Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

آمنة النصيري… أنثى “اللون المصفى”

عصام واصل


ماذا يعني أن تكون المرأة كاتبة أو فنانة في اليمن؟ هذا البلد الموبوء بالقبيلة ورجال الدين والأمية والسياسة والأنساق الثقافية التي تكبل كل ما هو ثقافي وفكري، وتجعل من المرأة كائناً متشحاً بالسواد وغارقاً في غيبوبته وتابعاً للنسق الذكوري القامع والمغرق في صلفه وجبروته.
جاءت التشكيلية والأكاديمية وأستاذة علم الجمال والناقدة والقاصَّة آمنة النصيري من العمق القبلي الموبوء بثقافة البندقية، لكنها تفلتت من أغلاله بعد نضال من أجل إكمال تعليمها، وقد تأتَّى لها ذلك ونجحت في تحصيلها العلمي الأولي، لكنها لم تكتفِ به فحسب بل استطاعت إكمال دراساتها العليا حتى حصلت على الماجستير في العام 1994م، والدكتوراه في العام 2001م من «أكاديمية الدولة للفنون» (سوريكوف) بموسكو. وأثناء ذلك احترفت الرسم والكتابة والنقد، وأصبحت من أهم أعلام «علم الجمال» في اليمن، ومن أهم الفنانين التشكيليين، ليس على الصعيد المحلي فحسب بل تجاوزت شهرتها المحلي وأصبحت من أهم أعلام الفن التشكيلي في العالم.
ولدت الفنانة والأكاديمية اليمنية آمنة النصيري في مدينة رداع التابعة لمحافظة البيضاء في العام 1970م، لأسرة قبلية تصفها الدكتور آمنه بـ«الأسرة المثقفة»، لكنها كانت في محيط يؤمن بالبندقية أكثر من إيمانه بالعلم والمساواة بين الذكر والأنثى، بحكم العادات والتقاليد المهيمنة، وهي العادات والتقاليد التي تكبل المجتمع والمرأة في اليمن عموماً.

تلقت تعليمها الأولي في مدرسة القرية، ثم سعى والدها إلى إنهاء تعليمها هي وأخواتها؛ بحكم أن المرأة في المحيط القبلي لا يمكن لها أن تتعلم أكثر من القراءة والكتابة، ثم تختفي عن الأنظار بحكم الأعراف القبلية التي تجرِّمُ تعليم الفتاة وتعده عيباً يرتقي إلى مصاف «التابوهات»… غير أن لديها أُمًّا مثقفة كانت تقرأ في مجالات متعددة، برغم تعليمها الأولي، وهي الأم التي لم تسمح بإيقاف تعليمها هي وأخواتها ووقفت –كما تؤكد ذلك النصيري لـ«لعربي»- في وجه الأب من أجل أن تستمر بناتها في التحصيل العلمي، فقدمت دعوى قضائية ضد الأب بهذا الشأن لكنها لم تكسبها، فقررت مع ابنها الأكبر أن تتواصل مع ابنها الآخر الذي كان يتلقى تعليمه في مصر، ففرت بمعيتهن إلى الإسكندرية وهناك أكملت النصيري مع شقيقاتها تعليمهن الإعدادي، ثم عُدن إلى صنعاء وهناك أكملن المرحلة الثانوية، وقد استطاعت آمنة بعد ذلك أن تكمل دراساتها العليا وتصبح من ألمع اليمنيين في تخصصها.

لوحة «الصراع»
كانت صاحبة لوحة «الصراع» التي أنجزتها في العام 1999م، قد خاضت صراعاً طويلاً مع الواقع الذكوري والوعي الثقافي القبلي وراهنت على مستقبلها، فكان لها أن تحقق ماراهنت عليه؛ مستقبلا مشرقا حافلا بالإنجازات الفنية والعلمية.
وتعد النصيري، وهي أستاذة «علم الجمال» في قسم الفلسفة بجامعة صنعاء، من أهم من يحترفون اللون إنتاجا ودراسة، فلوحاتها تعبر عن قضايا وهموم الإنسان وواقعه، فلا تخلو لوحة من التعبير عن قضية أو محاولة إيصال مضمون ما إلى المتلقي بغرض إقناعه بتقبل فكرة معينة أو التخلي عنها، كفكرة الصراع، وفكرة القمع الذكوري، وفكرة الديكتاتورية بأنواعها المتعددة. كما أن لها مجموعة من الدراسات حول الفن منشورة في مجلات وصحف عربية ومحلية متعددة ولها ثلاثة كتب في الشأن ذاته.

معرض «حضارات»

تجسد في لوحاتها كل ذلك انطلاقاً من فلسفتها الفطرية أولاً، ومما اكتسبته طيلة تعليمها من نظريات وخبرات علمية على يد نخبة من أشهر الأكاديميين في موسكو والوطن العربي، وتجمع كل ذلك مع ما اكتسبته من معارف أنتجها احتكاكها بالواقع والواقع القبلي تحديداً. وتجسد لوحاتها الصراع المرير الذي تقوم به المرأة ضد التحيز الذكوري والقمع الأبوي، فغالباً ما نجد فيها طيورا تحلق بأشكال متعاكسة دلالة على الصراع والصراع المضاد، أو نساء محجوبات الهوية مغطاة من الرأس حتى أخمص القدمين، دلالة على عنفوان القمع، أو كائنات غير واضحة المعالم أو ما يشبه امرأة في قفص جنباً إلى جنب مع بعض العصافير، وعصافير أخرى خارج القفص ويحيط بهم الفراغ المتسع، دلالة على الضياع والتغييب… إلخ.
والفنانة التي تعلمت في بدايات حياتها كيفية التعامل مع البندقية بإيعاز من أقاربها، في ما يعرف قبليا بالـ«النَّصَعِ/القنص»، أسست بعد عودتها من موسكو في العام 2009م مؤسسة ومرسماً أسمته «كون»، لتنمية الذائقة والثقافة البصرية، وأقامت فيه فعاليات متعددة، وكان المرسم يستقبل الزوار كل خميس في يوم مفتوح، وهي حاولت من خلال هذا المرسم أن تثبت أن الفنان حالة تتجاوز بؤس الراهن وحصار الواقع الذي لا يؤمن بالفن أو يقيم له وزناً، واستمرت فيه حتى نشوب حرب 2015م، وقد أغلقته من حينها.

وفي مرسمها هذا، أنتجت أهم لوحاتها التي عرضتها في معارض متعددة كمعرض «حضارات»، وهو أول معرض مفاهيمي في الساحة الفنية المحلية، وقد أقامته في المركز الثقافي الفرنسي، في العام 2010، وفي العام 2013 أقامت معرض «رؤية من الداخل» في صنعاء ثم في تعز في العام 2014م.
وكائنة اللون المصفى (آمنة النصيري) اشتركت في 16 عشر معرضاً شخصياً، وشاركت في عشرات المعارض في ألمانيا واليمن وهولندا وروسيا ودول أخرى، عرضت فيها تجاربها الفنية المتعددة التي تعود إلى مراحل متباينة وفلسفات متعددة. وشاركت في عدد من الندوات وورش العمل دولياً ومحلياً، كما أنها قد اشتركت في تحكيم عدد من الجوائز العربية.
إنها في مجمل القول فنانة على وعي بفنها وقضاياه المطروحة، وعلى وعي كبير بمدارس الفن التي تتمثلها في نتاجاتها، لا تتعاطى اللون بمعزل عن القضايا والهموم المعاشة، ولا تركز على الهموم المعاشة بمعزل عن الفن، إنها تجسد عالماً متفرداً في غاية الانسجام والشعرية.

“العربي”

Share

التصنيفات: ثقافــة

Share