Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

البردوني.. 21 عاماً من المجد والخلود

عصام واصل

«لم يرحل عبدالله البردوني، والراحلونَ هُمُ -بتعبير المتنبي- أولئك العابرون بلا وجهة، حيث يبدو البردوني غريباً عنهم، لا يشبهونه في شيء، ويتشبهون به كأنهم في حفلة سوريالية!»، هكذا يفتتح الدكتور سعيد سالم الجريري، أستاذ الأدب الحديث بجامعة حضرموت حديثه عن الراحل فينا أبداً عبد الله صالح حسن الشحف البردوني (1929 – 1999)، جواب العصور وخالق الإنزياحات والدهشة الذي لم يهن ولم يهادن ولم يطمع سوى في رؤية بلد محترم في المخيلة كان يأمل أن يكتمل.

مثّل البردوني فلسفة تعمد إلى التثوير، ولا تتوقف عند ذلك بل تسهم في التغيير الجذري قولا وفعلا ورؤية ورؤيا، إنه طاقة فنية متجددة متوثبة منفتحة على التيارات الأجد والأكثر حداثة، حتى أنه عدَّ حاضرا في نتاجات الأجيال المعاصرة بل إنه العنصر الحداثي الأوحد في نصوص معظمهم.

صنعاء البردوني

لقد ظل البردوني زمناً يرى في صنعاء عائقا ومعيقا يختزل فيها البلد برمّته يعاتبها حيناً ويهجوها حيناً ويستنهضها أحيان أخرى، لكنه لم ييأس من ولادتها يوما ما على أي شكل وبأي هيئة، فقد آمن أنها ستنهض وإن متأخرا.

يقول الدكتور الجريري في حديث خاص إلى «العربي» إنه «لم يقرأ أحد صنعاء كما قرأها البردوني. ولو أن غيره تمثلوا صنعاء البردوني مثلما تمثلَها، لما انتكست مرة أخرى لتسقط هشة بيد مليشيات دولة الكهنوت السياسي التي تسلمتها هشة أيضاً من يد مليشيات دولة القبيلة السياسية».

ويضيف «ليس البردوني رائياً شعرياً استثنائياً فقط، ولكنه راءٍ ثقافي استكنه شساعة المشهد عبر التاريخ، لا تثقله أوهام الوصول وانتهازية المثقف العابر إلى يوتوبياه عبر جسر السلطة. ولأنه كذلك فقد نأى بنفسه عن المضي خلف مواكب الماضي، وظل يستشرف شعراً ورؤيةً وموقفاً صُوَى المستقبل، في حالة من حالات (أو ظواهر) التماهي بين الثقافي والسياسي. أي أن إستراتيجية البردوني الشعرية موازاة بإستراتيجية سياسية، لم يرِم عنهما، حتى آخر نفَس».

ويستطرد الجريري قائلاً «قرأ البردوني صنعاء كما لم يقرأها سواه، ولعله لذلك صار الكتاب المفرد الذي تبدو فيه صنعاء كما هي، بجمالياتها التراثية وقبحياتها المعاصرة التي عميَ عنها كثيرون. ولأنه ممن عشقوا صنعاء -لكن ليست المراوِدة والمراوَدة- فهو لم يبتذل في بوحه، ولم يتعال في ابتهالات خرساء عاجزة، يتخذها غيره قناعاً يخفي قبحيات شبقة، وإنما كان يواجه صنعاء بما في قلبه من حب، وإن بدا قاسياً أحياناً».

عالمية البردوني

غير أن البردوني لم يكن مغرقا في محليته، بالرغم من أنه كان مسكونا بوطنه حد العظم، وهو ما يؤكده الدكتور حيدر غيلان أستاذ الأدب والنقد بجامعة صنعاء في حديثه إلى «العربي» بقوله «نجد في نتاج الأديب والشاعر البردوني خير مثال على العلاقة الإيجابية بين الكاتب والهوية الوطنية والاجتماعية والقومية، فقد جسد من خلال كتاباته العلاقة بين الموهبة الفردية والموروث، بين الوطني والقومي والأممي فكان في شعره حداثيا ملتزما بالقالب التقليدي للقصيدة العربية، يعالج العالمي والقومي من خلال الخاص أو المحلي أو الوطني متخذا من الجزئي مدخلا للتعبير عن جوهر العالم».

ويضيف غيلان إن «التعبير عن المحلية لا يعني عند البردوني الانعزال والتقوقع، بل أن تكون عالميا وأمميا وقوميا من خلال التفاعل مع بيئتك الخاصة وتمثيل هويتك الوطنية والاجتماعية في ما تكتبه فيتمظهر بنكهة محلية وهو ما يبدو في كتاباته النثرية والنقدية التي تركز على الهوية»، ويختتم بقوله «لقد لخص البردوني رؤيته هذه حينما سأله أحدهم عن اليمن فرد قائلا: إذا أردت أن تعرف اليمن فانظر إلى وجهي».

البردوني المختلف وإشكالية القراءة

ويرى الدكتور علي حمود السمحي، أستاذ الأدب والنقد في جامعة إب في حديث خاص إلى «العربي»، أن ذكرى البردوني هذا العام تبدو مختلفة بالنظر إلى أنها تأتي «والوطن ما زال غارقا في أتون الحرب، وما أفرزته من أحداث كان البردوني (الرائي) الذي جاب العصور، وخبر الواقع قد ألمح في شعره إلى بعض تجلياتها»؛ ويؤكد أن ذلك قد دعا إلى تعميق «القراءة العاطفية (التبجيلية) التي أسهم في صنعها نقاد من الدخل ومن الخارج فصادر بمجرد ذكر البردوني أن يبادرك مثقفون ونقاد بالإعظام لطاقة البردوني التنبؤي، وإكبار مواقفه من السلطة وهجائه ونقده الساخر»، مشيرا إلى بروز قراءة أخرى لظاهرة البردوني «تتجلى في حمّى الاستهلاك الإعلامي من أطراف الصراع في توظيف قصائده في هذا السياق بصوته أم بصوت غيره لإيصال رسائلها إلى خصومها، ولاستمالة الجماهير المحبة للبردوني إلى صف الجهة الراعية لهذه القناة أو تلك».

ويؤكد السمحي أن تلقياً تسطيحياً كهذا «لا يليق به فهو لا يقل في الإساءة عن التلقي التبجيلي الذي يرفع البرودني سيرة وإنجازاً إبداعياً وفكرياً بحيث لا يمكن أن يسمح لك بإبداء رأي حتى في كتابته غير الشعرية لتي لا تخلو من بعض المآخذ العلمية والمعرفية، فضلاً عن الإشارة إلى بعض ما ألحقه في حق شعريته من ترهل وإثقال قصيدته بذلك الكم من المعرفة التاريخية والمكانية وبعض الظواهر الشفاهية».

ويشدد على أن «من أوجب الواجبات على الناقد الحقيقي تجاه ذاته أولاً، وتقديراً لنص البردوني ثانياً، أن يضع كل منجزه تحت المساءلة النقدية والقراءة الفاحصة التي تصغي إلى مكامن إعجازه الشعري، مستعينة بآليات النقد المعاصر في الكشف عن المضمر، والمسكوت عنه في هذا النص المختلف الذي استطاع أن يخلق تميزه في إطار المؤتلف والدلالات العميقة لتحولات هذه الشعرية في صلتها بالتاريخ ورؤياً بالعالم».

 

 

Share

التصنيفات: ثقافــة,عاجل

Share