دفعة واحدة، لضيق قائمة الأصدقاء، واعتبار أن هذا الأمر البطولي بمثابة عقاب للأشخاص المحذوفين على عدم تفاعلهم بالقدر اللائق مع كتاباته.

من دواعي الجنون بالذات أيضا إفراط البعض من المبدعين في الحكي المذكراتي الشخصي، غير الأدبي، عن أنفسهم في طفولتهم وشبابهم مثلا، وعن الآخرين من رفقاء القلم في مرحلة البدايات، وبلورة تلك الحكايات المجانية التي لا تخص أحدا باعتبارها شهادات مهمة للتاريخ، ما يكون مثارا للدهشة والسخرية من المتابعين.

وتحكم الشللية قواعد اللعبة أحيانا، فلا يتفاعل البعض سوى مع أصدقاء بعينهم، هم بدورهم يقصرون التفاعل عليهم، ولا يلتفتون إلى غير ذلك من المشاركات والتعليقات على صفحاتهم، حتى ما هو مهم منها، ما يؤدي في النهاية إلى انغلاق ومحدودية في الرؤية والتوجه، وتقلص الأصدقاء والمتابعين الذين يفسرون هذا السلوك بالتجاهل والتعالي من جانب المبدع.

ومن الأمور البغيضة التي تنتقص من المبدع، وربما تجرّمه، ظهوره في ثوب المتحرش، بالعبارات والتلميحات والتعليقات، التي تجري مقابلتها عادة بالاستنكار والردود العنيفة.

وفي المقابل، فإن من السلوكيات المَرَضِيّة لدى بعض المبدعات الادّعاء بأنهنّ وقع عليهن تحرشّ، بغير دليل على ذلك، ونشرهن محادثات عادية مع الرفقاء والأصدقاء على أنها مسيئة، ما يعكس خللا موازيا لخلل المتحرشين الفعليين.

يخال البعض من المبدعين أن كسب اهتمام الآخرين لا يتأتى سوى بالرأي الصادم المخالف، وأن الإدهاش هو مرادف المقولات الغريبة والسلوكيات الشاذة، فتتحول صفحاتهم إلى عبارات تجديفية وهجوم على الأديان والمقدسات، أو قذف أجوف لرموز الفكر والثقافة الراسخين، أو تمتلئ بالصور العارية وفيديوهات الرقص والمفردات الإباحية الخادشة، وما نحو ذلك من ممارسات قد تحقق متابعات واسعة، لكنها تفتقد اللياقة وتجرح الذائقة الجمعية.

ولا تنتهي هذه المؤشرات الدالة على سوء إدارة المبدع لصفحته الشخصية، فكأنه عدو نفسه، يدعو الناس إلى النفور منه كلما سمعوا صوته أو طالعوا هيئته، فيكون الأفضل له أن يصمت أو ينسحب.

 

  • كاتب مصري

 

Share

التصنيفات: ثقافــة,عاجل

Share