Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

حسن الوريث: الزكاة والتسول  .. وجهان لايجتمعان

منظر يبعث ليس على الألم والحسرة فحسب بل وإلى الاستغراب .. نساء مع أطفالهن في عمر الزهور وإلى أوقات متأخرة من الليل يتوزعن في الشوارع والجولات للتسول من خلال استعطاف الناس ..

ذلك ما شاهدته عندما كنت عائدا مع ابني وصديقي الصغير عبد الله ووالدته من زيارة أسرية خاصة في التاسعة والنصف من مساء أحد الأيام ولفت نظرنا جميعا وجود نساء مع أولاد صغار بعضهم لم يتجاوز العام وبعضهم أكبر بقليل وهم يقفون على جانب الطريق وخاصة في الأماكن التي يوجد بها مطبات تجعل السائقين يسيرون ببطء ما يتيح الفرصة لهذه النساء للتسول ولم يكن الأمر اعتياديا فتلك النساء وفي هذه الوقت وبهذه الكثافة غير المعتادة جعلني أتساءل في نفسي عن سبب بقاءهن في الشوارع إلى هذه الوقت المتأخر ؟ .

وانا منهمك في التفكير والبحث عن إجابة لتساؤلاتي تلك سمعت والدة عبد الله وهي تسألني نفس السؤال عن سبب هذه الظاهرة ؟ وفي نفس الوقت سمعت ابني وصديقي الصغير يقول.. هل مع هؤلاء النساء والأطفال بيوت ام أنهم من النازحين ؟.. كل تلك التساؤلات أثارت فضولي وجعلتني أتوقف بالسيارة وأسأل إحدى النساء عن سبب تواجدها مع اثنين من أطفالها الصغار في هذا المكان وإلى هذه الساعة المتأخرة؟ كانت الإجابة منها ..”  خرجنا للبحث كن أهل الخير عن مساعدة فنحن فقراء وزوجي عاطل عن العمل ” فسالتها.. لماذا لايخرج زوجك وتبقي انتي في البيت مع أطفالك؟ قالت لي اذا خرج زوجي ماحد بيتعاطف معه لكن انا والأطفال الصغار ربما نثير شفقة الناس ليتصدقوا علينا .. كانت الإجابة منها مدخلا لسؤال ابني وصديقي الصغير الذي قال لها .. لكن الدنيا برد عليكم انتي والأطفال ويمكن تتعرضوا للأذى اذا ما كان معكم الاب لحمايتكم ؟وهل كل النساء الذي هنا أزواجهن عاطلين عن العمل ؟ .

في طريق عودتنا إلى البيت استمر النقاش بيني وبين صديقي الصغير ووالدته حول موضوع خروج النساء بهذا الشكل للتسول وظاهرة التسول بشكل عام واسباب الظاهرة وانتشارها بشكل لافت خاصة هذه الايام ودور الدولة في هذا الأمر وكان ان قررت مع ابني وصديقي ان يكون موضوعنا هذا عن التسول لكن لابد أيضا من البحث أكثر عن الموضوع حتى تصل رسالتنا بالشكل المطلوب واتفقت معه على أن نقوم اليوم الثاني بجولة في عدد من الشوارع وأماكن تواجد المتسولين بكثرة ولأن اليوم الثاني هو الخميس وهو عطلة من المدارس فقد أبدى صديقي الصغير حماسا كبيرا للقيام بالجولة والمهمة الصعبة .

في صباح اليوم الثاني كان صديقي الصغير مستعدا للخروج وهو ما جعلني اتحمس أكثر وفور تناول الفطور خرجت معه حيث بدأنا جولتنا كما هو معتاد من جولة الساعة في حي الحصبة وتوجهنا منها إلى جولة القيادة التي كانت تمتلئ بأنواع من المتسولين من الصغار والكبار والنساء والرجال والشباب بعضهم يطلب منك مباشرة والبعض يمسك بيده قطعة قماش يمسح زجاج السيارة  خليط من البنات والأطفال في عمر الزهور والشباب في سن المدارس والجامعات ونساء ورجال في كامل صحتهم وأشخاص كبار في السن وتجمعات أشبه بالتجمعات الأسرية في زوايا الشارع وهذا المشهد يتكرر في معظم الجولات والشوارع ولأن اليوم كان عطلة فقد شاهدنا جماعات من النساء والأطفال وهم يتنقلون من محل إلى محل ويتجمعون عند أبواب بعض منازل كبار التجار بانتظارهم حين يخرجون ليحصلوا منهم على الصدقة والاكيد ان هناك مشاهد نعرفها جميعا والأهم ان التسول أصبح ظاهرة تستحق الوقوف عندها ومعالجتها .

بالتأكيد لم تكن هذه المشاهد التي رصدناها انا وصديقي العزيز سوى جزء من الصورة اليومية لظاهرة ربما صارت تؤرق الجميع فأينما اتجهنا في الأسواق والاماكن العامة والخاصة والمساجد والبيوت وفي كل مكان نجد التسول بكل صوره وأنواعه وأشكاله وحتى تلك التي لم تتخيلها فمن التسول بادعاء المرض والعوز والفقر إلى التسول بالتزوح إلى التسول بالجوع والعاهات الحقيقية أو التي يتم صنعها من قبل المتسولين المهم أنها تشكل صورة هذه الظاهرة القديمة الجديدة والتي ازدادت بسبب ظروف الحرب والعدوان وانقطاع الرواتب والنزوح والتي يتوجب على جهات الاختصاص الوقوف عندها وهذا هو السؤال الذي بادرني به صديقي الصغير بعد جولتنا هذه وتلك الصور التي رصدناها حيث قال لي .. اين الدولة والحكومة تساعد هؤلاء الناس ؟.

قلت له ياصغيري العزيز .. الدولة كانت ومازالت وربما ستظل غائبة عن هؤلاء الناس فهي لاتعيرهم اي اهتمام فهم في نظرها فئة من الفئات التي تكسب قوتها من نفسها ولاتكلفها شيء رغم ان هذه الظاهرة تسبب مشاكل اجتماعية وأمنية واقتصادية كبيرة تشكل خطرا على أمن المجتمع .. حينها قال لي صديقي العزيز.. كيف تشكل خطر على الأمن والاقتصاد؟ .. بالطبع ياعزيزي وصديقي الصغير .. التسول يساعد على انتشار البطالة فالكثير من الشباب قادرون على العمل والإنتاج لكنهم يفضلون التسول وهذا يعطل جزء كبير من طاقات المجتمع كما ان الكثير من الأطفال يتركون المدارس وهذا ينتج لنا أجيال خارج منظومة التعليم ربما تشكل خطر على مستقبل المجتمع والبلاد كما ان المتسولين يتجهون إلى الجريمة والانحراف وتسنقطبهم العصابات الإجرامية والجماعات الإرهابية وبالتاكيد ياصديقي أننا لو تحدثنا عن مشاكل ونتائج هذه الظاهرة سنحتاج إلى مجلدات وهناك دراسات كثيرة في هذا الموضوع لكن ما يهمنا هو كيف نعالج هذه الظاهرة ؟ .. فقال لي صديقي .. فعلا ماهو في رايك العلاج لهذا الوضع ؟.

  • سمعت ياصديقي العزيز أنه تم إنشاء هيئة عامة مستقلة للزكاة بدلا عن مصلحة الواجبات التي كانت تتبع الدولة وتصرف جزء كبير من الزكاة في امور أخرى ولاتصل إلى مستحقيها من الفقراء والمساكين والمحتاجين إضافة إلى أن عملية تحصيل الواجبات لم تكن تسير بشكل صحيح وحقيقي ما أفقدنا نسبة كبيرة من الموارد الزكوية وعموما.. ياصديقي يمكن لهذه الهيئة ان تعمل بشكل أفضل كي تصل الزكاة إلى مستحقيها وفق آليات سليمة وليس كما نسمع الان بأن الهيئة تحولت إلى صندوق للصرف فقط فهذا سيفقدها أهميتها ودورها لأننا بحاجة إلى مشاريع حقيقية تنفذها حتى تحقق الهدف من إنشائها اذا كان الهدف هو الوصول إلى المستحقين وليس أشياء اخرى وربما ان هذا ما سيتضح خلال المرحلة المقبلة وانا ياصديقي العزيز بدأت اتشاءم من الهيئة على اعتبار ماسمعت عنها من أخبار اذا أنها تفتقد إلى التخطيط العلمي السليم وتسير بشكل عشوائي.. فقال لي صديقي العزيز هل يمكن للهيئة ان تساهم في حل لظاهرة التسول والقضاء عليها ؟ وكيف ؟.
    ياصديقي العزيز .. أعتقد أن الهيئة قادرة على ذلك من خلال مشروع متكامل ينطلق من دراسة الظاهرة واسبابها وكيف نعالجها بطرق علمية وليس فقط توزيع مواد غذائية أو مبالغ مالية يتم استهلاكها ومن ثم العودة إلى التسول والاستفادة من السلبيات التي رافقت مشاريع مكافحة التسول التي كان يتم تنفيذها وتفشل سواء في بلادنا أو في البلدان الأخرى وكذا الاستفادة من تلك المشاريع التي نفذتها دول أخرى ونجحت في القضاء على ظاهرة التسول وفي الأخير سنقول انا وصديقي العزيز أنه لو توفرت النوايا الصادقة لنجحنا في ذلك ولو ان الزكاة جمعت بطريقة سليمة ونزيهة وتم توزيعها بنفس النزاهة فإننا لن نجد فقيرا أو محتاجا.. وكما يقال .. اذا رأيت فقيرا في بلاد المسلمين فاعلم أن غنيا سرق ماله .. ونحن سنقول مثل ذلك لكننا سنضيف إليها اذا رأيت فقيرا في بلاد المسلمين فاعلم أن غنيا سرق ماله ودولة لم تقم بواجبها وزكاة يتم صرفها في غير مصارفها .. ونحن بإنتظار ما الذي ستفعله هيئة الزكاة وخاصة في موضوع ظاهرة التسول .

Share

التصنيفات: أقــلام

Share