Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

محمد الشيباني: فضاء الثقافة أبرز ضحايا الحرب في اليمن السعيد

صدام أبو مازن

في هذا الحوار، يتحدث الشاعر اليمني محمد عبد الوهاب الشيباني عن الغياب اللافت لصوت المثقف بينما تمضي الحرب في عامها السادس في اليمن، معتبرا أن رعاة الحرب والاستقطابات لجهة أطراف الصراع في اليمن أدت إلى تبديد صوت المثقف، وبالتالي أصبح المثقفون عنوانا لانقسام المجتمع عوضا عن الإسهام في تمتين وحدته وتماسكه.

وعن الدور المفقود لاتحاد الأدباء والكُتّاب اليمنيين، قال الشيباني إن “الشحن المناطقي والوعي التشطيري”، ساهما في أن ينشطر الاتحاد ويتمزق بينما كانت هناك ساحات في شمال البلاد تطالب بإسقاط النظام، وأخرى في جنوبها تطالب بإسقاط الوحدة، وليس للاتحاد من صوت واضح حيال ما يجري.

ويتناول الحوار شعراء الجيل التسعيني في اليمن وما أصبح عليه حال الصحافة الثقافية اليمنية، اليوم، حيث “الحرب لم تضيق المجال الحيوي في البلاد وحسب، بل ألغته تماما، وفضاء الثقافة وحرية التعبير كان أبرز ضحايا هذه الهوجة”، وفقا للشيباني الذي قال إن “استبداد المتحاربين وعصبوياتهم تجعلهم يضيقون ذرعا بكل شيء له علاقة بالحياة والتفكير والحرية”.

ويشمل الحديث رحلته مع الشعر والكتابة على مدى 30 عاما، وثلاثية “الشارع/ الأمكنة/ الوجوه”، التي طبعت تجربته الإبداعية بطابع خاص، وثلاث مخطوطات إبداعية ناجزة لم تر النور بعد، تضاف إلى أربع مجموعات شعرية أصدرها حتى الآن.

ويعد الشاعر محمد عبد الوهاب الشيباني من أهم كُتّاب قصيدة النثر في اليمن، ينتمي لجيل التسعينيين الشعري، وهو -إضافة إلى كونه شاعرا- أحد كُتّاب الصحافة الثقافية، وكاتب أعمدة (سابق) في منابر صحفية يمنية (صحيفة الثقافية الأسبوعية وصحف يومية كالجمهورية والشارع) وأحد الأقلام التنويرية المعاصرة، كما أنه نقابي ومتفاعل مع قضايا الأدباء والكتاب، وله انصرافات (أعمال) في نقد الشعر والسرد وقضايا الثقافة في ثلاث مخطوطات بانتظار نشرها.

صدر له حتى الآن، أربع مجموعات شعرية هي على التوالي: تكييف الخطأ- 2001، أوسع من شارع أضيق من جينز- 2003، مرقص/ الليل محمل بحصته الثخينة- 2004، نهار تدحرجه النساء- 2014، إضافة إلى ثلاث مخطوطات شعرية لم تطبع بعد هي “أقدام تتهيأ لركل المديح”، و”المسافة التي تتوسط العبث المهذب”، و”الجراد الذي لم ينس شجرة الفلاح اليابسة.. نصوص الحرب”.

الشيباني عضو اتحاد الأدباء والكُتّاب اليمنيين منذ عام 1990، وعضو في مجلسه التنفيذي من أبريل/نيسان 2001 حتى الآن. وهو عضو قيادي في “حزب التجمع الوحدوي اليمني” وفي منتدى الجاوي الثقافي.

تبديد صوت المثقف

 كيف نستطيع قراءة حال الثقافة والإبداع في اليمن، وما تفسيرك لغياب صوت المثقف الفاعل في بلد يلفظ أنفاسه تحت نار الحرب للعام السادس؟

حاولت في أكثر من قراءة، مقاربة حالة المثقف اليمني في سنوات الحرب، وكيف أن الاستقطابات لجهة المتحاربين ورعاتهم عملت على تبديد صوت المثقف الفاعل والمتماسك، وتحويله إلى حالة من الانقسام المريع على متراسي الحرب.

وأشرت إلى تلك الاستثمارات الفجة، التي مارسها الرعاة والممولون في أزمات البلاد المتعاقبة، وكيف أنها ركزت بشكل واضح على شريحة المثقفين لخطورتها، بعدها وجد المثقفون أنفسهم يتحوصلون داخل هوياتهم الأضيق (السياسية والمناطقية والطائفية والجهوية)، حين لم يجدوا المؤسسات الثقافية التي ينتمون إليها قادرة على حمايتهم، والتعبير عن استقلاليتهم، وقبل هذا إذابة أحاسيسهم بالتمايز داخلها، فصاروا مع الوقت عنوانا لانقسام المجتمع، عوضا عن وحدته وتماسكه.

          في “نهار تدحرجه النساء” يوظف الشيباني شعريا ثيمة المرأة في الثقافة العربية 

التسعينيون.. انفجار شعري

 كيف تقرأ الآن، منجز جيل “شعراء التسعينيات” في اليمن (شعراء قصيدة النثر على وجه التحديد) من ناحية، وبالمقابل، ما رأيك بقصائد جيل الشعراء الشباب ما بعد عام 2000 فصاعدا؟

مع مطلع التسعينيات كان اليمن كجغرافيا قد دخل منعطفا تاريخيا جديدا باندماج الشطرين في دولة واحدة، ما ولد حلما رائعا في رأس كل من عاش هذا الحدث، الذي كان حتى قبل أشهر قليلة من تحقيقه بعيد المنال، وكانت للشعراء الشبان مغامراتهم الأكثر جرأة في التماهي مع هذه اللحظة الفارقة، لهذا صار الحديث عن كسر تابوهات الشكل وأصنام الأبوة، أهم أدوات هذه المغامرة.

وجد، هؤلاء الشعراء، في الحدث مساحة لمعاينة السؤال الوجودي “من نحن وماذا نريد؟!” ومع هذا السؤال استطال مفهوم التجييل (التصنيف لأجيال)، الذي صار ملازما للتسعينيين.. الانفجار الشعري في مستوعبات هذا التجييل لم يكن فقط في التطييف اللوني للأسماء، ولا في تعدد مرجعيات هذه التجارب الغضة، وإنما في تحول الكتابة ذاتها إلى هجاء للسياسة، التي من شدة سيولتها لم تعد تغري الكثير منهم في تمثلها، كما كانت الحال عند من سبقوهم من آباء الشعر منذ الثلاثينيات.

غير أن اللافت في تجارب هذا الجيل الشعرية، هو تجاور أشكال الكتابة، حيث يلحظ متفحص الخارطة الشعرية أن شعراء النثر حضروا جنبا إلى جنب مع كتاب القصيدة الوزنية، الذين لم يبتعدوا بخطوات واسعة عن كُتاب العمود (الشعر العمودي، أو القصيدة ذات الشطرين) من أقرانهم، ومرد ذلك هو الإرباكات الشديدة في وعي منتجي النصوص، التي ضاعفت من ترددهم في حسم مسألة الشكل، لأن هشاشة الحوامل المعرفية بتمثلاتها القرائية عند أكثرهم صنعت هذا الاضطراب. الآن وبعد عقدين من الزمن صارت قصيدة النثر وأسماء شعراء معروفين من كتابها عنوانا بارزا لهذا الجيل ومعرفة به.

ارتدادات موجة التسعينيات الشعرية ستجرف معها جزءا كبيرا من أصوات الشعراء الذين شكلت سنوات أواخر القرن حواضنهم الأولى، إلى تجييل ثان وهو “شعراء الألفية” لكنها ستجرف معها في الوقت ذاته، الجزء الأصيل من الاضطراب ذاته، غير أن حسومات الشكل ستسطع هنا لصالح قصيدة النثر الأكثر وعيا بصنيعتها، والتي، بفعل الفضاء المفتوح، ستتجاوز الكثير من عثرات التوصيل.

وقد شكل ملتقى صنعاء الأول للشعراء الشبان العرب 2004، على سبيل المثال، لحظة قطيعة واضحة، ليس فقط مع التكريس الرسمي للشعراء، وإنما بالقبول بالقصيدة الجديدة “قصيدة النثر” كصوت للشعر المستولد خارج التابو والأبوة، التي رعتها كصيغ وقوالب ولسنوات طويلة المؤسسة الرسمية.

مثل هذه الجرعة المعنوية الكبيرة التي ترافقت مع اجتهادات نقدية تبشيرية بهذا الصوت، جعلت هذا الشكل يتعزز كقناعات للكتابة عند عديد شعراء، لم يكونوا قد حسموا أمر انحيازهم في السنوات السابقة، وستشكل نصوص الهامش ومتجاورات السرد الشعري ورسم الوجوه وتعيينات المكان مشغلات للكتابة الأكثر استبصارا بماهيتها وإراديتها، بواسطة شعراء، صاروا أكثر إحساسا بزمنهم المفتوح على الجهات الأربع.

“مرقص- الليل محمل بحصته الثخينة” يتناول الشيباني موضوع القصيدة كأداة من                                                           أدوات السرد الروائي 

الصحافة الثقافية

 لنتحدث عن واقع الصحافة الثقافية اليمنية في سنوات الحرب تحديدا.. أنت لديك تجربة شخصية في الصحافة الثقافية بصحف ومجلات مثل “معين، الشورى، الثقافية، الموقف، التجمع”.. السؤال هنا: كيف هي حال الصحافة الثقافية اليمنية اليوم، وفي أتون سنوات الحرب الست؟

الحرب لم تضيق المجال الحيوي في البلاد وحسب، بل ألغته تماما، وفضاء الثقافة وحرية التعبير كان أبرز ضحايا هذه الهوجة، فاستبداد المتحاربين وعصبوياتهم تجعلهم يضيقون ذرعا بكل شيء له علاقة بالحياة والتفكير والحرية.

انطفأت المنابر الثقافية التي ارتبطت بحالة التعدد والحراك المتواضع الذي كانت تنعم به البلاد قبل الحرب، وكانت جزءا حيويا من تكويننا الثقافي كجيل، غير أن فضاء التواصل الرقمي عبر وسائط الإعلام المختلفة أنتج بدائل مهمة، خصوصا مع اندثار عصر الصحافة الورقية ومحدودية انتشارها، والتي كانت تمثله، في زمن سابق، تلك الحالات التي عددتها.

30 عاما مع الشعر

 في شهادة لك أسميتها “الشعر يستدرج أعوامه الثلاثين” إشارة إلى بلوغ تجربتك الشعرية 30 عاما، وعبرت عنها أربعة كتب مطبوعة، وثلاث مخطوطات شعرية لم تر النور بعد.. حدثنا عنها؟

– كنّا شبانا في بداية الطريق وبكامل الأمل، حين لم تكن قد انهدمت كل خياراتنا في الحياة، وكانت لنا أحلامنا التي لا تحد في تغيير العالم. وكنا نرى في المؤسسات، كابحا أمام رغباتنا في العبور، فذهبنا إلى إنشاء كيانات أدبية للتعبير عنا وعن أمزجتنا في الكتابة، ومنها “جمعية الغد الأدبية”، كان ذلك في عام 1989، لكنا مع ضجيج الوحدة وانهدامات حرب 1994 تشتتنا، وبدأت تتبدل رؤانا حيال كثير من القناعات التي ظنناها قبلا مسلمات قاطعة. والنصوص التي  نشرتها في الصحف والمطبوعات بين (1987 ـ 1990) كانت تعزز عندي هذا الشعور، وتعمل على دفعي لتطوير أسلوبي في الكتابة.

انطفأت المنابر الثقافية التي ارتبطت بحالة التعدد والحراك الذي كانت تنعم به البلاد قبل الحرب

شغفي القرائي في السرد والشعر والنقد والسير والتاريخ مكنني تاليا من الإحاطة باتجاهات الشعر الجديد ومدارس النقد الحديثة، فخطوت الخطوة الأهم وهي الانحياز كلية إلى قصيدة النثر “كتابة وتنظيرا”، وكانت النصوص القليلة التي كتبتها بوعي الوزن قد أحسست، مع تراكم الخبرة، أنها ليست أكثر من استفراغات غنائية، واندياحات صوتية، لهذا لم يدخل أي منها في مجاميعي الأربع التي صدرت بين 2001 و2014، من “تكييف الخطأ”، و”أوسع من شارع أضيق من جينز”، و”مرقص.. الليل محمل بحصته الثخينة”، إلى “نهار تدحرجه النساء”.

وحينما أصدرت مجموعتي الشعرية الأولى “تكييف الخطأ” في عام 2001، بمبادرة من الصديقة الشاعرة “نبيلة الزبير”، كنت قد حددت هدفي بالضبط وهو الانحياز الكلي لقصيدة النثر، وبوعي تام، حتى عدها التفاعل النقدي مع هذه المجموعة والدارسون من عناوين جيل التسعينيات الشعري، الذي عملت نقديا على مقاربة اتجاهات تجاربه طيلة سنوات.

مخطوطات

 لك اهتماماتك النقدية في “الشعر والسرد”، وثمة كتب تنتظر النور.. ماذا عنها؟

أحتفظ بثلاث مخطوطات ناجزة عن كتاباتي غير الشعرية: الأولى منها تتعلق بما كتبته طيلة سنوات عن الشعر الجديد وقضاياه وأصواته وتجاربه في اليمن ومحيطه، والثانية تحوي كتاباتي في السرد “رواية وقصة”، أما الثالثة فتجمع ما كتبته في قضايا الثقافة والفنون، وكل هذا المحتوى هو حصيلة سنوات طويلة من الكتابة والنشر والتفاعل.

وأنتظر استقرار البلد حتى أتمكن من نشرها بالتتابع، وقد أتاحت لي السنوات الأخيرة الالتفات إليها، مدققا ومراجعا بكثير من الصبر.

خصوصية إبداعية

 “الشارع/ الأمكنة/ الوجوه”، ثلاثية طبعت تجربتك ككاتب بطابع خاص… ما الذي تبقى في الذاكرة؟

حين عملت في الصحافة، نائبا لرئيس تحرير صحيفة “التجمع” في عام 2007، أتاحت لي هذه التجربة معاينة مختلفة للهامش بتفاصيله الحيوية، وكنت أسبوعيا أحرر صفحة مصورة أسميتها “شارع”، كل مادتها ملتقطة من الهامش.. وجوه قذفت بهم الأيام البائسة إلى الأرصفة، كمجانين ومتسولين وجائعين وعاطلين، وكانت بالنسبة إليّ تجربة رائعة، بنيت عليها الكثير من القناعات والمواقف في الكتابة والحياة.

وفي الآونة الأخيرة بدأت بنشر حلقات متتابعة عما علق في الذاكرة من أيام الطفولة والتكوين الباكر، ونشرتها في منصة “خيوط” بعنوان “الوقت بخطوات عجولة” وهي تستعيد تفاصيل المكان والوجوه، وتبدأ رحلتها في الزمن من مطلع عام 1972، في أول خروج لي من القرية المعزولة باتجاه المدن، ابتدأ من مدينة “عدن”، ثم “تعز” وهي الحاضنة الأقوى لهذه الاستعادات، وصولا إلى “صنعاء” التي أتشبث بها وأنا أجر أيامي باتجاه عامي الخامس والخمسين.

 

Share

التصنيفات: ثقافــة,عاجل

Share