Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

د.أحمد الصعدي: أرسطو عن الفيسبوك !

توفى أرسطو عام 322 ق.م. ، فما بالنا نريد الإدعاء بأنه قال شيئا ما عن الفيسبوك ، الوسيلة التي ظهرت إلى الوجود بعد وفاته بأكثر من 2300 عام ؟
في الواقع أن أرسطو لم يكن عالما بالغيب ولم يذكر الفيسبوك ، وهذا ما نعلمه جميعنا ، ولكنه قال عنه كلاما في غاية الأهمية ، وإليكم بيان ذلك :
كان أرسطو تلميذ أفلاطون ، وأفلاطون تلميذ سقراط ، وهذا معلوم ، غير أن ما يعنينا هنا هو أن سقراط كان يرى أن المعرفة والفضيلة الأخلاقية شيئ واحد ، وأن الانسان لا يفعل الشر إلا لأنه يجهل أن ما يفعله هو شر ، ولهذا يكفي أن يحوز على معرفة صحيحة ويقينية عن الشر ليغدو فاضلا ، ويذهب أرسطو في تفسيره لسقراط إلى القول أن سقراط يعتقد أن المعرفة الصحيحة في أي مجال كافية بذاتها ، وأن الأخلاق تصبح في هذه الحالة من النوافل . وعلى نهج وموقف الأستاذ في هذه المسألة سار التلميذ أفلاطون إلا أن أرسطو تلميذ أفلاطون خالف الإثنين معا ، أستاذه وأستاذ أستاذه ، وفرق تفريقا واضحا بين المعرفة والفضيلة وبين العلم والأخلاق كما فرق بين فضائل العقل وفضائل الطبع ، من نواح كثيرة ومهمة لم تفقد حيويتها وأثرها المنهجي إلى يومنا هذا . عند التفريق بين العلم والأخلاق ، بين المعرفة والفضيلة وضح أرسطو الآتي : من يحصل على معرفة البناء يصبح بناءً ، أما في موضوع العدالة – إحدى أمهات الفضائل – فلا يكفي أن تعرف ماهي العدالة لكي تكون عادلا ، وذلك لأن المعرفة العلمية ، في مجال البناء مثلا ، يختص بها العقل أما في الأخلاق فان العقل يشترك مع الإرادة والرغبات . كذلك فرق أرسطو بين العلم والأخلاق من حيث الوظيفة ، فالعلم يعرفنا الأشياء كما هي ، أما الأخلاق فتعلمنا كيف نتعامل مع هذه الأشياء التي عرفناها.
هذه الملاحظات الدقيقة والذكية قيلت عندما كان العلم في سن الطفولة ، ينام مبكرا في حضن أمه الفلسفة التي كانت تسمى أم العلوم ، وكان مايزال مرتبطا بالأسطورة ، ولكنها اليوم ، أي الملاحظات ، أكثر أهمية وحيوية مما كانت عليه في زمن صاحبها . مما يقوله أرسطو للانسان الذي يعيش في مطلع الألفية الثالثة مايلي: إذا كان الطبيب الجراح – على سبيل المثال – قادرا ، بفضل تقدم العلم ، على نقل وزراعة الأعضاء من شخص لآخر ، فإن الأخلاق تمنعه من الإتجار بها . وإذا كان العلم يعلم صانعي الأدوية الأشياء كما هي كي يصنعوا ما يفيد الانسان ، فإن الأخلاق تمنعهم من إساءة استخدام معارفهم وصنعتهم للإضرار بالانسان من خلال الغش في المنتج بهدف الربح او الاحتكار وإخفاء الأدوية لرفع اسعارها . وإذا كان العلم يعرف الانسان الأشياء كما هي ليصنع وسائل تسهل للناس التواصل وتبادل المعارف والآراء والحصول على المعلومات كما هو الحال مع الانترنت والوسائل المرتبطة به ، ومنها الفيسبوك ، فإن الأخلاق تعلمه كيف يستعمل هذه الوسائل الحديثة من غير تعمد إلحاق الأضرار بالآخرين . إن الكذب والتشهير والرغبة في إيذاء الآخرين أمور بشرية وجدت منذ فجر التاريخ ، وليست من اختراع الانسان المعاصر ، إلا أن الانسان المعاصر يملك من وسائل الفتك المعنوي والمادي بأخيه الانسان مالم يكن يخطر على بال ، وهذه الوسائل تتطلب مستوى عاليا يناسبها من الوعي الأخلاقي ومن الشعور بالمسؤولية الأخلاقية ، وهذا يلزم من تعاليم أرسطو ذاتها عن العلاقة بين العلم والأخلاق .
وهكذا يمكن ترجمة فكرة أرسطو بالقول ، أن العلم يعرفنا الاشياء كما هي ، ويعرفنا ماذا نستطيع أن نصنع منها وكيف نستعملها ، أما الأخلاق فتلزمنا باستخدامها لخير الانسان ، وتمنعنا من استغلالها لفعل الشر . وإذا كنا نميل إلى استغلال منجزات العلم والتكنولوجيا للإضرار بالآخرين فهذا يدل على ضعف حضور الأخلاق في وعينا وفي تصرفاتنا. يمكننا الدفاع عن حقوقنا وعن مواقفنا وآرائنا بكل ما أُوتينا من قدرة ، ويمكننا تبني مواقف صارمة ، من غير اللجؤ إلى اختلاق الأكاذيب والافتراء والتعرض للأعراض والتشهير والإبتزاز والرغبة في إذلال الآخرين وتحقيرهم وتلطيخ سمعتهم وإثارة الأحقاد والضغائن والكراهية العمياء .
الخلاصة : عندما تغرينا وتعمي أبصارنا الوسائل التي بين أيدينا ، التي أتاحها لنا العلم ، علينا إيقاظ ضمائرنا وتنوير بصائرنا..أليس كذلك يا أرسطو ؟
Share

التصنيفات: أقــلام,عاجل

Share