Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

البناء العشوائي يشوه المدن.. ويزيد من معاناة المواطنين

عبدالرحيم السلمي – مبخوت الهادي

محمد رزق (45عاماً) أحد ساكني منطقة بني حوات – مديرية بني الحارث  رب أسرة مكونة من 6 أفراد يعمل في مجال الزخرفة والديكور عمل جاهدا لسنوات من اجل شراء قطعة أرض وبناء بيته المستقل لتحقيق حلمه بإيواء ابناءه والهروب من غلاء الإيجارات داخل المدن، يفاجئ ان بيته واقعه وسط  شارع 12 في حي عشوائي، وبتنهيدةٍ يظهر عليها التعب والإرهاق بسبب مفاجأة الحياة، وبتأسفٍ وحسرة يقول” كان هاجس العيش بحياة هنيئة ومستقرة فقط ما جعلني أقوم بشراء هذه الأرض التي تفاجأت مؤخرا انها في مكان تخطيط، وان الحي الذي نعيش فيه كله عشوائي يفتقر لاهم الخدمات (مدرسة ثانوي، كهرباء، الصرف صحي، مركزطبي).

حيث يضطر ابناءي لقطع مسافات طويله للوصول الى المدرسة مما أدى الى التغيب عن المدرسة وعدم الرغبة في مواصلة الدراسة.

لم يكن محمد هو الوحيد الذي وقع في فخ البناء العشوائي فهناك الكثير الى جانبه من سكان المنطقة فوجئوا  بعد فترة طويلة من البناء، أن منازلهم واقعة ضمن التخطيط، ممايثبت ان تساهل الهيئة العامة للأراضي والتخطيط العمراني، وفساد الاشغال العامة أدى الى انتشار العشوائية بشكل كبير، وهذا ماسنعرفه من خلال التحقيق.

أسباب عشوائية البناء

العاصمة صنعاء الواجهة الحضرية لليمن والذي غلب عليها البناء ذو الطابع العشوائي على الطابع المنظم ، ما تسبب في تشويه الصورة النمطية للعاصمة وزاد من معاناة المواطنين .

بني الحارث إحدى مديريات أمانة العاصمة صنعاء ، والذي إقترن اسمها بالبناء العشوائي، أثناء إعدادنا لهذا التحقيق ، وزيارتنا لمنطقة الرحبة -مديرية بني الحارث ، قمنا بسؤال المواطنين عن اهم الاسباب التي جعلتهم يقدمون على البناء في هذه المناطق ، والتي تفتقر لعملية التخطيط العمراني ، فكانت الاجابة هي ان “رخص اسعار  الأراضي لهذه المناطق احد اهم الاسباب التي دفعتنا للشراء، ونظرا لارتفاع اسعار الاراضي الواقعة داخل المدن ، والتي تتمتع بالمرافق الخدمية العامة.

الى جانب هاجس الخوف لدى بعض المواطنين من ان يكون التخطيط في اراضيهم، فيقومون بسرعة بناءها  بقصد الحصول على التعويض عند نزول المخططات المعتمدة من قبل الدولة، قد تشمل أراضيهم، متجاهلين أن هناك قوانين نافذة في التخطيط تقضي بأن اي بناء تم بترخيص من مكتب الأشغال، فإن الدولة تقوم بتعويض المواطن عن أرضه بسعر الزمان والمكان، وفي حال عدم وجود ترخيص للبناء فلا يتلقى المواطن اية تعويضات مقابل أرضه او منزله.

مع لزوم أخذ الدولة نسبة 25% من حقوق المواطنين مقابل توفير الخدمات العامة.

 

فوضى التخطيط

يقول المهندس صادق التويتي-ماجستير في الاستراتيجيات العمرانية ‘ من  الواجب أن تقوم الدولة أثناء عملية التخطيط العمراني بالعمل على وضع استراتيجيات عمرانية شاملة (طويلة المدى -متوسطة المدى-قصيرة المدى ) تتراوح مدتها ما بين الــ200-100 سنة قادمة، ويكون هناك مجلس إستشاري يقوم بالإشراف والمراجعة لتنفيذ هذه الخطط ، والأخذ بعين الاعتبار الايجابيات والسلبيات الناتجة عن اعداد هذه الخطط، ومعالجة السلبيات أثناء  التنفيذ.

لكن المشكلة التي ما زال يعانيها التخطيط  العمراني في اليمن أنه لا يقوم بإعداد استراتيجيات المخططات العمرانية الشاملة “الهيكلية”، ويكتفي فقط  بإعداد مخططات “تفصيلية”، والتي تعتبر من ادنى درجات التخطيط العمراني، حيث تقوم بإنزال”5-3” رسومات تفصيله للمنطقة المراد تخطيطها وإهمال باقي المناطق المجاورة لها، وهذا هو ما ادى الى العشوائية.

وايضاً حصلنا على وثيقة تبين تدني عدد المخططات التي تم إنجازها من قبل قطاع التخطيط العمراني خلال الفترة 2017-1979  والتي كان عددها [  2303] مخطط، حيث شهدت الفترة مابين2007-1979  قلة في إنتاج المخططات، والتي بلغ عددها 1257مخطط، بنسبة42./.. وفي الفترة مابين 2010-2008  شهدت ارتفاع ملحوظ في إنتاج عدد المخططات، والتي كانت بواقع 654 مخطط  وبنسبة  218%

أما خلال الفترة الأخيرة2017-2011 ونظرًا لما شهدته البلاد من أزمات سياسية  واقتصادية  تراجعت أعداد المخططات لتصل إلى 393  مخطط  وبنسبة 56%.

وعند سؤالنا المهندس شوقي الجبوبي – مختص  المساحة والتخطيط في الهيئة عن كيفية تعامل الدولة مع الأحياء العشوائية يقول “تكتفى الدولة بتحديد ، وحصر الأحياء العشوائية بشارع دائري لتفادي ازدياد العشوائية للمنطقة، ومن ثم تقوم بتطبيق المخطط خارج هذه الاحياء”.

ومن اهم الاسباب في فوضى التخطيط، هو فصل الهيئة العامة للتخطيط عن وزارة الاشغال العامة والطرق، ما ساعد في عدم قدرة الهيئة على إنشاء مخططات، ولعدم توفر الميزانية التشغيلية الكافية لإنجاز مثل هذه الاعمال، وإتكال كلا  منا في تسيير الأعمال على الأخر .

الأشغال سبب العشوائية

في مرحلة إعدادنا لهذا التحقيق حصلنا على وثائق بمساعدة أحد المهندسين العاملين في هيئة التخطيط العمراني، فضل عدم ذكر إسمه  أثبتت سطو متنفذين على قطعة أرض تابعة للأوقاف، وقاموا بتسويرها والإعداد لبنائها بالرغم من تواجد مكتب الأشغال العامة للمنطقة في الجهة المقابلة لها، وهوما يؤكد أن المكتب متواطئ مع المتنفذين، حيث لم يبدى إي إعتراض على ذلك، وتعتبر الأرض المنهوبة، ضمن المخطط الرسمي رقم 353 بحي شميلة، وهي المنفذ الوحيد لسكان الحي، وأنها منطقة تصريف لمياه الأمطار إلى السايلة، ما سيتسبب ذلك في أضرار جسيمة لسكان الحي في حالة تم بنائها.

ايضاً التقينا قاضي يعمل في الأوقاف،  الذي طلب منا عدم ذكر أسمه بالتحقيق، يقول “عندما قمنا بالبحث عن أملاك الأوقاف وحصرها وجدنا انه بنسبة 82% من أراضي الأوقاف منهوبة، وبالذات من القائمين عليها، والتي تمثلت في عدة مناطق (حي شيراتون-حي النهضة -منطقة بني حوات -منطقة جدر -وادي أحمد ومنطقة الرحبة -حيي الصافية ونقم -منطقة الطبري – منطقة الروضة) وسطو المتنفذين عليها، وبيعها، ما تسبب ذلك في عشوائية البناء، وحرمان المواطنين الاستفادة من الخدمات الاساسية، ويؤكد القاضي استحالة السطو عليها، وبيعها مالم يكن هناك تواطئ من قبل مكاتب الأوقاف والأشغال العامة.

وهو ما أثبته محمد عاطف الأمين الشرعي بمنطقة بيت عاطف ، وجود منتحلين لصفة الأمين الشرعي، يقومون بتحرير وثائق بيع أراضي منها أراضي تابعة للأوقاف، غير مستندين لأصول تثبت صحة ملكية تلك الأراضي، حيث قام الأمناء الشرعيين والذي يمتلكون تراخيص من وزارة العدل بالتبليغ بهؤلاء المنتحلين، وتم ضبطهم وإحالتهم للمحكمة، مدعما ذلك بوثائق أصدرها مكتب الوكيل لقطاع المحاكم والتوثيق في وزارة العدل، أثبتت أسماء المنتحلين لصفة الأمين الشرعي وعددهم 53 منتحل.

رفض الإفادة

ذهبنا إلى وزارة الأشغال العامة والطرق وطلبنا منهم إفادتنا  عن كيفية التعامل مع عشوائية البناء، والسطو على أراضي المصلحة العامة، ودور الوزارة في مواجهة مثل هذه الأعمال، أيضا طلبنا منهم ردا عن الاتهامات التي وجهة لهم بأنهم يتواطؤون مع البعض ممن قاموا بالبناء العشوائي،  قام نائب الوزير  بتحويلنا إلى مدير المخالفات العامة في الوزارة، والذي بدوره امتنع عن الحديث المباشر معنا، عند معرفته بموضوع تحقيقنا، وطلب منا طرح الأسئلة في مكتبه وانتظار استلام الإجابة والتي لم نحصل عليها حتى اليوم.

قصور الوعي سبب الحرمان

يلجأ المواطنون ذوي الدخل المحدود، لشراء أراضٍ في أطراف المدن، وذلك نظرًا لتناسب أسعارها ووضعهم الاقتصادي.

وهو ما اوضحه المهندس صادق التويتي، حصول بعض ملاك الأراضي على تسريبات لمخططات لازلنا في صدد إعدادها بواسطة موظفين يعملون في الهيئة، ووفقا للمخطط المسرب يقوموا ببيع الأراضي التي شملها التخطيط، بغرض الاستفادة من قيمتها، مع الحفاظ على الأراضي التي لم يشملها التخطيط.

وهذا ما حدث مع المواطن أحمد يحيى 55 عاما، أحد ساكني منطقة وادي أحمد، يقول “أنا وإلى جانبي العديد من ساكني المنطقة وقعنا في نفس الخطأ، الذي سببه قلة الوعي لدينا حيث  أوصلنا إلى ما نعيشه اليوم من عدم وجود مرافق خدمية تلبي احتياجاتنا من (مدرسة ثانوية -مركز طبي -حديقة)  حيث يضطر أبناءنا لقطع مسافات تقدر بــ 2 كم  للوصول إلى  المدرسة، مما سبب عائق لبعض الطلاب لمواصلة دراستهم.

ويشير الأخصائي الاجتماعي عبد العزيز غالب ” إلى أن هناك عدة آثار في غاية الخطورة ناتجة عن عشوائية البناء، والذي يرجع سببه لغياب دور الجهات المختصة ،إلى جانب قصور الوعي المجتمعي بأهمية وحدات الجوار، ما نتج عنه اكتظاظ على الخدمات سواء في المدارس، او المراكز الصحية، في المناطق المجاورة، مما جعل بعض الطلاب يتركون التعليم الامر الذي ساعد في خلق مجتمع قائم على أعمال لا أخلاقية ،كالاختطافات والتقطعات والسرقة ، وتناول الممنوعات (حشيش-حبوب مخدرة-مشروبات مشبوهة) التي انتشرت في الأحياء المعروفة بأحياء الليل.

ويذكر الأستاذ سيف الذبحاني- مدير مكتب البيئة في أمانة العاصمة، ” أن البناء العشوائي عمل على إعاقة دخول الشاحنات لرفع النفايات المتكدسة في بعض الأحياء، بسبب ضيق الشوارع وانقطاعها، والتي بدورها تعمل على انتشار الأمراض والأوبئة مثل الكوليرا، مما يضطر الأهالي لإحراقها، مسببة بذلك تلوث الهواء، والبيئة، وأيضاً إلى جانب سلبيات أخرى للبناء العشوائي في عدم وجود قنوات لتصريف مياه الأمطار في معظم الأحياء العشوائية، ويؤدي ذلك لتجمع المياه الراكدة، ما يهيئ بيئة خصبة لانتشار البعوض وأمراض أخرى بسبب تجمع المياه الراكدة.

 المدن الأثرية تهددها العشوائية

لم تسلم المدن التاريخية، من خطر البناء العشوائي وتغييبه للمظهر الأثري، مدينة صنعاء القديمة، ومدينة زبيد التاريخية من المدن المتأثرة بالبناء العشوائي، ما جعلها في مواجهة الخروج من قائمة التراث العالمي في منظمة ” اليونسكو “.

يذكر المهندس التويتي أن الهيئة العامة للمساحة، والتخطيط العمراني تلقت 3  إنذارات من منظمة اليونسكو بشأن ما تتعرض له مدينة زبيد التاريخية، للهدم واستبدال مبانيها الأثرية بمباني حديثة ( تغيير واستبدال أحجار الآجر بمواد بناء حديثة ) ولتفادي خروج المدينة من قائمة التراث العالمي قامت الهيئة، ووزارة الأشغال بالتعاون مع البرنامج اليمني الالماني بحصر وتحديد الحمى والمناطق الخضراء التابعة لها، وإزالة المباني المستحدثة للمدينة الأثرية، والتي تعتبر أول مدينة أثرية تقوم الهيئة بالعمل على إنزال مخطط عمراني لها.

وكذلك ما يحدث اليوم لمنطقة الروضة التاريخية- بني الحارث، من بيع أراضيها وقيام بعض المواطنين بالهدم للمباني القديمة، واستحداثها بمباني جديدة، ما يلاحظ  سيطرة البناء العشوائي للمدينة من جميع الاتجاهات، ولم يتبق الا الجزء القليل منها، ما يشكل خطرا كبيرا على المدن الاثرية بشكل عام، والتي تعتبر بدورها الواجهة التاريخية والحضارية للبلاد، والتي تتطلب من الجميع الحفاظ عليها.

Share

التصنيفات: تحقيقات,عاجل

Share