Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

التحولات الديمقراطية لم تفض إلى تحول سياسي مجتمعي حقيقي.. طغيان السياسي على الاجتماعي عزز من سيطرة القوى المضادة للديمقراطية والحداثة

تب / المحـــــــــــرر:
 فكرة التعددية الحزبية من أكثر المفاهيم التي تعرضت للتشويه والتنفير في الحياة السياسية العربية عموماٍ باعتبارها أداة تمزيق وتناحر في حين أنها أداة استقرار وتوافق سياسي واجتماعي وأشارت دراسة حديثة حول «واقع التحول الديمقراطي في اليمن» أعدتها مؤسسة تمكين للتنمية إلى أن عملية التحول الديمقراطي نحو نظام التعددية السياسية والحزبية حدثت لأول مرة في تاريخ اليمن عام 1990م وذلك بالتزامن مع إعادة تحقيق الوحدة اليمنية وعلى انقاض نظامين سياسيين شموليين في شطري الوطن وقيام نظام سياسي ديمقراطي ليبرالي تعددي وقد ترتب على هذا التحول السياسي الفجائي حدوث تحولات هامة في الواقع المجتمعي في الوقت الذي لم تكن النظم السياسية الشطرية السابقة قد عملت على تهيئة هذا الواقع بنيويا وتنمويا حيث أدى التحول الليبرالي إلى انتهاج سياسات اقتصادية واجتماعية مواكبة لحرية السوق أو ما يعرف بالحرية الاقتصادية أدت إلى تخلي الدولة عن الكثير من وظائفها السابقة ما أدى إلى تدهور الوضع المعيشي للكثير من المواطنين وبالتالي انقراض ما يسمى بالطبقة الوسطى التي تشكل الحامل الاجتماعي للديمقراطية ومن ثم اتسعت الهوة بين الشرائح الفقيرة والغنية ما أدى إلى انعدام تكافؤ الفرص السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ونظراٍ لهذا الخلل البنيوي لم تتجذر الديمقراطية في العمق المجتمعي فكرا وممارسة إذ انشغلت النخب السياسية بالصراع على السلطة دون النفاذ إلى جوهر الديمقراطية ما أدى إلى طغيان ما هو سياسي على ما هو اجتماعي بل وحتى ثقافي الأمر الذي عزز من سيطرة بعض مراكز القوى المضادة للديمقراطية والحداثة على الديمقراطية حتى في ظل التوجهات المعلنة وقد شكل ذلك كابحاٍ سياسياٍ لحركية المجتمع وتطلعه نحو نظام ديمقراطي حديث يحقق له حياة حرة وكريمةº ولم تعد التعددية السياسية متغيراٍ مستقلاٍ يؤثر إيجابا في الواقع المجتمعي كما هو مفترض وكما هي وظيفة الديمقراطية في بداية التحول إذ تضطلع النخب السياسية والثقافية برسم خطط واستراتيجيات التطور ليتولى المجتمع بعد ذلك تنفيذها بل أصبحت التعددية السياسية متغيراٍ تابعاٍ للواقع المجتمعي تتأثر به سلباٍº ويمكن قياس ذلك بضعف حركية الأحزاب والمؤسسات السياسية في الواقع المجتمعي باعتبارها أدوات التنمية السياسية ماجعل التعددية الحزبية بمفهومها الحقيقي تبدو مبتورة الصلة بالواقع ولم يتمكن المواطن من التفاعل الايجابي بإدماج فكرة التعددية الحزبية والتي تعد من أكثر المفاهيم التي تعرضت للتشويه والتنفير في الحياة السياسية العربية عموماٍ باعتبارها أداة تمزيق وتناحر في حين أنها أداة استقرار وتوافق سياسي واجتماعيº وبعكس هذه الوظيفة التاريخية والحيوية للتعددية الحزبية بمعناها الحداثي وضعت تشريعات وطنية تحرم الحزبية وتجرم ممارسيها ولذلك ترسخ الخوف  في الذاكرة الشعبية من العمل السياسي الحزبي وظلت تبعات ذلك قائمة في مرحلة ما بعد التحول الديمقراطي كما لو أن الانتماء الحزبي تهمة وليس حقاٍ ما يعكس وجود واستقرار ثقافة شمولية تقوم على أساس من ليس معي فهو ضديº يأتي ذلك أيضا في ظل ترسخ ثقافة سياسية تقليدية ماضوية أدت إلى إعادة إنتاج تراتبية سياسية على غرار التراتبية الاجتماعية التقليدية القائمة على المكانة الاجتماعية والولاء بدلاٍ من الكفاءة وحق الانتماء «المواطنة المتساوية» مما أدى إلى استمرار سيطرة نخب سياسية / تقليدية في معظمها ذات خلفيات ومنابع اجتماعية معينة وبمستويات ثقافية متواضعةº عملت هذه النخب على تدعيم قوى وشخصيات متوافقة معها في التوجهات والمصالح وعلى كافة المستويات الرسمية والحزبية ما يعني إقصاء النخب الحديثة «الانتلجنسيا» والتي يمكن قياسها أيضاٍ بحالة الإقصاء والتهميش لدور الشباب في الحياة السياسية والوظيفية والتعامل معهم كفئات ناخبة «تصويتية» ولم تتح لهم فرصة المشاركة السياسية الحقيقية أكان ذلك على صعيد الممارسة الديمقراطية الحزبية أو الوطنية وإن حدثت بعض التغييرات فما هي إلا في حدود التمثيل الرمزي أو الشكل دون مضمون فاعل الأمر الذي أدى بالشباب إلى الخروج من دائرة المتلقي السلبي وقد وجدوا في اندلاع موجة الاحتجاجات الشبابية متنفساٍ ديمقراطياٍ للتعبير عن ذاتهم ومطالبهم بآليات وأساليب ديمقراطية ما يعني أن مطلب التغــــيير الديمقراطي أكثر شمولية وعمقاٍ لدى الشباب من التغيير أو التحــــول الذي قادته النخب السياســـية منذ عام 1990م ولم يفض إلى تحــــول حقيـقي في الواقع السياسي والمجتمعي..
Share

التصنيفات: الشارع السياسي

Share