Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

الشريحة التي كان منها البوعزيزي

الشريحة التي كان منها البوعزيزي
تريد أن تحيا بكرامة وتْعاقب بالقانون لا بهراوات البلدية!
< من وسط الزحام البشري أمام رئاسة الوزراء ومن بين جماعات المعتصمين المطالبين بحقوقهم المختلفة تلمح هناك بعيداٍ حشداٍ من البشر يقفون على استحياء لا يلتفت إليهم أحد لا يرددون شعارات وليس لديهم لافتات عدا ورقة كرتونية كتب عليها «نريد أن نحيا بكرامة وأن نعاقب بالقانون» وما تكاد تلبث قليلاٍ حتى تعرف أنهم الباعة المتجولون في شوارع أمانة العاصمة وأن لهم مطالب وحقوقاٍ تلك الشريحة التي خرج منها الثائر التونسي البوعزيزي الذي أشعل فتيل الثورات العربية .
« الوحدة « تسأل عن حالهم وعن ما يتعرضون له من بحث عن الأسواق وسوء معاملة وتعسفات .
تحقيق / أحمد السعيدي
ضحايا البطالة
بلادْنا الغنية بالثروات تظل مليئة بالبطالة والعاطلين عن العمل يبحث الشاب فيها عن مصدر للرزق فلا يجد حينها يتذكر دينه الإسلامي الذي يحثه على السعي في كسب الرزق الحلال ويذم السرقة وسؤال الآخرين عندها يرضى بالواقع ورغم أن لديه مؤهلاٍ علمياٍ وأحياناٍ جامعياٍ يقرر أن يمارس العمل التقليدي البسيط كعامل في محل أو بسطة أو عربية أو سائق تاكسي أو دراجة نارية .
وبعد كل ذلك تأتي الهموم والمصاعب لتزورهم وتمكث لديهم وتعيش معهم تفاصيل المثل المصري الشهير « رضينا بالهم والهم مش راضي بينا «
هذه الشريحة بعد أن ارتضوا بالقدر واقتنعوا بما كتبه الله لهم من أجل العيش فقط يأتي بعد ذلك من ينتقصهم ويظلمهم وباسم الدولة والقانون ويصادر حرياتهم ويجرح كرامتهم ويعتدي عليهم ويطادرهم في الأزقة والحارات.
الباعة المتجولون ( أصحاب البسطات والعربيات ) هم إخواننا وأبناؤنا وآباؤنا من يفترشون الأرض ويلتحفون السماء الكادحون بحثناٍ عن الغذاء والدواء من قسا عليهم الزمن مرة وظلمتهم الدولة مرتين الأولى عندما أجبرتهم على العمل في هذه الشريحة والثانية عندما تطاردهم في الطرقات أسوةٍ بالمجرمين والإرهابيين لا لذنب اقترفوه إلا أنهم أرادوا أن يعيشوا بعيداٍ عن الحرام وسؤال غيرهم هؤلاء هم المجني عليهم .
حقيقة أني لم أقرر أن اكتب تحقيقاٍ عن هذه القضية إلا بعد أن رأيت وسمعت عن نماذج تتحرك لهولها المشاعر والجوارح .
ضرب وإهانة
كان قد أخبرني « مازن « أن احضر إلى ذلك المكان الذي التقينا فيه يوم الاثنين الساعة 11 ظهراٍ حتى أتأكد بنفسي وفعلاٍ ذهبت وما أن لبثت قليلاٍ حتى رأيت ذلك ( الطقم ) الذي يحمل مدنيين بهراوات فكان قدومهم صافرة الإنذار لأصحاب البسطات فتراهم يجمعون أمتعتهم في عجلة متناسين ما لم يستطيعوا حمله ويهربون يميناٍ ويساراٍ وكأنهم إرهابيون مطلوبون أمنياٍ وفي ذلك الوقت لم يستطع أحدهم الهرب فأمسكوا به وعندما رفض الصعود إلى « الطقم « انهالوا عليه بالهراوات حتى أصعدوه مع بضاعته غصباٍ .
وجدت أحد هؤلاء البساطين الذين كنت أعرفهم يسأل الناس ( يتسول ) بعد أن كانت لديه بسطة يقتات منها أهله فجاء هؤلاء رجال القانون وصادروا تلك البسطة .
وآخر كان بيع العطور صادروا بسطته وبعد دفع الغرامة أعادوها وقد صادروا منها أجمل وأغلى العطور .
وقد عرض علي أحد ( المتهبشين ) باسم القانون أن يبيع لي «دبة» من العسل بسعر زهيد معترفاٍ بأنه صادرها من أحد البساطين .
حرق وكسب غير مشروع
أما الأخ وليد القدسي فكانت له بسطة في محافظة تعز وبعد أن قبضوا عليه وصفهم بـ (الهلافيت) فانتقموا منه وأحرقوا بسطته أمام عينيه حتى لم يبق فيها شيء .
وتشاهد أشكال أولئك الذين يطبقون القانون لا يظهر عليهم فالقانون بريء منهم يحدثني أحدهم أن الأجر الزهيد الذي يتقاضاه لا يكفي لشيء لكنه يعود يومياٍ بمبالغ وأشياء ثمينة عندما يبتز البساطين وقال لي أيضاٍ أن مسئولهم يقول لهم ( دبروا حالكم ) فهو يأذن لهم بممارسة الانحطاط الأخلاقي مع هؤلاء المساكين..
واجبات وحقوق 
أما الجاني هذه المرة فهو ليس فاراٍ من وجه العدالة ولا مطلوباٍ أمنياٍ يجب القبض عليه قهرياٍ إنه الذي يتكلم باسم القانون ويرفع شعار العدالة وإرجاع الحقوق والقصاص من الظالم للمظلوم .
لكنه اليوم باسم العدالة وحرية الصحافة مطلوب للتحقيق في كل ما سيدار في السطور القادمة.
هم «قطاع البلدية» يتبعون المديرية مباشرة يتلقون الأوامر من مدير المنطقة في المديرية ويحتوي قطاع البلدية على ثلاث جهات مستقلة الأولى  (المرافق) وهم المسؤولون عن الباعة المتجولين في الشوارع الرئيسية والثاني (الرخص ) وهم المسؤولون عن التفتيش عن رخص البناء والحفر والثالث ( المنشآت والمباني ) وهم المسؤولون عن أصحاب المحلات والشقق المؤجرة وحديثنا يتركز هنا عن « المرافق « وأما واجباتهم فهي المرور في شوارع المديرية وجمع أكبر عدد ممكن من البساطين وأصحاب العربيات وإحضارهم إلى الإدارة استخدام كل الوسائل غير المشروعة من ضرب وإهانة ومصادرة وحرق يحملون معهم « الهراوات « إضافة إلى سلاح آلي واحد مع أحدهم يداومون من الثامنة صباحاٍ وحتى الثامنة مساءٍ ولكن أكثرهم ينصرف ظهراٍ باستثناء الذين يبحثون عن إضافي وأما حقوقهم فهي راتب شهري يتراوح ما بين خمسة عشر ألف ريال و ثلاثين ألفاٍ وأجر يومي يتمثل في حصول الواحد منهم على نسبة ألف ريال على كل بسطة يحضرونها كون صاحب تلك البسطة يدفع غرامة مالية وأما صفاتهم الشخصية فلا يحملون أي مؤهلات علمية عدا مؤهلات حمى المشاكل ومرض السب والشتم .
وقفة احتجاجية
عندما رأيت تلك الوقفة الاحتجاجية قررت أن أكتب عنهم وأن أوصل رسالتهم إلى الجهات المختصة كون الإعلام هناك لم يركز عليهم وانشغل بمطالب حقوقية أهم وعندما عدت اليوم التالي لأسمع منهم فوجئت باختفائهم وخلو ساحة المطالبات منهم وعندما سألت عنهم أخبروني أنهم رحلوا وأنهم جلسوا ثلاثة أيام فقط بعدها فقدوا الأمل ثم رحلت اتلمس وجودهم في طريق أمر منه وأخيراٍ وجدت أحد أصحاب تلك الوقفة وسألته عن المطالب كوني لم اتخيل أن تكون لهم مطالب فأجاب وهو الأخ مازن الريمي عن سؤالي بمطلبين هما إنشاء أسواق تحتويهم وتوزيعهم في الأسواق الموجودة وهذا أولاٍ وأما المطلب الثاني فهو قانون يحمي كرامتهم إذا أخطأوا مع اعترافهم بالخطأ قانون يحميهم من التعسف والإهانة والضرب والنهب والمصادرة .
اشتباكات مسلحة
لعلكم جميعاٍ سمعتم بالاشتباكات النارية التي حدثت في شهر رمضان بين باعة متجولين وأفراد من الأمن المركزي في منطقة « باب اليمن « وسألت عن تلك الحادثة فأخبرني أحد الشهود الذين كانوا حاضرين أنها لم تكن اشتباكات بالمعنى الحقيقي وأنها حادثة عادية فقد جاءت تلك المليشيات واعتدت على أحد الباعة وقام أحدهم بتوجيه « صفعة « لذلك البساط مما اضطره إلى احضار سلاحه واستدعاء أخيه وقام بإطلاق النار في الجو فاستعانت تلك المجموعة بالأمن المركزي الذين حضروا وأطلقوا النار في الهواء لتفريق الجموع ثم اعتقلوا ذلك الشخص وأودعوه في السجن ولا يزال هناك إلى يومنا هذا .
الحقوق والحريات والقانون
وعن هذا القانون سألنا الأستاذ حسن العماد الخبير في الشئون القانونية ونائب رئيس منظمة حقوقية فقال « تطبيق القانون من واجبات الدولة الحتمية ولكن اختيار رجل القانون المناسب وتوعيته من الأمور المهمة التي تفرض هيبة القانون واحترام الناس له فالشيء الأول المطلوب هو توحيد زي مناسب لموظفي البلدية حتى يميزهم الناظر عن غيرهم وثانياٍ تحديد عقوبة مناسبة ومخففة على المخالفين من الباعة وتخفيف الغرامة المالية الباهظة التي تفرض عليهم .
ودعا العماد في نهاية حديثه أصحاب البسطات الذين يتعرضون للظلم إلى رفع دعوى قضائية إلى النائب العام فالديمقراطية صارت حاضرة والحقوق والحريات تسير بالاتجاه الأفضل .
شريحة الربيع العربي
لا ننسى أبداٍ بأن الثائر الأول التونسي البو عزيزي رمز ثوارت الربيع العربي كان يعمل في هذه الشريحة فكان من الباعة المتجولين قبل أن يتعرض للظلم والتعسف من امرأة من الأمن التونسي فقام بإحراق نفسه أمام الملأ لتخرج الشعوب بعدها وتحرق عروش الطغاة الظالمين .
قد نستفيد من ذلك درسين مهمين :
الأول : أن لا نغفل عن تلك الشريحة المهمة وأن نشعر بما يعانونه ونقف معهم لرفع الظلم عنهم .
الثاني : أن نكون على يقين من أنهم رغم معاناتهم وواقع معيشتهم إلا أنهم مثل أي إنسان لهم مشاعر ولا يرضون بالظلم والقهر والتعسف..>

Share

التصنيفات: تحقيقات

Share