Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

رواية “ممالك البحر الأحمر”… من الفانتازيا التاريخية إلى شبهِ الواقع

محمد المطرود*

الفانتازيا التاريخية في «ممالك البحر الأحمر»:
في روايته الصادرة حديثاً يقدم الروائي بلال البرغوث نفسهُ راويا للفانتازيا التاريخية، عنوانهُ «ممالك البحر الأحمر/ السقوط»، ووضعَ «السقوط» كعنوانٍ فرعي، كونهُ يطمحُ حسبِ مقدمته ليكونَ عملهُ ثلاثيةً، وهذا هو الجزء الأول.
يخلصُ البرغوث لمفهوم الفانتازيا التاريخية بأنها محاولةٌ لاختراقِ الواقعِ باللامألوف، وصنعِ حياة متكاملةٍ فضاؤها الخيال، وهنا الخيال لا يعني المخيال الذي تتطلبهُ الرواية عموماً، إنما خيالٌ يخص القصة الأساس من ألفها إلى يائها، من مكانها إلى زمانها، من شخصياتها إلى حيواتهم وسلوكهم، لا يوجدُ حيزٌ مكاني بعينهِ، سوى أن ممالكَ جاءت كما لو أنها من عدم بأسمائها وأسماء شاغليها، ولهذا فالراوي يقول بأنه رسم خريطةً متخيلةً تماماً بالحدودِ الفاصلةِ بينها، وجعلها منطقة براكين ثائرة، تعيقُ التنقلَ بسهولة في ما بينها، ولو دلت النارُ على أمرٍ، من المؤكد تشيرُ إلى حالةٍ متقدمةٍ للحياةِ، برد الأرض نفسها إلى حالتها الناريةِ، ومن ثم تبردها لتصبحَ قابلةً للاستئناس، على أننا هنا وفي التوصيفِ الذي يفعلهُ بلال لروايته بتزمينها في الفترةِ التي أعقبت طوفان نوح، وسبقت الديانات الإبراهيمية!
وهو بهذا يضعُ زمناً افتراضياً، يجعل هذه الفانتازيا متوسلةً أو ذاهبةً إلى واقعٍ، يمكن تخيلهُ أو تصوره كما لو أنه جزءٌ من تاريخٍ مكتوب، على أن هذا التصور لا يزلزل ولا يقلق فكرة الفانتازيا التي سيتلقاها المتلقي لرواية «ممالك البحر الأحمر» وإنما سيجد فيها الكم الكافي من الخيال، زماناً ومكاناً وبما يفي هذا المفهوم حقه.
صراعات الشخصيات والممالك/ الأبطالُ والمهمشون:
تتوزع بيئة الروي على ممالك متمايزة، وكل مملكةٍ لها كينونتها والمميز الذي يمنحها الاختلاف، تشكلت شخصيتها الاعتباريةِ بعد الصقلِ الذي أصابها جراء حرب امتدت على قرنين ونصف القرن من السنين، لتنتهي إلى معاهدةٍ سريةٍ بين الممالك الخمس، سميت: «معاهدة البحر الأحمر»، الطريف فيها أنها وقعت على صفائح معجونة برماد أجسادِ القادةِ العسكريين، ومصهور حديد دروعهم وسيوفهم، وبقيت الحالُ والمعاهدةُ لمئة عامٍ غامضةً ومهابةً، ولم يفك أحدٌ عراها، إلى أنْ رأى ملك العرب نفيل بتهديدِ مملكة الأغادي الحضارية والمثقفة لمملكته وباقي الممالك، والعمل بالتجويعِ والدسائس والحيلِ، لإنهاكِ الوجهِ الخير لصالحِ امتهان الإنسانِ والعبودية، وإعلاء شأن الاستبدادِ والتحكم بالحياةِ، من خلال إخافةِ الرعيةِ من علاقةٍ مع إله واحد، وكذلكَ من التمدنِ.

يمهدُ بلال البرغوث لقارئهِ بأن روايتهُ الأولى، ليست رواية مشوقة وحسب، بل هي روايةٌ تحملُ رسالتها ولها علاقة وثيقة بما يحدث، فإن كان زمانها ومكانها متخيلين فلها بالتأكيد ما يقربها من واقع اليوم

وإذا نظرنا إلى الصراع فهو يأخذ شكلاً مؤطراً، أشبهُ بصراعٍ طبقي داخل كل مملكةٍ، بين طبقةٍ متنفذةٍ وأخرى تابعةٍ يرسم مصيرها ملوك وعسكر وسحرة، وصراع آخر وجودي يكونُ بين الممالكِ في ما بينها، وبين الممالك الأربعةِ ومملكة الأغادي، التي تفسرُ العالم بطريقة علمية وفلسفية، وهي بذلك تنتصر للخير على عكسِ الأخريات، ولو جاز لنا أن ننتقي بطلاً من حيث الفعل والنفوذ والهيمنة، فكل مملكة لها شخصيتها التي تتفاعل وتتنامى، ولو جازَ لنا انتقاء بطلٍ قيمي منها فستكونُ الأغادي بشخصياتها الخيرة والشجاعة من بيبولت إلى الجليل حيثُ الحكمةُ والانتصار للإنسانِ والخير، يتخلل السرد مشاهد ترسم شخصيات الرواية، بل أن السرد كله يذهب كلية إلى التصوير والوصف والمشهدية، التي تدغم الحوار بالصورة.

يمهدُ بلال البرغوث لقارئهِ بأن روايتهُ الأولى، ليست رواية مشوقة وحسب، بل هي روايةٌ تحملُ رسالتها ولها علاقة وثيقة بما يحدث، فإن كان زمانها ومكانها متخيلين فلها بالتأكيد ما يقربها من واقع اليوم
اللغةُ وتقاناتُ الكتابةِ:
تسعى رواية «ممالك البحر الأحمر» الاستفادةَ من تجنيسها بالفانتازيا التاريخية، من حيث المساحة الطيبة للخيال، وكذلك استثمار ما تسمحُ به هذه الكتابة من اقترابها من الأسطورةِ أو الخرافةِ أو السحر، أو كلها مجتمعة، ولهذا سيجدُ قارئ الروايةُ لغةً تتقاربُ مع القصةِ والأحداث والشخصياتِ، لغة ملحمية، سيرية، محكمة السبكِ، تشويقية، لغةٌ تصويرية، تعيدُ المتلقي إلى تلك الملاحم بلغاتها الحاملةِ لروحها، ولا ندري هنا من إخلاص الراوي لتقنيةِ التصوير والوصف وسرد الحدث بلسان شخصياتها الفاعلة، ما إن كانَ غيب شخصيتهُ في مجموع الشخصياتِ، لنصل معها وبها إلى حكايةٍ تقتربُ من الشعبي، فهي تكتفي بقوتها ودلالاتها الواضحة على حسابِ الغامضِ، أو المحمل بالتلغيز والتفخيخِ، الذي ترتكبهُ بعض الروايات، على أنني كمتلقٍ أسجل نقطة ضد الرواية لغيابِ الراوي/ المؤلف الذي كان يمكن بتدخله أن يخلقَ مساحات أخرى للتلقي وكذلك إعطاء الإسقاط الذي تحدث عنه أهمية وحضور كبيران.
الرسائل الممكنة/ الإسقاطات:
في كلمتهِ الاستهلالية يمهدُ بلال البرغوث لقارئهِ بأن روايتهُ الأولى، ليست رواية مشوقة وحسب، بل هي روايةٌ تحملُ رسالتها ولها علاقة وثيقة بما يحدث، فإن كان زمانها ومكانها متخيلين فلها بالتأكيد ما يقربها من واقع اليوم، لاسيما أن الجزء الأكبر من الكتابة هنا كانَ مسرحهُ حرملك السلطات وعلاقتهُ بالشارع بمعناه الشعبوي أو الجماهيري، يقول: «بالطبع رواية» ممالك البحر الأحمر» ليست رواية تجريدية، وإنما هي ذات إسقاطات على واقعنا الحالي، سواء بالجغرافيا أو بالمواقف والأفعال، وهي رواية لها مبحثً بدئي في دراسة نشأة الاستبداد وسطوة السلطات والمؤامرات والدسائس للحفاظ على الكراسي!
ختاماً:
سيتلمسُ قارئُ رواية «ممالك البحر الأحمر/ السقوط» والصادرة عن دار كتابنا للنشر والتوزيع، مناطقَ أخرى لم تأت هذه القراءة عليها، ذلك لكثرة الأحداث والأسماء وتشابكاتها، غير أنه سيكونُ أمامَ عملٍ سيقرأهُ فيستمتعُ بلغته ومآلاته ومجرياته، ورغم كمية الخيال فيه، يكون علاقةً وثيقةٍ بواقعهِ.
شاعر وناقد سوري

Share

التصنيفات: ثقافــة,عاجل

Share