Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

بسام شمس الدين في رواية “نبوءة الشيوخ”: متعة السرد وفجوة الإقناع

أحمد الأغبري
لم تتجاوز رواية «نبوءة الشيوخ» الصادرة حديثاً للكاتب اليمني بسام شمس الدين (1978)، المستوى الفني لروايته الخامسة «نزهة عائلية» الصادرة عام 2017 (دار الساقي/بيروت)، وإن بدت موضوعيًا أكثر تمردًا في اشتغالها على التواجد العسكري المصري في اليمن، خلال ستينيات القرن الماضي؛ وهو اشتغال وإن افتقد المعالجة التاريخية السردية المقنعة في تعامله في حقائق ووقائع معينة، إلا أنه حافظ على التوهج السردي على مسار خط أحداث الرواية.

بالتأكيد أن هذه الرواية، الصادرة في (244) صفحة عن دار ممدوح عدوان للنشر/دمشق ودار سرد للنشر، ليست تاريخية، لكنها اشتغلت على جزء من التاريخ، من خلال الواقع والخيال؛ وهو اشتغال كان يستدعي بالضرورة مراجعة كافية للخلفية التاريخية والاجتماعية والثقافية والسياسية لليمن خلال المدة الزمنية التي تناولتها، وهي السنوات الخمس الأولى من مسيرة ثورة 26 سبتمبر/أيلول 1962 (انتقل على إثرها شمال اليمن من حكم الأئمة الملكي إلى حكم الجمهورية)؛ وهي خلفية تعزز، بلا شك، من إمكانيات الكاتب في التعاطي مع الرواية، بما يحميه من ترك فجوات والوقوع في هفوات خلال السرد، كما تمكنه من الإمساك بحوادث يستطيع التعاطي معها روائيًا، بما يعزز موقفه ورؤيته، ويخدم تطور شخصياته وهنا المهم؛ فطبيعة المعارك التي ساقها السارد على أنها دارت في ضواحي صنعاء، وتعامل القوات المصرية مع اليمنيين داخل وخارج السجون، وحكاية الكنز الأثري.. لم تكن مقنعة كما لم تكن كافية للانطلاق في تبني موقف ينال من القوات المصرية في حربها مع الجمهورية في اليمن.
كما أننا هنا لا نبرئ تلك القوات من ارتكاب مخالفات، كما لا ننكر دورها وتضحياتها في مساندة الجمهورية، إلا أن تقديمها في هذا السياق كان يحتاج لمعرفة وافية ودقيقة بطبيعة المرحلة وتناولها في سياق معقد من الأحداث والحوادث، من داخل وخارج العمل العسكري والثوري بما يجعله مقنعاً، وهو يعكس مرحلة من تاريخ اليمن الحديث، خمس سنوات كفترة قصيرة كان يمكن إغناؤها سردياً.
تلك المعرفة وذلك التناول كان سيحمي السارد من ترك فجوات تاريخية والوقوع في أخطاء معلوماتية بعضها يعرف صحيحها الكثير، كحكايته ـ مثلاً- عن وصول أول شاحنة لمدينة يريم (وسط اليمن) عام 1962؛ فهذه المعلومة غير دقيقة تاريخياً؛ ويكفينا العودة لعدة كتب أبرزها كتاب «بعثة الأربعين الشهيرة- التعليم والثورة والإصلاح في اليمن» لمؤلفه كيفن روزر، الصادر عن مركز الدراسات والبحوث اليمني في صنعاء، الذي ذُكِرَ فيه إن البعثة، وهي أول بعثة طلاب من شمال اليمن للدراسة في الخارج، قد وصلت بشاحنة من صنعاء إلى يريم عام 1947…ومهما يكن فهذه الهنات لا تقلل من القيمة الفنية للرواية.

الحبكة والبناء

على صعيد الحبكة والبناء اعتمدت الرواية على الحبكة البسيطة؛ التي ارتبطت بحكاية «مهدي نصاري»؛ وهو بطل الرواية الذي كان محور أحداثها والناجي الوحيد ممن اكتشفوا الكنز الأثري، الذي تحققت من خلاله مقولة قديمة لشيوخ قريته. تتبع السارد حكاية مهدي كرمز لحال معظم اليمنيين حينذاك، كما مثلت قريته (سحمر) غرب مدينة يريم رمزاً لحال معظم اليمن وفق ما أراد السارد… وابتدأت الحكاية مع مهدي، وهو في سوق مدينة يريم، حيث وصلت حينئذ، ما اعتبره السارد، أول شاحنة يراها الناس هناك، حيث سمع من سائق الشاحنة أن القوات المصرية ستصل لليمن، ما يعني أن ذلك الحدث كان في الأيام الأولى للثورة.

على صعيد الحبكة والبناء اعتمدت الرواية على الحبكة البسيطة؛ التي ارتبطت بحكاية «مهدي نصاري»؛ وهو بطل الرواية الذي كان محور أحداثها والناجي الوحيد ممن اكتشفوا الكنز الأثري، الذي تحققت من خلاله مقولة قديمة لشيوخ قريته.

وتواصلت أحداث الرواية (تصاعدياً) بعودة مهدي إلى قريته، وهناك قادته الصدفة لاكتشاف تابوت أثري يعود لحضارة اليمن القديمة، ما تسبب بخلاف استدعى وصول فريق أثري محلي مع قوة حماية مصرية؛ وهي القوة التي كانت تضم، وفق الرواية، عميلاً مصرياً لأحد أجهزة الاستخبارات الأجنبية، يعمل في تهريب الآثار اليمنية، وقد استعان هذه العميل المحسوب على القوة المصرية بمهدي، اعتقاداً منه بحظه السعيد في الكشف عن الآثار، وخلال التنقيب في أحد جبال تلك المنطقة تم العثور على كنز أثري، كالذي تحدثت عنه حكايات قديمة في قرية مهدي، وخلال ذلك استدعى الضابط أو العميل المصري طائرتين عموديتين، تبين لاحقًا إنهما بريطانيتان، ونقل عليهما كميات كبيرة من الآثار الذهبية والبرونزية التي عُثر عليها في ذلك الموقع، بينما ترك العتاد الأثري الحربي ليتم نقله إلى صنعاء عبر شاحنة، بعد أن تم التخلص من فريق وعمال التنقيب، من خلال طعام مسموم، ولم ينج منهم سوى مهدي والضابط قنديل عبدالنور، اللذين نقلا العتاد الحربي الأثري على شاحنة إلى صنعاء، لكن الملكيين كمنوا للشاحنة قبل دخول صنعاء، ولحق ذلك استهداف الشاحنة من قبل طائرات مصرية، وخلال ذلك قُتل الضابط المصري، ولم يبق سوى مهدي، الذي تم القبض عليه من قبل الثوار الجمهوريين وإيداعه السجن في صنعاء بجانب مجموعة من المناصرين للعهد السابق، إلى أن حان موعد إعدامهم، وهناك تمكن مهدي من الهرب، وتقوده الصدفة للاختباء في منزل أحد الثوار، ممن كان مسؤولاً عن إعدامه، وفي ذلك المنزل نشأت علاقة حميمة بين مهدي وزوجة الثائر انتهت بهروبهما معاً إلى إحدى ضواحي صنعاء ليقعا، لاحقاً، في قبضة القوات المصرية، ويتم إيداعهما السجن؛ فتتعرض (خليلة) للتعذيب والاغتصاب، فيما يتعرض مهدي للتعذيب وأعمال شاقة داخل السجن لأكثر من عامين. وتأتي النهاية مع وقوع نكسة يونيو/حزيران 1967 ومغادرة القوات المصرية لليمن، وإطلاق كل مَن في ذلك السجن؛ فخَرجَ مهدي مع خليلة وعاد بها إلى قريته، حيث استقر معها هناك وتنتهي الرواية بذلك.
لم يكن الكاتب مقنعاً كثيرًا في مد خيوط الأحداث وردم فجواتها، بما يتوافق مع بناء وتطور الشخصيات، وبما يجعلها مناسبة لطبيعة المرحلة التاريخية التي لم تأت تحولاتها مقنعة في السياق الذي وردت فيه داخل الرواية، حتى وهو يصف الأماكن ويستعرض تفاصيل الحكاية؛ فالقارئ لم يشعر بأي تحول في حياة البلد، خلال تلك الفترة ومدتها خمس سنوات؛ وهو تحول يفترض أن يتجلى واضحاً في تطور الشخصيات، وتحول الأحداث منذ دخول القوات المصرية وحتى خروجها، لكن الوضع لم يتغير في نهاية الرواية عن بدايتها باستثناء وهج السرد وإثارته.

الرؤية

على صعيد الخطاب استهدفت الرواية التنويه بما شاب قيام الثورة اليمنية من اختلالات وأخطاء انحرف بمسارها، بما فيها ممارسات القوات المصرية، على صعيد انتهاك الحرمات الوطنية والشخصية، لكنه لم يوضح كل ذلك في سياق سردي مقنع، كما سبقت الإشارة، مكتفياً بما سرده في سياق حكاية مهدي نصاري، بينما كان الأجدر أن يأتي السرد في سياق حكايات من داخل الثورة والقوات المساندة لها، متمددة أفقياً داخل المجتمع والدولة.
في اللغة المستخدمة كان معظم الحوار بين مهدي، وهو فلاح أمي، وزوجته عاتقة وأهل قريته، ومن ثم مع خليلة في صنعاء؛ وهو حوار لا نعيب فيه على السارد استخدم اللغة الفصحى بقدر ما نستغرب من المستوى الثقافي للحوار؛ إذ من غير الطبيعي أن يكون ذاك المستوى الثقافي من الحوار بين أميين أو محدودي التعليم؛ بل كان يجب أن يكون أدنى من ذلك في لغته ومفاهيمه، حتى لو استعان باللهجة المحلية، وقد كان السارد يستخدمها في وصفه لشخوصه وأحداثه معتمداً على هامش لتفسير معانيها، وهو ما كان يجب أن يستخدمه في الحوار أيضاً لكنه لم يفعل…كما نعيب عليه في الوقت ذاته استخدام مفردات عامية غير يمنية ككلمة (مربربة) في نص المقولة المتواترة عن الشيوخ، التي اعتمدت عليها الرواية؛ وهي كلمة عامية غير يمنية ورد استخدامها في سياق يمني تاريخي ضمن هذه الرواية، بالإضافة إلى كلمات أخرى وردت على ألسنة الشخصيات بينما لا تستخدم في البيئة التقليدية اليمنية ككلمة كوخ وكلمة عشيرة وغيرهما.
بصرف النظر اتفقنا مع رؤية السارد أم لم نتفق إلا أن معالجته السردية لما اعتقده، كانت جيدة فنياً كرواية التزم فيها سياقا سرديا يبقى معه القارئ شغوفا بالقراءة حتى الانتهاء منها، وهي رواية تشكل إضافة نوعية لتجربة الكاتب المتميزة، التي أصدر فيها رواية «الطاووسة» 2004، وقصص «الباهوت» 2005 وقصص «روح الحبيبة» 2006 ورواية «الدائرة المقدسة» 2008 ورواية «هفوة» 2011 ورواية «لعنة الواقف» 2014، التي فازت بجـــــائزة دبـــي الثقافية للإبداع الروائي عام 2013 ورواية «نزهة عائلية» 2017… ويعد أحد أهم الأسماء الشباب في السرد اليمني.

Share

التصنيفات: ثقافــة,عاجل

Share