Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

الحُب والمرأة الكاتبة في الزمن اليمني

شوقية عروق منصور  *

أن تسكت أصوات المدافع ، وتتوقف الطائرات عن القصف ، وتتحول الأرض اليمنية الى هجرة نحو الحرف والكلمة تلك هي المعجزة في هذا الزمن المخيف.

أن تتسكع الجثث اليمنية التي احترقت وتمزقت وتشوهت على ضفاف الحقد السعودي والتحالف العربي الدنس ، وتنام تحت التراب الذي تكوم على شكل مقابر سريعة ، تنتظر المزيد من لهب الجحيم ، لكن من بين اللهب يهرب الموت الى الورق ، يقيم فوق خيام الحب ممزقاً أشباح الاحتراق معلناً أن «لا غالب إلا الحب » على رأي الشاعر الدمشقي نزار قباني .

في الزمن اليمني الذي يهدينا يومياً أخبار القتل و الردم والهدم وبراكين الدم وزلازل الخوف ، هناك بعض الفرح ، ليس رشوة ، بل الإصرار أن اليمن مهرة الحرية ، وأن الأدب اليمني الذي هناك من أطلق عليه « أدب القات » ينتصر الآن للوجود الإنساني ، لظلال البراءة الأولى .

الشاعر اليمني الشاب « محمد الضبع » مرادف الآن للتحليق فوق الجراح ، يتحدى الأنياب الحادة التي تمزق الجسد اليمني ، يتحدى تكسير عظام الوجود ، بنسج الحكايات الجديدة عن الحب ، لا نعرف كيف يخرج الشاعر محمد الضبع ، من جنون الحرب والألم الى عبير الحب عبر التاريخ الحديث ، كيف يحتجز عصافير الحب ويطلقها فجأة في سماء الأدب في ظل فخاخ الحرب ، وأتساءل كيف يطير العصفور والرصاص يطرز الفضاء / والطائرات تقتحم الحزن ، لينتحب الهواء ، وبعد ذلك يصبح كل شيء رماداً .. رماداً .

فتشــت عن حياة الشـاعر الشــاب  محمد الضبع  فلم أجد سوى أنه أصــدر عام 2012 « صياد الظل » وهو الديوان الشعري الوحيد له .

في كتابه  معطف فوق سرير العالم  يسجل أهم رسائل الحب عبر التاريخ القديم والحديث ، وأيضاً عبارات الحب التي كتبها السياسيون والأدباء والشعراء والفلاسفة ، وأشهر القصائد التي كُتبت عن الحب .

لقد اختار الشاعر  محمد الضبع  هذه النماذج من المدونات الالكترونية ، وقام بترجمتها بأسلوب راق ، يغلب عليه الإحساس بالمسؤولية وعشق الكلمة النزيهة التي تفتش عن مأوى في هذا الزمن الصعب .

غير المألوف في كتاب  محمد الضبع  هو الفصل الخاص بالمرأة الكاتبة ، والذي يدل على القيمة الكبرى التي يوليها هذا الشاعر الشاب للمرأة التي قررت أن تحمل الكلمة على كاهلها ، وتخرج بها الى العلن ، ويكون عنوانها الكتابة .

تحت عنوان ( أخرج في موعد مع فتاة تحب الكتابة ) تنهار نظريات الكيمياء الاجتماعية التي تضع المرأة الكاتبة في خانة الحذر والخوف وعدم الإخلاص والتنقل والسقوط في الخطيئة والترفع والعيش على الاستهتار ، لأن ميدان الكتابة خاص بالرجال ، والمرأة التي تقتحم الكتابة لا تنعم بالاستقرار ، بل عليها أن تبقى في حالات مخاض الرفض ، وأي بريق قد ينتشلها من بيتها وأسرتها وأولادها .

عكس النظرية ، الشاعر  محمد الضبع يحرض الرجل على الاهتمام بالمرأة الكاتبة ، وعلى الرجل أن يفضلها على غيرها ، لأن المرأة الكاتبة مميزة ، ليست امرأة عادية ، فيها الحنان ومحاطة بتصرفات وسلوكيات تمجد تفاصيل دقات قلب الابداع .

( ابحث عن فتاة تحب الكتابة ، ستكتشف أنها مرحة ، أنها متعاطفة وحنونة لدرجة بالغة ، ستحلم وتبتكر عوالم وأكواناً كاملة لأجلك ، هي التي ينحني الظل أسفل عينيها ، هي الفتاة ذات رائحة القهوة والكوكاكولا وشاي الياسمين الأخضر ، هل رأيتها وظهرها متقوس باتجاه مفكرتها الصغيرة .. ص 58 )

بل يندفع  محمد الضبع  ويدعو للزواج من امرأة كاتبة ، لذلك هناك عدة أسباب ، حسب رأيه ( إذا وجدت فتاة تحب الكتابة ، فحاول إبقاءها بالقرب منك إذا وجدتها مستيقظة عند الثانية صباحاً تكتب بشراسة ، الفتاة التي تحب الكتابة ستحكي لأطفالك قصصاً بالغة الجمال والسحر ، لأن هذا هو أجمل ما تملكه ، لديها خيال ، ولديها الجرأة ، وسيكون هذا كافياً ـ سوف تنقذك في محيطات حلمها ، ستكون فارستك ، وستكون عالمك ، في انحناءة ابتسامتها ، في اللون البندقي لعينيها ، في الكلمات التي تنهمر منها كالسيل ، كالموجة ، ساحرة الى درجة تجعلك تخسر أنفاسك لصالحها ، تلك هي الفتاة التي تحب الكتابة .. ص 60 )

أظن أن الشاعر اليمني الشاب محمد الضبع  استطاع أن  يضبع  المجتمع العربي الذي ما زالت الكاتبة تعيش فيه على حد الخوف والرفض والرقابة ورضى القبيلة ، ويقرعون طبول القتل والذبح واللوم حين تشعر القبيلة أن الكاتبة تخرج عن الخطوط التي رسمت ، فالكاتبة في المجتمعات العربية أشبه بدائرة النار التي يشعلونها في أفلام الغرب الأمريكي ، حيث يرقص الهندي حولها .

حين يكتب الشاعر اليمني محمد الضبع عن المرأة الكاتبة ، يخون الفكرة السائدة التي كتبها عشرات الكتاب والنقاد العرب الذين استخفوا بالمرأة وأفكارها وكتاباتها ، بل هو يدعو الرجل العربي الى اختراق عالمها والعيش معها ، لأنها امرأة مميزة .

حقاً فوجئت بالموضوع الذي طرحه ( أخرج في موعد مع فتاة تحب الكتابة ) لأنه يمشي ضد التيار السائد ، التيار الذي يعلن أن الكتاب قد مات ، وأن لا أحد يقرأ . وأيضاً أن المرأة مجرد جسد جميل يسعى لتجميله أكثر وأكثر أطباء التجميل .

الشاعر محمد الضبع يتسلل الى الصفحات البيضاء ، لا يرتكب حماقة الحب في الزمن الوحشي ، بل بكتابه هذا ينقذ العالم من وحشيته ، وينقذ المرأة الكاتبة من احساسها بأنها ترتكب الخطأ وعليها إرضاء العائلة والزوج والمجتمع .

*كاتبة فلسطينية

Share

التصنيفات: ثقافــة

Share