Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

الخيال العلمي في العالم الإسلامي.. كيف تجاوز التحفظات وقمع السلطات؟

عمران عبد الله

لا يهتم العالم الإسلامي عادة بالخيال العلمي وفق صورة نمطية سائدة، وغالبًا ما تلقى مسؤولية الافتقار الملحوظ للإبداع والخيال والفكر المستقبلي على تحفظات دينية وحتى بسبب حكومات سلطوية، لكن كتابا جديدا صادرا حديثا يبدّد هذه الصورة المعتادة ويعتبرها غير صحيحة. وفي كتابه “الإسلام والخيال العلمي والحياة خارج كوكب الأرض.. ثقافة علم الأحياء الفلكية في العالم الإسلامي”، يعتبر يورغ ماتياس ديترمان الأكاديمي بجامعة “فرجينيا كومنولث” في قطر أن دولا ذات أغلبية مسلمة ودولا محكومة بأنظمة استبدادية أنتجت روايات خيالية عظيمة للغاية تنتمي لعلم الأحياء الفلكي أو البحث عن حياة خارج الأرض.

ويناقش الكتاب كيف كان العلماء من البلدان ذات الأغلبية المسلمة في طليعة البحث المثير عن حياة خارج كوكب الأرض، ويجادل بأن التقاليد الإسلامية كانت بشكل عام داعمة لمفاهيم الحياة خارج الأرض (مثل الإيمان بوجود الجن).

وفي هذا الكتاب الجذاب، يقدم المؤلف مسحا للنصوص والأفلام العربية والبنغالية والماليزية والفارسية والتركية والأردية، مستعرضا كيف كان العلماء والفنانون في البلدان ذات الأغلبية المسلمة في طليعة البحث المثير.

ويخلص إلى أن القمع ساعد الخيال العلمي أكثر من إلحاق الضرر به، حيث شجعت الرقابة المؤلفين على إخفاء نقد السياسة المعاصرة من خلال وضع الحبكات القصصية في أزمنة مستقبلية وعلى كواكب بعيدة.

خيال علمي “إسلامي”

وقال المؤلف في مقدمة كتابه إنه أثناء نشأته في ألمانيا والنمسا خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، كانت التأثيرات السينمائية لأدب ألف ليلية وليلة وعلاء الدين ذات صيت كبير، مبينا أنه أحب مخلوقات خيالية رائعة مثل الجني، وبعد ذلك أصبح أكثر اهتماما بالروابط بين الخيال التأملي والعالم الإسلامي.

ويتابع “عام 2013، عندما جئت إلى الدوحة، كنت مفتونا بأفقها.. بعد أن اعتدت على الهندسة المعمارية القديمة لفيينا، بدت العاصمة القطرية لي كمدينة المستقبل”.

وفي محاضرته التي ألقيت في نادي الفلك بجامعة قطر، بدأ ديترمان كلمته بالإشارة للمشاركة العربية في الكشوفات الفضائية، منوها باكتشافات قطرية ومغربية لكواكب خارجية.

وعرض ديترمان صورة خيالية فنية لكوكب يدعى “قطر-1ب” الذي اكتشف عن طريق مسح للكواكب الخارجية عام 2010، معتبرا أن الصور الحقيقية لا تكون مثيرة للغاية، في حين أن الصور الفنية المتخيلة تهم الصحفيين أكثر.

واعتبر المؤلف أن الصور الخيالية تعد نوعا من الخيال العلمي أو التخيّل العلمي، وهذا يعني أن “الفن يدعم العلوم، بل إن الفن جزء من العلوم، والفن يدعم العلميين في نشر بحوثهم ونتائجها في وسائل الإعلام العالمية”.

واعتبر المؤلف أن الخيال جزء هام من علوم الفضاء بشكل خاص، كما ناقش أصواتا دينية محافظة كانت ضد الخيال العلمي لأسباب عقائدية، مؤكدا أن الإسلام لم يكن ضد الخيال العلمي، ولفت -في الوقت ذاته- إلى أن الحكومات السلطوية في الشرق الأوسط لا تدعم الفكر الحر أو الإبداع بشكل عام.

ويستدرك المؤلف بأن الخيال العلمي والفكر المستقبلي لا يعتمدان بشكل كامل على نظام ديمقراطي، فقد أنتج الاتحاد السوفياتي كتبا وأفلاما عديدة في مجال الخيال العلمي، وكان الاتحاد رائدا في البحوث الفلكية والحياة خارج الأرض، وكذلك كان الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر رائدا في بناء مرصد حلوان، وكتب في عهده الأديب توفيق الحكيم مسرحيات خيالية لافتة.

وقال المؤلف إن كتّابا في الخيال العلمي نبغوا أيضا بين الإسلاميين، في مقدمتهم الكاتب أحمد رائف الذي سجن مع المفكر الراحل محمد قطب (شقيق الأديب سيد قطب) وألف في السجن مسرحية بعنوان “البعد الخامس”، كتب مقدمتها الأديب الإسلامي محمد قطب وتصور فيها مجتمعا مثاليا إسلاميا من دون فساد على “الكوكب الأحمر”، وقدمت هذه المسرحية بالمقابل أحوال المجتمعات الإنسانية الحالية كنقيض للمجتمع المثالي المتخيل.

وأشار المؤلف إلى تفسيرات إسلامية توحي بوجود حياة خارج الأرض أو على الأقل تترك الباب مفتوحا أمام التفكير في هذا الاحتمال، مؤكدا أنه ليس من المستغرب وجود حركات إسلامية تشير لوجود الفضائيين والأطباق الطائرة مثل حركة “أمة الإسلام” في الولايات المتحدة.

واعتبر المؤلف أن كتابة مسرحية ناقدة في السجن أسهل إن كان مجالها الخيال العلمي، في حين تكون أصعب لو كان موضوعها أكثر واقعية، وهكذا ساعدت الدول السلطوية وأنظمة المراقبة دون قصد في تطوّر الخيال العلمي.

النضال ضد الاستبداد

ولا يعد مزج الخيال العلمي بالموقف السياسي ظاهرة جديدة، فقد نقل الأديب توفيق الحكيم في مسرحيته “رحلة إلى الغد” -التي كتبها عام 1957 في زمن السباق نحو الفضاء بين أميركا والاتحاد السوفياتي مع بعض المبالغة والتطويل- أجواء خيالية يتنبأ فيها بموضوعات رائجة في مجال أدب الخيال العلمي مثل السفر عبر الزمن وغزو الفضاء، غير أنه مزجها بقضايا فلسفية مثل الفراغ القبيح الذي ستوفره الحرية المزعومة والحب والمبادئ الإنسانية، وتساءل فيها: هل الأفضل أن نعيش في راحة بلا جهد أم نشقى ونتعب لنحصل على ما نريد؟

ويلجأ كثير من الأدباء -في ظل غياب حرية التعبير والنشر في العالم العربي- إلى الخيال العلمي، لتجاوز حدود الواقع وتحدي الرقابة الحكومية عبر تصوير الأنظمة الدكتاتورية والاستبدادية باستعارة رمزية بالفضائيين أو الغرباء.

وسبق للروائي الإنجليزي جورج أورويل مؤلف رواية “مزرعة الحيوان”، استخدام تقنية الإسقاط الأدبي وحبكة الخيال العلمي لوصف الأنظمة الشمولية السوفياتية، واعتبرت روايته نوعا من الأدب التحذيري سواء من السلطات الاستبدادية أو الثوار الأكثر فسادا وطغيانا.

ويعِد جوناثان راينهارت نائب الرئيس الأميركي في رواية “وعد جوناثان” من سلسلة فانتازيا للروائي المصري الراحل أحمد خالد توفيق، أن تكون بابوا غينيا الجديدة وطنا قوميا للعرب، وهو ما يبدو محاكاة ساخرة لوعد بلفور البريطاني.

ويرتبط أدب الخيال العلمي عالميا بالنقد السياسي والاجتماعي، وقد تضمنت روايات جورج ويلز المبكرة -مثل “آلة الزمن”- إسقاطات سياسية معارضة للسلطة غالبا، في حين تضمنت رواية “مواقع الأفلاك في وقائع تليماك” -التي ترجمها رفاعة الطهطاوي عن الفرنسية في منتصف القرن التاسع عشر- نقدا لاذعا للملك لويس الرابع عشر.

وفي رواية جورج أورويل الشهيرة “1984” وفي عالم الأخ الكبير ذي الرقابة الحكومية الصارمة والدكتاتورية وخداع الجماهير بالدعاية المزيفة، تظهر حركة مقاومة سرية (أخوية ثورية) تحاول مواجهة شرطة الأفكار ووزارة الحقيقة وتسعى للتبصير بالحقائق.

ونشر الكاتب الإنجليزي هربرت جورج ويلز عام 1897 روايته الرومانسية العلمية “حرب العوالم” التي تسرد مقاومة البشر لغزو المريخيين الذين حولوا ريف لندن إلى خراب، وتعد من أقدم القصص التي تتناول فكرة مقاومة البشر للغزو الفضائي التي أصبحت رائجة في الأدب والسينما لاحقا.

 

Share

التصنيفات: ثقافــة,عاجل

Share