Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

نظرية ليونيل لورين.. حتى لا يصبح علاج كورونا أسوأ من المرض

يواجه صناع السياسة في العالم الآن معضلة كبيرة في حربهم ضد وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، الذي يتركز في أوروبا حاليا، فإغلاق الحدود وتعطيل الأنشطة الاقتصادية في أي دولة مؤلم من الناحية الاقتصادية، لكنه مفيد من ناحية تخفيف الأعباء على نظام الرعاية الصحية، وستجعل الإجراءات المخففة والقيود المحدودة لمواجهة كورونا انتشار الفيروس أسرع، وستعرض المزيد من الأشخاص لخطر الموت.

ويتزايد عدد دول العالم التي تتبنى ما يسمى الطريق القمعي لمواجهة انتشار الفيروس، وهو أمر مفهوم في ضوء ارتفاع أعداد المصابين والوفيات، وأكده نجاح التجربة الصينية التي تبنت هذه الاستراتيجية في احتواء الفيروس، والآن يعيش نحو 6ر2 مليار إنسان تحت شكل من أشكال حظر الحركة بسبب انتشار فيروس كورونا.

هل سيدخل العام حالة ركود اقتصادي؟

وفي المقابل، خرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليعرب عن قلقه من أن تكون إجراءات علاج كورونا ومواجهته أسوأ من المرض نفسه، حيث يقول صندوق النقد الدولي إن العالم سيدخل حالة ركود اقتصادي خلال العام الجاري. ولكن يبدو أن ترامب يقف وحيدا في هذا الموقف، فحتى بريطانيا فرضت درجة من درجات الإغلاق، مع تفويض الشرطة بتطبيقه.

ويرى الكاتب والمحلل الاقتصادي ليونيل لورين بوكالة “بلومبرج” الأمريكية للأنباء أن هذه الإجراءات الصارمة مجرد شراء للوقت في مواجهة الفيروس وليست هدفا في حد ذاتها، في حين ستؤدي التكلفة الاقتصادية والسياسية لهذه الإجراءات مجموعة كبيرة من المعضلات بالنسبة للدول التي لم تطبق أبدا مثل هذه الإجراءات في وقت السلم. وتشير البيانات الاقتصادية الجديدة إلى أن اقتصاد منطقة اليورو يعاني بالفعل، حيث يتراجع قطاع التصنيع في ألمانيا صاحبة أكبر اقتصاد في المنطقة، وسجلت فرنسا تراجعا حادا في الناتج الصناعي.

أسئلة مهمة

ويطرح ليونيل لورين أسئلة مهمة: هل هناك سبل لتخفيف عبء إجراءات مكافحة كورونا على الاقتصاد، حتى لو كان هامشيا؟ ومن الذي يمكن أن يتم إجباره على الخروج والذهاب إلى العمل في الوقت الذي تحظر فيه قوات الشرطة دخول المتنزهات العامة لأسباب تتعلق بسلامة الصحة؟ وماذا لو استمر الغلق لفترة أطول مما كان يعتقد في البداية؟ وبالفعل مددت فرنسا وإسبانيا فترة الغلق وحظر الحركة، وألمانيا شددت إجراءات الحظر. والأفق يبدو غامضا.

وتقدم فرنسا نموذجا يحتذى به في هذا السياق. فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، كغيره من قادة أوروبا، تعهد بتقديم خطط تحفيز تعادل قيمتها نحو 2% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد، وتعهد ماكرون باتخاذ كل ما يلزم من إجراءات لتعويض تكاليف أي إغلاق. ولكن بعد أسبوع واحد من إعلان الحرب على الفيروس “كوفيد-19” تجاوزت الآلام التي سببها انتشار الفيروس أسوأ كوابيس الحكومة الفرنسية. فالقطاع الصناعي يعمل بنحو 25% من طاقته التشغيلية، وتوقف العمل تقريبا في مواقع التشييد. وتراجع استهلاك الكهرباء بنسبة 20% وهي تطورات أسوأ مما حدث في إسبانيا وإيطاليا بعد أسبوع واحد من الغلق، بحسب صحيفة “ليز إيكو” الفرنسية.

وبحسب باتريك أرتو، المحلل الاقتصادي بمؤسسة “ناتيكسيس”، يشير هذا التدهور إلى انكماش إجمالي الناتج المحلي لفرنسا بنسبة 7%. والحل الوحيد لتقليل هذه التداعيات الاقتصادية هو السماح بعودة المزيد من العمال إلى أعمالهم حتى إذا لم يكن هناك كثير من المستهلكين الذين يطلبون هذه المنتجات.

على الجميع مواصلة العمل

ولكن دعوة الناس إلى مواصلة العمل كما يفعل ماكرون، أو قيادة عمال القطاعات الرئيسية في المعركة مع إبقاء الآخرين في بيوتهم، كما يفعل رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون، لن يفلح في الحد من التداعيات الاقتصادية للإغلاق. فتحديد القطاعات الحيوية والقطاعات غير الحيوية يتجاهل الطبيعة المتكاملة لسلسلة الإمدادات والتوريد في النشاط الاقتصادي. كما أن الأشخاص الذين لا يمتلكون رفاهية العمل من المنزل، أو الذين يعملون في المصانع أو في مواقع التشييد لديهم مخاوفهم المشروعة بشأن سلامتهم وصحتهم في ظل هذه الظروف، ويشعرون بأنهم مجبرون على تجاوز قواعد التباعد الاجتماعي المطلوبة لسلامتهم من أجل استمرار دوران عجلة الاقتصاد.

ماذا تحتاج فرنسا؟

تحتاج فرنسا إلى تحقيق التوازن بين اعتبارات سلامة العمال واحتياجات الاقتصاد، من خلال مراجعة أوضاع كل قطاع على حدة لتحديد كيف يمكن إعادة تشغيل المصانع ومواقع التشييد في ظل قواعد صارمة لتحقيق التباعد الاجتماعي، إلى جانب توفير الاحتياجات المطلوبة للرعاية الصحية مثل الأقنعة الواقية والمعدات الطبية. ومن الواضح أن إعادة تأهيل القطاع الصحي المنهك بالفعل يأتي على رأس القائمة، لكن هذا بدأ يحدث في قطاعات أخرى في فرنسا، حيث أعادت مواقع التشييد تنظيم نفسها بحيث تضمن عدم اشتراك أكثر من عامل في استخدام المعدة الواحدة، وعدم التقارب بين العمال للحد من فرص انتشار الفيروس. ولجأت بعض الجهات إلى تقديم مكافآت كبيرة للعمال الذين واصلوا العمل، حيث قدمت سلاسل متاجر عديدة ومكافآت تصل إلى 1000 يورو لموظفي الخزينة أو ترتيب الأرفف.

وإذا كانت الدول تعتبر نفسها في زمن الحرب، فهناك حاجة إلى تعزيز التضامن على الجبهة الداخلية. وعلى الشركات الكبرى تقديم الدعم للشركات الصغيرة والمتوسطة التي تعمل لصالحها. ولن تتحسن الروح المعنوية إذا ما تم إنقاذ الشركات الكبرى على حساب الشركات الصغيرة. كما يجب على الحكومات مراقبة أداء الشركات الكبرى العاملة في مجال التكنولوجيا والتي أصبحت تلعب دورا بارزا في استمرار دوران عجلة الاقتصاد، مثل شركة التجارة الإلكترونية العملاقة أمازون وشركة خدمات النقل الذكي أوبر تكنولوجيز، وشركة توصيل الطلبات إلى المنازل، ديليفرو، من أجل التأكد من التزام هذه الشركات بتوفير عوامل الحماية والسلامة لعمالها.

الحلول قصيرة المدى

وهذه الحلول قصيرة المدى يجب أن ترافقها خطط متوسطة المدى لتجسير الفجوة بين الغلق الذي قد يستمر عدة أشهر، وبين تطوير لقاح لفيروس كورونا ونشره، والذي قد يستغرق عاما. وعلى سبيل المثال يمكن إعادة الشباب إلى مواقع العمل مع استمرار بقاء الأكبر سنا والأشد عرضة لمخاطر كورونا في المنزل. ولكن هذا الأمر يحتاج إلى اختبارات أكثر من تلك التي تجري حاليا لتحديد الأشخاص الذين أصيبوا بالفيروس وتعافوا منه ولم تعد هناك خطورة كبيرة عليهم، وبين الذين لم يصابوا به حتى الآن.

وكان الرئيس الفرنسي ذكر في وقت سابق أن الغلق ليس “الحل السحري”، وإنما جرى اللجوء إليه بسبب الحاجة إلى فرض نظام عزل ذاتي أشد صرامة للحد من انتشار الفيروس.

ويرى المحلل ليونيل لورين أن ماكرون على حق، وأنه يتعين على باقي قادة العالم السير على نهجه واعتبار الإجراءات الصارمة مجرد جزء من الحل، إلى جانب تخصيص المزيد من الموارد لتوفير احتياجات المستشفيات والمزيد من الحماية الاقتصادية لهؤلاء الذين ظلوا في بيوتهم، مع توفير المزيد من الاختبارات عند رفع القيود على الحركة في نهاية المطاف. ويعني هذا أنه يتعين علينا قطع طريق طويل حتى لا يصبح علاج كورونا أسوأ من المرض.

Share

التصنيفات: أخبار وتقارير,خارج الحدود,عاجل

Share