Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

لماذا شرّع “أرسطو” العبودية والعنصرية في اليونان القديمة؟

 زيد خلدون جميل*

أنتج فيلم «الإسكندر الأكبر» عن «الإسكندر المقدوني»، الشاب الذي أسس أول امبراطورية في التاريخ الأوروبي، الذي تحول إلى شخصية أسطورية، ومصدر إلهام لكثير من الشخصيات العسكرية الشهيرة. وكان الفيلم من تمثيل ممثل بريطانيا الأول انذاك ريتشارد بيرتون، بالاشتراك مع خيرة ممثلي السينما العالمية مثل فريدريك مارش. ولكن المشهد الأكثر دلالة في الفيلم، كان ذلك الذي ضم الإسكندر الأكبر الشاب مع أرسطو، معلمه والفيلسوف الأكبر في اليونان القديمة، حيث يقول له الفيلسوف « نحن اليونانيين، مختارون – منتخبون. وثقافتنا هي الأفضل وحضارتنا هي الأفضل؛ ورجالنا هم الأفضل. وكل الآخرين هم برابرة! ومن واجبنا الأخلاقي أن نغزوهم ونستعبدهم، وإذا لزم الأمر، ندمرهم!».

لم تكن هذه المقولة اعتباطية، لأنها كانت تختصر أهم ما ميز الفكر اليوناني آنذاك، الذي كان على قمته قائلها أشهر شخصية في تاريخ الفلسفة العالمية، الفيلسوف الخالد أرسطو.

إنه الفيلسوف اليوناني «أرسطوطاليس» (384 ق.م. ـ 322 ق.م) الذي يعتبر الشخصية الأبرز في مجال الفلسفة العالمية، حيث لم يبرز هذا الفيلسوف الكبير في كل فروع الفلسفة آنذاك وحسب، بل إنه أسس فروعا جديدة في هذا المجال، حيث شملت كتاباته الفيزياء والكيمياء والأحياء، وحتى علم النفس والأحلام. وكان أحد أسباب خلوده في الذاكرة الشعبية والعلمية هو قيام الكثير من الاتجاهات الفكرية باعتباره مرجعا لها، منذ نشره لكتاباته في القرن الرابع قبل الميلاد. وتحول ذلك الفيلسوف إلى أسطورة في التاريخ الثقافي العالمي، على الرغم من أن ما وصلنا لم يكن سوى ثلث أعماله الكاملة.

ولم يبدأ انتقاد بعض آرائه العلمية حتى القرن السابع عشر، وبشكل تدريجي. ومع ذلك فهناك ما لا يعرفه أغلب المثقفين عنه، خاصة ما كتبه في كتابه الشهير في القرن الرابع قبل الميلاد بعنوان «السياسة»، والذي شمل أفكارا كثيرة، منها عن العنصرية والعبودية التين كانتا من سمات الحضارة اليونانية في عصره، ولاسيما في «أثينا»، العاصمة الثقافية لليونان القديمة. وكانت اليونان حينذاك مقسمة إلى عدة دويلات، تختلف في الحجم والقوة، ولكن «أثينا» كانت الأغنى وإحدى أقوى تلك الدويلات.

آراء أرسطو

اعتبر أرسطو أن العدالة تتحقق عن طريق اتباع ما هو طبيعي في المجتمع، من حيث تكونه من طبقات، ابتداء من طبقة حاكمة حتى طبقة العبيد. وطالما أن امتلاك العبيد من طبيعة الإنسان، فليكن هناك عبيد، وذلك جزء من طبيعتهم. واعتبر أرسطو أن أي محاولة لإزالة العبودية الطبيعية محاولة معادية للحرية، وأن السعي إلى الحرية جزء من السعي إلى استعباد الذين يستحقون أن يكونوا عبيدا، فالحرية هنا تعني حرية مالكي العبيد. أما العبيد فلم يكن لهم حتى حق التفكير بالحرية، لأن استعبادهم كان في نهاية المطاف لمصلحتهم، لعدم قدرتهم على الحياة كأشخاص أحرار.

قَسّمَ أرسطو البشرية إلى قسمين، يتكون القسم الأول من أفراد قادرين على النقاش المنطقي وهم الذين يملكون الحق الطبيعي في امتلاك العبيد، وهؤلاء الأفراد هم اليونانيون. أما القسم الثاني، فإنه يتكون من أفراد قادرين على فهم الأوامر، ولكنهم غير قادرين على النقاش المنطقي، ويتكون هذا القسم من غير اليونانيين. ويقول أرسطو في مكان آخر من كتابه، إن الأوروبيين أحرار ولديهم «روح» ولكنهم أغبياء وعديمو الكفاءة وغير قادرين على التعامل مع أي شأن سياسي، ولذلك فإنهم عبيد سيئون. أما الآسيويون، فهم أذلاء يحكمهم الطغاة، ولا يملكون أي روح وأذكياء، ولذلك لا يستطيعون أن يكونوا أكثر من عبيد ممتازين. ولم يكن أرسطو واضحا في ما قصده من كلمة «روح».

وذكر كذلك أن صفة كون الإنسان عبدا بالطبيعة تكون واضحة عليه منذ لحظة مولده، حيث يمكن تمييزها بسهولة بمجرد النظر إليه! ولكن أرسطو هنا أيضا، لم يوضح كيفية تمييز هذه الصفة، ولم يتوقف هنا، فالفيلسوف «الكبير» يجب أن يقدم تعليلا لكون هؤلاء الأفراد يمتلكون هذه الصفات، فهو في نهاية المطاف فيلسوف.

وكان تعليله أن اللوم يقع على الجو والجغرافيا، فالجو البارد جعل الأوروبيين بهذه الصفات، التي جعلتهم عبيدا سيئين، بينما جعل الجو الحار الآسيويين بصفات جعلتهم أفضل العبيد. وحسب أرسطو، فإن كون الجو في اليونان معتدلا وأنها في وسط العالم، فإن جميع الصفات الحميدة مثل، الشخصية الحرة والذكاء والمهارات وامتلاك «الروح»، تتجمع لدى المواطن اليوناني. ولذلك فإن اليونانيين لهم الحق في أن يحكموا العالم ويمتلكون الآخرين كعبيد بشكل تلقائي وطبيعي، فهذا هو حكم الطبيعة على البشر، وتفرضه الجغرافيا والأنواء الجوية. ومخالفة الطبيعة جريمة كبرى، حيث لا يمكن للمجتمع أن يعمل إذا خالف الطبيعة في أي شكل كان. ولكن أرسطو لم يبين، على أساس تأثير الجغرافيا والأنواء الجوية، ماذا كان سيحدث إذا عاش الأوروبيون والآسيويون في اليونان، فهل سيكونون أحرارا مثل اليونانيين ومتمتعين بالحقوق نفسها؟ وماذا كان سيحدث إذا عاش اليونانيون خارج اليونان، فهل سيكونون عبيدا بالطبيعة، مثل الأوربيين أو الآسيويين؟ ولكن العبيد في اليونان وأطفالهم المولودين هناك يبقون عبيدا، ما يدل أن المنطق الذي قدمه أرسطو يناقض نفسه.

وطالما أن هناك علاقة بين التفوق الطبيعي وإقامة امبراطورية، فإن اليونانيين بمفردهم ذوي الحق في تأسيس الامبراطوريات والسيطرة على البشرية. وتصب هذه الأفكار في خانة المفاهيم العنصرية في العصر الحديث. وهي أفكار ترفضها المجتمعات الحالية.

اعتبر أرسطو الحرب عملا شرعيا، لأن هدفها استعباد الآخرين، الذين هم عبيد بالطبيعة، وبالتالي فإن الحروب عمل طبيعي، بل إنه أضاف كذلك أنها عمل مستحب ومرحب به لأنها، بالنسبة إليه، فرصة للرقي في المستوى الأخلاقي، حيث أنها تجعل الأفراد عادلين ومعتدلين، فبدون الحروب، أي في فترة السلم، يصبح الأفراد متعجرفين. لقد عبر أرسطو عن هذه الآراء ودَرّسَها عندما كان معلم الأمير الصغير، الذي أصبح في ما بعد «الإسكندر الأكبر والمقدوني» الذي كان أول ملك أوروبي يؤسس امبراطورية، واحتل مناطق شاسعة من القارة الآسيوية حتى وصل إلى الهند. وكانت علاقة أرسطو بالإسكندر من المفارقات المهمة للرجلين، حيث إنها زادت من شهرة أرسطو، لكونه من المقربين من أشهر شخصية عسكرية وسياسية في التاريخ الأوروبي، وزادت من احترام المؤرخين والمهتمين بالتاريخ بالإسكندر كذلك لكون معلمه الفيلسوف الأكبر أرسطو.

العبودية في اليونان القديمة

لم تكن العبودية ظاهرة صغيرة في اليونان القديمة، بل جزءا أساسيا من الحياة الاجتماعية والاقتصادية والإدارية، حيث اعتمد اليونانيون القدماء، خاصة في أثينا، على العبيد في كل مجالات الحياة باستثناء تلك السياسية. وقد بلغت نسبة العبيد في مدينة أثينا والمناطق المجاورة التابعة لها في عهد أرسطو ما بين ثلاثين إلى ثمانين في المئة من عدد السكان الكلي. وكان مصدر العبيد البلدان الواقعة خارج اليونان، حيث كان يتم استعبادهم وجلبهم إلى اليونان عندما تقوم جيوش الدويلات اليونانية بغزو تلك المناطق.

وكان القراصنة مصدرا آخر للعبيد، حيث كانوا يغيرون على مختلف المناطق الساحلية في العالم القديم، ويخطفون السكان لبيعهم في أسواق العبيد في اليونان. وكان سعر العبد يعتمد على جنسه وأصله وسنه ومهاراته، ومن الممكن القول إن سعر العبد الواحد كان يعادل الدخل السنوي لعامل بناء يوناني.

وفي فترات الازدهار الاقتصادي لأثينا كانت حتى العوائل الفقيرة في المدينة تملك عبيدا. وكانت هناك أقلية صغيرة جدا من العبيد اليونانيين، حيث كان ذلك غير مستحب من قبل اليونانيين.

واعتبر اليونانيون كل شخص غير يوناني همجيا وغير قادر على الكلام بلغة مفهومة. ولذلك أطلقوا على الأجانب اسم البرابرة، أي الذين يتكلمون لغة غير مفهومة. وعمل العبيد في مختلف مجالات الحياة، خدما وفلاحين وفي المقالـــع وحتى موظفين في المحاكم كمسؤولين عن الأرشيف أو كتّاب للوثائق القانونية.

وفي إحدى الفترات كانت قوة الشرطة في مدينة «أثينا» تتكون كليا من ألف وخمسمئة شخص من العبيد السكيثيين (كان السكيثيين قبائل سكنت جنوب روسيا وشمال إيران).

ولكن بعض المجالات، كانت أيضا بالغة الصعوبة والخطورة على حياتهم، مثل العمل في المناجم. والمجال الوحيد الذي كان محرما على العبيد هو السياسة، فلم يكن العبد مواطنا، ولم يملك أي حقوق على الإطلاق، ولم يكن هناك من الناحية القانونية أي فرق بينه وبين كرسي قديم في المنزل، ولذلك كانت حياته ومصيره يعتمدان تماما على مدى تسامح مالكه تجاهه.

ولم تكن هناك آنذاك أي معارضة من قبل المثقفين أو السياسيين لنظام العبيد، أو حتى وجوب إعطاء العبيد أي نوع من الحقوق، حيث اعتبر الجميع الاستعباد أمرا طبيعيا جدا. وكانت العبودية مصيرا لا يمكن الخروج منه بالنسبة للعبد، أو ذريته، فما أن يصبح الشخص (رجلا أو امرأة) عبدا حتى تصبح العبودية وراثية جاعلة من أبنائه عبيدا أيضا، وكانت حالات إعتاق العبد نادرة جدا.

لقد كانت كلمات أرسطو محاولة منه لجعل الجانب المظلم للمجتمع اليوناني حينذاك شرعيا، وأن الجريمة فيه في الحقيقة فضيلة. ولا نعلم إن كان أرسطو يؤمن بها فعلا، أم أنه كان يحاول إرضاء الطبقة الحاكمة في ذلك المجتمع، أم الاثنان معا؟ ولم يكن أرسطو الوحيد في التعبير عن مثل هذه الآراء العنصرية، ولكنه كان الأكثر تفصيلا وتعليلا في إطار ذي مظهر علمي، على الرغم من انعدام المنطق أو العلم فيه.

وكان آخرون أحيانا أكثر تحديدا منه، مثل المؤرخ اليوناني المعروف «زينوفون» (431 ق.م. – 354 ق.م) الذي اعتبر مدينة «أثينا» بالذات مركز العالم، وليس اليونان بشكل عام. وبعد كل هذا يظل أرسطو الاسم الذي يدل على العبقرية في كل مجالات الحياة على مدى التاريخ.

 

  • مؤرخ وباحث من العراق

Share

التصنيفات: ثقافــة,عاجل

Share