Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

مصطفى عامر: رسالة عاجلة إلى الحفيد السابع لأحد مرتزقة الرياض

اليوم، قامت طائرات العدوان بقصف مدرسةٍ للبنات، ولا نملك حتى الآن احصائية نهائية بعدد القتلى والجرحى، ولكي أكون صريحًا فلست مهتمًّا الآن بإحصاء عدد الضحايا، وفيما لو كانت لديك اهتماماتٌ بالإحصاء فبمقدورك قراءة التاريخ لبعض الوقت، وأتمنى أن تحصل على سجلات دقيقة بخصوص جرائم العدوان في اليمن، وهي- بالمناسبة- لا تقع تحت حصر.

فتياتٌ صغيراتٌ ذهبن اليوم إلى المدرسة، إحداهنّ- وهذا ما يهمّني إخبارك به- فوّتت طعام الإفطار لأنها كانت على عجلةٍ من أمرها، فلها- مع رفيقاتها بعد الحصّة الخامسة- موعدٌ مع الله.

لو كنت حاضرًا لسمعت والدتها تصيح “ماتت بنتي وهي جاوعة”؛ ولو كنت مؤمنًا لأيقنت بأنّ صرخة هذه الأمّ وصلت إلى الله.

لستُ في مزاجٍ جيّد الآن، وباستثناء جدّك وأمثاله فلا أعتقد أن أحدًا من أهل هذه البلدة في مزاجٍ جيّد. وفيما لو كنت مهتمًّا بمحاسبة التكاليف فلا أدري في الحقيقة كيف يستطيع ضمير حلف الرّياض ومرتزقته تحمّل تكاليف فاتورةٍ باهضةٍ إلى هذا الحد؟ ولا فكرة لدي عن ماهيّة الإجابة التي سيقولها حلف الرياض ومرتزقته حينما يسألهم الله عن تلك الصغيرة التي أرسلوها إلى مشوارها الأخير “وهي جاوعة”؟!

ليس ثمّة ما هو أكثر خسّةً من هذا العدو سوى مرتزقته. بالطبع لا أريد أن أضعك في مثل هذا الموقف لكن جدّك كان خسيسًا يعمل لمصلحة عدوٍّ بالغ الخسّة، ولفرط خسّة هذا العدو وتتابع المجازر التي ارتكبها وتزاحم صورها تحوّلت الحيوات في أذهان الناس إلى محض أرقام، ولَا أعتقد أنّ هناك ما هو أكثر بشاعةً في هذا الكون من أن تتحوّل الضحايا في أذهان الناس إلى محض أرقام!

لذا لا تسألني عن عدد ضحايا مجزرة اليوم، أترك مثل هذا الأمر لوزارة الصّحة، وابحث عن الإنسان في جدّك وأمثاله فهذا البحث أجدى، تخيّل الحزن الذي يجوس في الدّيار اليوم، عن الغضب المشتعل في صدور الآباء والفجيعة في قلوب الأمّهات، وانظر- فيما بعد- في وجوه عُبّاد سلمان، في وجه جدّك على الأقل، وحاول إن استطعت ألًا تبصق فيه.

الفتيات على أيّة حالٍ ذهبن اليوم إلى من لا ينسى ولا يموت، أرسلتهنّ الطّائرات إلى موعدٍ لم يتوقّعن حدوثه اليوم، وهذه- بالمناسبة- كانت المرّة الأولى التي يذهبن فيها إلى مشوارٍ “ما” دون استئذان أهلهن، وبالنسبة لأهلهنّ فقد كانت هذه المرّة الأولى التي يتأخرن صغيراتهم فيها عن العودة إلى منازلهنّ حتّى هذا الوقت، وقد ذهبن في كلّ الأحوال متخفّفاتٍ من كلّ حِملٍ ثقيل، ذهبن ولم يُزعجن أحد، كما أنّ الطائرات لم تمنحهنّ مهلةً للتأهب لمثل هذا اللقاء الكبير مع ربّ السماوات والأرض.

حسنًا، لا تخطئ على هذا النحو مُستقبلًا، لم تمت منهن واحدة، فالشهداء “أحياءٌ عند ربّهم يُرزقون”، وفيما لو منحك الله نعمة البصيرة لوجدّتهنّ يمرحن مع بقية الأطفال الذين سبق لطائرات العدوان أن أرسلتهم إلى الله في ظروفٍ مشابهة، ولعلّهن- كعادة القادمين الجدد- يُخبرن نظرائهن الآن بتفاصيلٍ كثيرةٍ حدثت اليوم ولم يعرفها أحد.

هل تطورت وسائل التكنولوجيا عندكم على النحو الذي تستطيع الحصول معه على إحصائيةً دقيقة – وهذا سؤالٌ بالغ الأهميّة- عن عدد الدموع التي سقطت اليوم من عيونٍ آلمها الفقد وأعيتها الحيلة؟ هل تملكون في عصركم جهازًا لرصد درجة القهر مثلًا؟ أو سجلًّا خاصًّا بإحصاء اللعنات التي لاحقت القاتلين؟

فتّش في صدرك- وأنت تقرأ التاريخ- عن حزنٍ “ما”، عن غُصّةٍ في حلقك على سبيل المثال، عن لعنةًٍ تراودك عن نفسها، عن شيءٍ ما يُشبه النّار؟

وقتها- في ذلك الوقت بالذات- ستعرف معنى أن يرغب أحدهم بإشعال مملكة آل سعود بولاعة سجائر؟ تأتيه الفرصة ليفعلها، فيفعلها، ويقول الرّب أنّ هذا أمرٌ حسن!

وقتها أيضًا- وهذا أمرٌ حتميّ- ستعرف لماذا كنّا نحتقر جدّك وأمثاله، وإذا لم تعرف هذا الأمر فأنت- ببساطةٍ بالغة- محض نسخةٍ مطوّرةٍ عن جدّك.
أي أنّك- وفق صياغةٍ أكثر دقّة- خسيسٌ حتى جدّك السّابع.

ومن شابه جدّه فما ظلم!

Share

التصنيفات: أقــلام

الوسوم:

Share