Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

لون الغد .. مثقفون عرب يستشرفون مستقبل العالَم ما بعد جائحة كورونا

عبد الدائم السلامي*

من صُنوفِ اختلاف الشعوب عن بعضها بعضا طبيعةُ تعاملها مع الآفات والجائحات، حيث يغرق البعض منها في أتون الجائحة ويعاني ويلاتها، حتى إذا خفت حِدتُها تناساها وعاد إلى معيشه، دونما تفكير منه في التغيرات التي سيشهدها العالم بسبب تلك الجائحة. وهناك شعوب بقدر ما تحرص على توجيه جهودها للتخفيف من انصباب الجائحة عليها، تُركز اهتمامها على الاستفادة منها بما يُمكنها من اقتراح تصورات حول كيفيات حضورها الآمن في المستقبل.

وفي مجرى هذا المعنى الاستشرافي للمستقبل، أصدر الروائي والقاص الكويتي طالب الرفاعي عن دار ذات السلاسل كتابًا غير مسبوق في مجاله عنوانه «لون الغد- رؤية المثقف العربي لما بعد كورونا» وهو دراسة علمية معمقة لآراء ثمانية وثمانين مثقفا من تسع عشرة دولة عربية حول ما سيكون عليه مستقبل العالَم ما بعد جائحة كورونا.

حدد الباحث في توطئة كتابه الملامح الجديدة، التي صارت عليها حال العالَم بعد ظهور فيروس كورونا، حيث وصفها بقوله: «الثابت أن فيروس كورونا المُسْتَجِدْ اجتاح حصوننا، واستطاع بتميز غير مسبوق إيقاف وشل حركة النشاط البشري على كوكب الأرض، وحبس شعوب العالم وراء جدران سجون بيوتها، في ما سُمي بـ«الحجر المنزلي» وبعث بمصطلح «التباعد الاجتماعي»Social Distancing الذي صار لازمةً تتردد صباح مساء في وسائل الإعلام. وعلا صراخ الحناجر اللاهثة فوق كل المنابر والقنوات، مُحذراً الإنسان من الإنسان، وناصحاً إياه بالتباعد عنه، وأن ينتبه لخطورة ملامسة أصابعه لوجهه». وهي حال قد يتغاضى عن تأويلها المواطنُ العادي، ويكتفي بالخوف منها، ولكن مسألة قراءتها تتصل رأسًا بالمثقفين، بوصفهم نخبة قومهم وهُداتِهم إلى سواء السبيل الاجتماعي والسياسي والثقافي والحضاري. وقد وزع طالب الرفاعي كتابه، إضافة إلى مقدمته وخاتمته، على أربعة أقسام: أولها نظري وعنوانه «ثلاث قضايا» وفيه أطّر عناصر دراسته وهي حالُ الإنسان، والسيادةُ العالميةُ، وشكلُ الفكر والثقافة والإبداع في خضم انتشار جائحة كورونا.

وقد عرض هذه العناصر على المثقفين العرب في سؤاله الذي وجهه إليهم وجاء فيه قوله: «أرى أن البشرية تجتاز منعطفاً تاريخياً للوقوف في وجه كورونا، وأن ما بعد كورونا سيكون عالماً مختلفاً عما كان قبله: السيادة العالمية، وشكل الاستعمار، والاقتصاد، وتنقل البشر، والفكر والثقافة والإبداع. وأنا أعمل على مشروع للوقوف على تصور المبدع والمثقف العربي، للإجابة على السؤال التالي: اليوم الثلاثاء 24 مارس/آذار 2020، كيف تتخيل يوم الأربعاء 24 مارس في العام المقبل؟».

وقد اشتغل الباحث على إجابات المثقفين من حيث رصدها، وجدولتُها، وتحليلُها، واعتمادها منصة للاستنتاج، وتوزيعُها على ثلاث فئات: فئة المتفائلين وتضم 19 مُشاركا، وفئة المتشائلين وفيها 45 مشاركا، وفئة المتشائمين وتضم 24 مشاركا. ولم ينسَ طالب الرفاعي تذكير القارئ بأن الهدف الأساسي من وراء دراسته هذه، إنما هو «معرفة نظرة المفكر والمبدع والمثقف والناشر العربي للغد، وما يمكن أن يكون عليه مستقبل الفكر والثقافة وحال الإنسان في عالم ما بعد كورونا.

وكذلك محاولة رصد أهم ما يراود مخيلة المبدع والمثقف، وينطق بأمانيه وأحلامه، حيال الغد».

أما القسم الثاني وعنوانه «فئة المتفائلين» فقد عمد فيه الكاتب إلى عرض شهادات مثقفي هذه الفئة، وجدولتها، والتأليف بين أهم ما جاء فيها من آراء حول ما سيكون عليه العالم بعد جائحة كورونا. وقد خلص من ذلك إلى القول إن فئة المتفائلين قلة (21.6٪) «لكنها قلة تعرف وتعي وتدرك وتعيش منغصات ومصاعب وتحديات الواقع العربي الراهن، ديمقراطياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً وفكرياً وإبداعياً وفنياً، لكنها مع ذلك ترى أملاً واعداً في نهاية الطريق.

فئة المتفائلين أجابت بـ(نعم): إن ما بعد كورونا سيكون مختلفاً عما قبله، وتمنت أن تكون جائحة كورونا العابرة، توطئة لقيامة عالم جديد، متوازن ينعم بالطمأنينة والوفرة والسلام، ومفاتيح أبوابه الحكمة والعقل».

وفي القسم الثالث من الكتاب وعنوانه «فئة المتشائلين» ونسبتها (51.13٪) وبعد أن عرض الباحث آراء المشاركين وحللها وخلص منها إلى تقرير مجموعة من الاستنتاجات، سنعرض هنا واحدا منها مخصوصا بالسياسة، جاء فيه قول الباحث: «المتشائلون يتمنون انتهاء سيادة القطب الأمريكي الواحد وانبعاث التعددية، لعدة أسباب، وعلى رأسها الانحياز الأمريكي السافر لإسرائيل، وتجاهلها للحقوق العربية، ومواقفها السياسية الأخرى الباعثة على الريبة والشكوك حيال قضايا المنطقة، واستغلالها لثرواتها. ومع هذا يُدرك المتشائلون استحالة تراجع الولايات المتحدة الأمريكية، في حربها الدائرة على زعامة العالم، وأنها ستستبسل في الدفاع عن مواقعها، واحتمال إمكانية نشوب حرب دولية باردة على زعامة العالم، بثوب جديد وأدوات أخرى كالاقتصاد والنيوليبرالية والعولمة، لتلافي أي مواجهة نووية. وسيكون انعكاس ذلك على حكومات المنطقة العربية «الديمقتاتورية» مزيداً من تشبث هذه الحكومات بسياساتها، ومزيدا من الانغلاق والفقر وانحسار الحريات».

وفي القسم الرابع من الكتاب، وعنوانه «فئة المتشائمين» ونسبتها (27.27٪) حرر الباحث مجموعة من الاستنتاجات نعرض منها، استنتاجه حول حال الإنسان ما بعد كورونا، حيث يذكر أن الإنسان هو «رأس المال الأهم على وجه الأرض، والمؤكد أن هذا ما دفع (75٪) من فئة المتشائمين للكتابة عن حال الإنسان بحرقة واضحة وألمٍ صريح، ولقد حامت أفكارهم كما أسلفنا حول: الخوف من إفلاس الأخلاق، وتحول الخلاص الذاتي على مستوى الأفراد والدول إلى مسلكٍ جَمْعِي لعالم ما بعد كورونا. فهم يرون أن الأنظمة ستتغول على البشر، لأنهم دُفِعوا قسراً إلى الإنترنت وقنوات التواصل الاجتماعي فأصبحوا أسرى في شباكها، خاضعين ومكشوفين أمام الرقابة الدائمة الشاملة التي جردتهم من الخصوصية. تذكر الأبحاث أن «بلداناً كاملة تُستخدم حقل تجارب اجتماعية على نطاق واسع.

لذا سيواجه العالم خياراً جوهرياً بين «المراقبة الشمولية» و«التعويل على حس المسؤولية لدى المواطنين».. وإذا لم نحترس، فإن الوباء سيشكل نقطة انعطاف في تاريخ المراقبة. ليس لأنه قد يجعل استخدام أدوات المراقبة الجماعية أمرا طبيعياً في دول كانت ترفضها حتى الآن وحسب، بل خصوصاً لأنه سيشكل تحولاً لافتا نحو «مراقبة + تحت الجلد».. فحتى الآن، حين كنتم تنقرون بأصبعكم على رابط على هاتفكم الذكي، كانت الحكومة تريد أن تعرف ما هو هذا الرابط. أما الآن، فتريد الحكومة معرفة درجة حرارة إصبعكم وضغط الدم تحت جلدكم».

ومن خاتمة كتاب «لون الغد» نعرض على القارئ قوله: «وأنا أخط كلمات خاتمة دراستي هذه، ما زال العالم يترنح تحت ضربات الجائحة صحياً واقتصادياً وسياسياً، وما زالت مستشفيات العالم، تضج بأنين المصابين بكوفيد-19، وآلامهم الموجعة بتشنجاتهم، بين تشبثهم بالحياة وخوفهم من مفارقتها. وما زال بعض مواطني الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية، يعارضون بشدة لبس «الكمامة».

وهناك من يرى في كل ما جري ويجري وجهاً من وجوه «مؤامرة عالمية» للسيطرة على اقتصاد العالم، وأنها كشفت بعضاً من صراع حول تسيد زعامة العالم، بين واشنطن وبكين. لكن ما هو ثابت؛ هو أن كورونا اجتاح العالم، ومس ولعب وعبث وخرب عيش البشر، وأنه ترك نُدبة عميقة على روح تفكيرهم ومسلكهم، وأحسب أن هذه الندبة ستبقى».

 

  • كاتب تونسي

Share

التصنيفات: ثقافــة,عاجل

Share