Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

الروائي محمد الغربي عمران :الرواية فعل جمالي ولا يمكن أن تكون صدى لقبح الساسة

الدين تحول إلى معضلة فباسمه يقتل الإنسان ويستغل ويجهل وتدك مدن
الحروب لها ألف وجه قبيح لكنها لا تخلو من ملامح نستدل منها الحكمة
المرأة كرمز إنساني تظل في أعمالي أقوى من الرجل
نحتاج إلى فكر مستقبلي لتفعيل العقل لا لملؤه بما قيل في الماضي
التاريخ أداة للحديث عن الحاضر وتصور الغد
الرواية الحديثة تسعى لإشراك المتلقي في توليد أسئلة وجودية

 

محمد الغربي عمران كاتب إشكالي من اليمن، درس التاريخ وخبر العمل السياسي، وتميز بالبحث عن الاختلاف في النص الأدبي.. في رصيده العديد من الأعمال القصصية والروائية الهامة ومنها: (منارة سوداء) و(الظل العاري) و(مصحف أحمر) و(ظلمة يائيل) و(مملكة الجواري) و(حصن الزيدي) وغيرها.. وجلّ كتاباته تتناول قضايا فكرية جوهرية وتنسج عوالم إبداعية تناهض العنف والتطرف وتنبذ الخرافة والتجهيل وتنشد السلام والعدالة والإنسانية.. المجلة الثقافية الجزائرية حاولت الاقتراب من هذا المبدع والمثقف والإنسان، فكان هذا الحوار:

حاورته باسمة حامد.

لنبدأ من روايتك (مصحف أحمر) التي تناولت قضايا إشكالية عديدة، الرواية طرحت أسئلة مهمة في هذه اللحظة التاريخية المفصلية المليئة بالمفاهيم الضبابية، فهل على الكاتب أن يكتفي بطرح الأسئلة ويترك للقارئ فسحة للتفكير والتأمل؟ أم عليه أن يقدم له إجابات واضحة؟

الرواية حين تعكس ما يدور بشكل مختلف.. لا يعني أنها ضد.. فليست من وظائفها وضع الحلول.. الرواية فن يولد أسئلة غير مباشرة تخلق في عقل المتلقي.. تدفعه نحو استخدام قدراته العقلية بدلاً من تسليمه لحراس الفضيلة والخرافة.. هنا نجد أن الأسئلة تحرك الراكد فينا.. وما تسعى إليه الرواية الحديثة إشراك المتلقي في توليد أسئلة وجودية تؤدي لرفض المطلق و المسلمات.. وليس للروائي أن يضع أي سؤال مباشر أو بالإيحاء.. بل عليه أن يدفع العقل للتفاعل والإنتاج.. والقارئ شريك عوامل منها ديمقراطية شخصيات العمل.. إلا مرونة ذلك الخيال حين يدهش القارئ وقد حمله إلى منابع النور.. في الرواية فضاءات متداخلة وشخصيات متفاعلة.. وأحداث تقود بالضرورة إلى تشظي الأسئلة.

الرواية فعل جمالي

ما يبدو مثيراً للانتباه أن الرواية دعت لنبذ العنف والإقصاء بعيداً عن الخطابات الجاهزة التي يتخفى وراءها الحّكام و(المتأسلمون) ودعاة حقوق الإنسان.. لكن ما الذي يجعل المبدع اليمني متمسكاً بفكرة التسامح وهو شاهدٌ على زمن رديء يندثر فيه مخزون إنساني ثري وعريق في بلاده؟

الرواية فعل جمالي ولا يمكن أن تكون صدى لقبح الساسة.. الفن ومنها الرواية في كل الأحوال مع الإنسان وتطلعاته لقيم الحرية والعدالة والديمقراطية.. وما يحدث من قبح الحرب.. يجعل الفنان يتمسك أكثر بجود الجمال كضرورة في حياته.. والرواية فعل فني أدبي تعري ما يدور دون أن تهدف بالضرورة إلى تعريته.. لتدفع بالقارئ إلى التفكير بالجمال والسلام ورفض منح عقله لغيره كي يملي عليه خرافات تجذر ثقافة المطلق.. الرواية ليست ردود أفعال لما يدور من عنف وجرائم وإن بدت كذلك. بل حياة موازية لما نعيشه من ذل وزيف الساسة والمتأسلمين.. ولذلك أثرها طويل المدى أكثر من أثر سفكهم.. وهي تنشئ عوالم تتواءم مع ما تتطلع إليه الروح والعقل من سلام في نسق مضاد لما يدور من عنف وتجهيل.

الإبداع أكثر تأثيراً

مشروعك الأدبي يحرض على التغيير والتنوير وإزاحة التصورات المعيقة للحراك المدني في المجتمع، من هذا المنطلق -واستناداً إلى تجربتك السياسية والأدبية وعملك في مركز الحوار لثقافة حقوق الإنسان- ألا تفكر في طرح مبادرة ثقافية ما لترسيخ فكرة السلام بين مكونات الشعب اليمني؟

الإبداع أكثر تأثيراً من المبادرات وأبعد مدى وجودي.. والفعل الكتابي تراكم يرسخ قيم الخير والجمال.. والإنسان ينجذب إلى البساطة.. أنا كائن مؤمن بقدرة الفرد المبدع على التغيير غير الآني.. ولعل أنشطتنا في نادي القصة نواجه قبح الحرب بالفعاليات المتنوعة من تكريم لشخصيات تنويرية وإبداعية إلى إقامة الحفلات الموسيقية والفنية.. الأمر أكبر مما نتصوره والنضال يجب أن يكون جمعي في إزالة ثقافة الخرافة والمطلق لأن تلك الثقافة هي من تولد كل هذه الحروب.. والدعوة لاستخدام العقل وعدم تغييبه في حياة الماضي هو المخرج والانعتاق.
على مستوى الساحة العربية ستجد أن مفهوم السياسية التطبيقية لدى الساسة تشابه فعل الدعارة.. ستجد أن الجميع أدوات لمن يدفع.. تأمل الساحة الليبية.. السورية.. اليمنية… إلخ الحروب يديرها من يدفع.. واليمني مجرد بيدق.. المقاتل يحركه المال الخارجي.. وبالطبع يرفعون شعارات إسلامية ووطنية كذباً.. بينما هم لا يملكون حتى عقولهم.. ولذلك علينا أن نصنع عوالمنا ليس هروباً بل إيماناً بالغد ورفضاً لثقافة الأسلمة والعسكرة نحو أنظمة مدنية .

أحاول كتابة ما لم يكتب

سأنتقل معك إلى (ظلمة يائيل) التي أتت بمضمون ثقافي ثقيل مع لغة أدبية فائقة الجمال.. ما هي خطتك في الكتابة؟ وكيف تصل إلى القارئ بنص أدبي يحافظ على توازنه الزمكاني ويحمل كل هذه الفوضى الخلّاقة من المعرفة والدهشة والتشويق؟!

في ظلمة يائيل وبقية أعمالي أجد بيئتي اليمنية غنية ولذلك أنهل منها ومن حياة أعيشها.. من تاريخ مزيف كتبه المنتصر.. أحاول كتابة ما لم يكتب..أن أتلمس حياة الهامش لا النخبة .. ومن هنا تبرز المرأة دون أن أخطط لأن تقود العمل داخل الرواية.. المرأة كرمز إنساني تظل في أعمالي أقوى من الرجل.. أدع ردود أفعالها على ما يدور طليقة.. أخلع عنها عنجهية الأبوة المترسبة فيَّ.. لأجد دورها يتعاظم دوما. تخرج الرواية لدي لا تشابه ما خططت له قبل الكتابة.. وصدقيني شخصياتي علمتني وأنا ابن الريف من مجتمع أبوي علمتني الديمقراطية.. أضحك وأنا أتخيل أفعالها قبل ضغط أزرار الكيبورد وكأني مجرد مشاهد لا صانع!

روايتك (الثائر) قدمت ثورتها الخاصة، كاشفة عن واقع الحياة بالمجتمع اليمني تحت الحرب والموت المجاني.. أود أن أعرف رأيك بالمشهد العربي وتحولاته خصوصاً وأن الرواية ظهرت في ذروة أحداث ما يُسمى بـ(الربيع العربي)؟

الثائر أكثرت الوصف فيها وثرثرت كثيراً.. محاولاً الانتصار لثاني رئيس في اليمن بعد نجاح الثورة.. رئيس مدني.. هو من أوقف الحرب وقتل المجتمع لنفسه كان ذلك في ستينات القرن الماضي.. وها نحن نعيش نفس القبح من حروب تحت شعارات دينية ووطنية يا للمهزلة.. حرب الطواغيت باسم الدين.. الدين الذي تحول إلى معضلة فباسمه يقتل الإنسان وتدك مدن.. وباسمه يستغل ويجهل.. ولذلك علينا تجاوز التخريف.
الربيع العربي كان صراعاً بين العسكر والدينين.. تأملوا مصر من خلف العسكري بعد إطاحته.. ثم عاد.. ليبيا من يتناحر على تركة العسكر.. في اليمن.. في العراق.. سورية والقادم أبشع طالما ترك العسكري والمتأسلم.. ولذلك علينا رفضهم والنضال من أجل دولة مدنية.

أداة الحديث عن الحاضر

التعامل مع التاريخ أمر بالغ الخطورة كونه يخضع لاعتبارات انتقائية عديدة ومنها الانتماءات الإيديولوجية.. فما الذي يدفعك لكتابته روائياً؟ شعورك التلقائي كمثقف بالمسؤولية الإنسانية والأخلاقية وضرورة تحمّل أعباء الواقع وإصلاح المجتمع؟ أم رغبتك في تدوين حقائق لا يراد لها أن تبصر النور؟

حين تصاعدت الهجمة عليّ بعد صدور مملكة الجواري حيث اتهمني أتباع الطائفة الإسماعيلة.. بتشويه تاريخ الملكة أروى.. وهي إحدى داعيات مذهبهم في القرن الخامس الهجري والتي حكمت جنوب الجزيرة العربية لأكثر من ستين سنة.. قلت لهم ما كتبته أنا ليست أرواكم.. بل أرواي. حين أستدعي التاريخ لا أكتب ما جاء في كتبه لإيماني بزيفه.. لأن تلك الكتب يكتبها المنتصرون.. أنا أكتب ما أستنتجه.. أكتب تاريخ اجتماعي متخيل.. ولذلك تجدين شخصيات أعمالي في المجمل هامشية. وباستدعاء التاريخ أسقط ما أريد على مشكلات الحاضر.. ففي ظلمة يائيل.. أردت القول أن الدين معضلة وها نحن نعيش في اقتتال دائم منذ ألف وأربع مئة سنة.. دورات من الدم والتدمير والتخلف.. فكر يرسخ الفردية والمطلق والزيف.. بينما نحن بحاجة إلى فكر مستقبلي بحاجة إلى تفعيل العقل لا لملؤه بما قيل في الماضي. التاريخ لدي أداة للحديث عن الحاضر وتصور الغد..

في الختام: لو أردت كتابة عمل سردي حول الحرب في اليمن، وأثرها على المجتمع.. ما الرسالة الأساسية التي ستسعى إلى إيصالها إلى المتلقي؟

روايتي المنجزة .. والتي ستصدر بداية عام 2020هي حول قبح الحرب في اليمن.. حيث سيصدر لي مطلع عام 2019عن دار هاشيت أنطوان بيروت رواية حصن الزيدي.. ما أردت قوله في الرواية التي بين يدي أننا بحاجة إلى استخدام العقل وليس إقصاؤه.. أن نرسخ قيم السلام والحب.. قيم الحرية.. وأجزم بأن الحرب ليست كلها سلب.. فاليمنيون تعلموا منها الكثير.. كما نتذكر الحروب الكونية الأولى والثانية وما تعلمت منها أوربا والعالم.. وكما علمتنا الجزائر بمليون شهيد كم الحرية والاستقلال غاليين.. الحروب لها ألف وجه قبيح لكنها لا تخلو تلك الوجوه من ملامح نستدل منها الحكمة.. فمن رحم الموت أحياناً تنبثق روح الحياة.

عن :” المجلة الثقافية الجزائرية”

Share

التصنيفات: أخبار وتقارير,ثقافــة

Share