Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

أحمد المالكي : في وداع والدتي الغالية

صبيحة يوم السابع والعشرين من مارس الماضي 2017م كنت أنا والموت في سباق باتجاه والدتي لكن الدقائق لم تسعفن لأشهد آخر لحظات حياتها وهي تودع الحياة الدنيا وكان الموت أسرع  مني ليأخذ روحها الطيبة الطاهرة لترتقي إلى سماء بارئها بنفس راضية مرضية ورحمة أبدية في جنة الرحمن السرمدية بإذنه وحوله وطوله جل في علاه، أيتها الحبيبة الغالية يا أمي سامحيني تأخرت عليكِ لأني لم أكن أتوقع أنك ستموتين وتغادرينا إلى الأبد، سامحيني يا أمي تأخرت عليكِ لأني ذهبت إلى السوق لاشتري لك بعض المعلبات مثل كل مرة ولم أكن أتوقع أن الأجل سيحول بينك وبين تناول معلباتي في المرة الأخيرة، سامحيني يا أمي لم أتمكن من الوصول في لحظاتك الأخيرة لأحقق لك رغبتك في رؤيتي سامحيني فقد ابلغوني متأخرين يا أمي.. سامحيني تأخرت لأن الاتصال بي كان متأخراً ما بين الثامنة والتاسعة من صباح ذلك اليوم الحزين سامحيني لأنهم لم يلبوا رغبتك بإبلاغي للخروج إليك منذ عصر اليوم الأول لوفاتك، سامحيني فقد حال القدر بيننا ولم يتمكن كلينا من وداع الآخر في دقائقك الأخيرة، أمي الغالية أبلغوني  أنكِ رفضتي الانتقال من غرفتك الداخلية إلى «الديوان» المجلس إلا بعد أن أخبروكِ بأني في الطريق قادم اليكِ فخرجتي لاستقبالي، وكانت آخر الخطوات على قدميك من أجلي لكن الموت كان قد سبقني اليكِ ينتظرك هناك لتستقبليه بدلاً عني بنفس مؤمنة موحدة مشهدة مهللة مكبرة ومثبتة بالقول الثابت في الدنيا والآخرة بإذن الله تعالى.. فسامحيني تأخرت في الوصول قبل موتك يا أمي بدقائق ولا أدري أيتها الغالية هل كنتِ راضية عني يا أمي الحبيبة كنت أتمنى أن أصل إليكِ لأرى الرضا عني في عينيك الجميلتين وثغرك الباسم الطاهر الجميل لكني تأخرت.. أمي أعلم أنكِ كنتي تشتاقين لرؤيتي قبل  موتك وأنا كذلك أيتها الغالية.. فهل أنتِ راضية عني، كنت في الطريق قادماً إليك يا أمي مسرعاً لأسمع ردك كالعادة «الله يرضى عليك مثل ما قلبي راضي عليك» عندما كنت اسألك هل أنتِ راضية عني؟.. أمي أخبرني أخي محمد وأخواتي الحبيبات بأنك ذهبتي وأنتِ راضية عنا جميعاً ابناؤك الستة ذكوراً وإناثاً تدعون الله بالخير والرضا للجميع، وأنهم كانوا يحسدونني وزوجتي عندما تميّزينا بالدعاء والثناء أكثر، فيا ليت شعري هل أنتِ كذلك وهل ذهبتي وأنتِ راضية عنا وما هو حالنا عند ربنا فهل يغفر لنا ذنوبنا في كل تقصير أو ذنب أو فعل أو قول أو خطأ في حقك بدر منا وهل ربنا يتقبل ويكتب في طاعتك عملنا القليل وأجرنا الثقيل.. نسأله كذلك ربنا جل في علاه.

.. أمي يا فطمتي الغالية شعرت بالإحراج عندما سمعتك في آخر حوار بيننا وأنت تطلبين مني وزوجتي المسامحة عند مغادرتك منزلي في صنعاء إلى القرية قبل عدة أيام من وفاتك فقلت لك حينها يا أمي بل سامحينا أنتي لأننا لم نتعب كما يجب في رعايتك وتمريضك والعناية بكِ فنحن مقصرون بالفعل ولن نستطيع أن نفيكِ حقكِ مهما عملنا ومهما بذلنا فسامحينا أنتِ رجاءً يا أمي الحبيبة.

أمي أيتها الفاطمة العظيمة بماذا أرثيك أو اندبك وماذا أكتب من كلمات في نعيك أيتها السيدة الفاضلة المكافحة ستجف الأقلام والمداد ولن تكفي أوراق ومجلدات الدنيا كلها للتعبير عما يجيش في خاطري نحوك أيتها الغالية فأعذريني وسامحيني حاولت أن استجمع أجمل الكلمات  والعبارات القوية من قاموسي وذاكرتي اللغوية المتواضعة لأكتب لك قصيدة أو مرثية إبداعية متميزة تليق بعظمتك وقدرك العالي جداً جداً في نفسي يا أمي لكني أعجز الآن فاعذريني يا أمي  لأن مسيرة حياتك لا يمكن سردها في هذا المقال ولن تكفي صحف بل كتب الأرض كلها لتناولها فماذا أتذكر يا أمي هل أتذكر عندما كنت طفلاً رضيعاً في أول لحظات  أدراكي حين كنت استيقظ في جوف الليل وأنتِ راكعة مضيئة كالملائكة بثوب صلاتك الأبيض تناجين ربك وقت السحر أم أتذكر خطواتك منذ الفجر في درجات المنزل وأنتِ تهرعين إلى الدهليز بالأسفل لحلب وإطعام بقرتك البيضاء السمينة، أم اتذكر صلصلة أواني المطبخ وأنتِ تعدين فطور الصباح منذ الفجر وهل أنذكر عودتك من مزارعنا بالوادي وأنتي تحملين الأعلاف بحمولات «الجمال» أم أتذكرك وأنتِ تستعجلين جمع الوقود والحطب من الحوايا لإنجاز وجبة الغداء أم أتذكرك وأنتِ تقدحين الماء من «بيرعم» وتجهدين نفسك لتوفير الماء قبل مغرب كل يوم، هل اتذكرك وانتِ تحملين المجرفة وتسوقين الماء في الساقية الترابية بطول أكثر من كيلو متر لتسقين مزارع العنب نيابة عن والدي الغائب الذي هو الآخر كان يكدح من أجلنا، هل أتذكر جبروت صوتك عندما تغضبين وتصرخين  الكل يخافكِ ويسكت ولا كلام في حضرتك، هل أتذكر دموعك حين تبكين وحين تحزنين أم أتذكر ضحكتك وابتسامتك الجميلة حين تفرحين وتسعدين من أجلنا وهل أتذكر صوتك الجميل وأنتِ ترددين المهاجل بالوادي في مواسم الزراعة أم أتذكر غناءك البديع وانتِ تطحنين أو تطبخين أو تعملين في المنزل هل أتذكر جراحاتك وآلامك أم أتذكر انينك وانتِ تكابدين  مرض السرطان الذي ابتليتي به لأكثر من سنتين آخر أيام حياتك وكان سبباً في وفاتك، ماذا سأتذكر أو ماذا  يا أمي فلن تتسع الدنيا كلها لذكر جزء فقط من مسيرة حياتك الطويلة التي دامت لأكثر من تسعين عاماً من الكفاح والصبر والتحمل والعناء من أجل تربيتنا وتعليمنا وتدبير شؤون حياتنا.. أمي الحبيبة مرة أخرى سامحينا لأننا لم نتمكن من علاجك وانهاء آلامك ومعاناتك واسأل الله أن يغفر لنا ذنوبنا وتقصيرنا في حقك وأن يكرم نزلك ويجعل قبرك روضة من رياض الجنة وأن يتغمدك بواسع المغفرة والرحمة إنه قريب سميعٌ مجيب «يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فأدخلي في عبادي وادخلي جنتي» صدق الله العظيم..

Share

التصنيفات: أقــلام

Share