Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

“إيكولوجيا المحسوس”: غير بعيد عن ابن عربي

مليكة ياسين

في بداية القرن العشرين، أحدثت أفكار متفرّقة طرحها كل من السويسري فرديناند دي سوسير والنمساوي لودفيغ فيتغنشتاين تحوّلات كبرى حين وُضعت اللغة كسؤال جوهريّ في قلب جميع العلوم الإنسانية من الفلسفة إلى علم الاجتماع. بعد عقود سُمّيت هذه الفترة بـ”المنعطف اللغوي” Linguistic turn، وكان تطوّر العلوم الإنسانية سبباً في ظهور مجموعة منعطفات أخرى مثل المنعطف التواصلي والمنعطف الثقافي وغيرها.

في السنوات الأخيرة، بدأت الكوارث الطبيعية المتلاحقة تدفع نحو المزيد من الاهتمام بالإيكولوجيا التي أصبحت أكثر من حقل معرفيّ يتحرّك ضمنه المتخصّصون. إنها اليوم فضاء يتقاطع فيه الجميع؛ طيف واسع يبدأ بعلماء الطبيعة ولا ينتهي عند الأنثربولوجيين، حيث يمتدّ إلى الفنانين والروائيين والشعراء، ما يجعل البعض يتحدّث عن “منعطف إيكولوجي”، وفي إطاره تظهر دعوات لتطوير هذا المجال.

في كتابه الأخير “من أجل إيكولوجيا المحسوس” (منشورات أوديل جاكوب، 2020)، يطرح الباحث الفرنسي جاك تاسين توسيعاً أكبر لمجال الإيكولوجيا، إذ يربط بين عالمين طالما نظر إليهما العِلمُ منفصلين، عالم الطبيعة والذي يُعتبر موضوع الإيكولوجيا المكرّس، وعالم المشاعر والأحاسيس البشرية، والذي هو أيضاً “منظومة بيئية” ينبغي فهم مفرداتها كي تكون في تناغم مع نظام كونيّ شامل.

لماذا بقيت الإيكولوجيا عاجزة عن حماية الطبيعة من جشع الإنسان

يقدّم تاسين قراءة في تاريخ الإيكولوجيا المعروفة، والتي بدأت في نهايات القرن التاسع عشر حين بدأ العلماء يتفطّنون إلى ضرر التصنيع على الطبيعة، ولاحقاً أصبح المجال أكثر استقلالية وتفرّعت عنه حركات سياسية واجتماعية. لكن السؤال الذي يثيره تاسين يبدو في محلّه: لماذا بقيت الإيكولوجيا عاجزة عن لعب الدور الذي طمحت إليه من البداية وهو حماية الطبيعة من جشع الإنسان؟

 

هنا يرى الباحث الفرنسي أن السبب هو بقاء الإيكولوجيا ناقصة لأنها لم تعر بعد اهتماماً إلى المحرّك العميق لتصرّفات الإنسان، وهي الدوافع النفسية بما هي شبكة من الغرائز والعواطف والانفعالات. دون فهم هذه المنطقة المتشعّبة، يعتبر تاسين بأنه من المستحيل الأمل في علاقة جيّدة بين الإنسان والطبيعة.

يُرجع الباحث الفرنسي هذه الإشكاليات التي وقعت في الإيكولوجيا منذ عقود إلى رؤية جرى توارثها بين المفكرين والعلماء منذ عصر التنوير (القرن الثامن عشر)، فقد جرى منذ ذلك الوقت بناء تقاليد للعلم قوامها العقلنة، أي نزع الشعوري من كل موضوع بحث. بسبب ذلك، فإن هدف العلم مثلاً تحويل عامل من عوامل الطبيعة مثل هبوب الرياح أو سريان الماء إلى نظرية يمكن استثمارها، غالباً في المجال الصناعي، وهكذا جرى قطع عالم الإنسان تماماً عن عالم الطبيعة، في حين أن العالمين يمثّلان مناطق امتداد متشابكة؛ إنهما بمصطلحات الباحث الفرنسي إيكولوجيا واحدة. لكن، ألا يشبه هذا الطرح الذي يقدّمه تاسين تلك النظرية المعروفة باسم “وحدة الوجود”، والتي يُعتبر المتصوّف الأندلسي محيي الدين بن عربي أبلغ من عبّر عنها؟

 

Share

التصنيفات: ثقافــة,عاجل

Share