Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

أحمدية تعز والانعطاف الثوري

أحمدية تعز والانعطاف الثوري
طه عبدالصمد
< لا تكاد تناوله عن حركة الثورة اليمنية ومراحل النضال الوطني تخلو من الحديث عن الحضور الثوري البارز لمدينة تعز في معمعان النضال ودور أبنائها السباق والريادي في الاعتمالات والأحداث التي شهدتها منذ الإرهاصات الأولى وما أعقبتها من ممارسات ومواقف ووقائع أخذت تتطور وتتراكم ومن ثم تتحول إلى أحداث تصاعدت مجرياتها مفضية إلى قيام الثورة في الـ(26) من سبتمبر عام 1962م.
الفتيل الذي أشعل الثورة
وعند الإشارة إلى أدوار قطاعات الشعب وحضورها في العملية الثورية يقفز إلى الصدارة دور الشباب وبخاصة القطاع الطلابي وتبرز أكثر مظاهرات الطلاب بل أن الكثيرين أعتبروا اعتصام ومظاهرات طلاب المدرسة الأحمدية بتعز بمثابة الفتيل الذي أشعل شرارة الثورة فما هي حكاية المدرسة الأحمدية بتعز¿
تقول بعض المصادر أنها شيدت في أواخر الثلاثينيات وكانت واحدة من ثلاث مدارس موجودة في تعز حتى مطلع الستينيات هي: الأحمدية والفلاح والنجاح..
أي أن تشييدها يكاد يكون قريبا زمنياٍ من زمن «الأنة الأولى» الرسالة التي بعث بها الأستاذ أحمد محمد نعمان إلى سيف الإسلام الأمير أحمد يحيى حميد الدين ولي العهد عام 1937م يشرح فيها لسموه أسباب هجرة اليمنيين ويقدم في سياقها رؤى مستنيرة مبكرة لما تزل من حيث صيرورتها في الواقع حْلْماٍ ما انفكت المجريات تشي بالتشويه الذي صاحب السعي لتحقيقه
أحد مراكز التنوير
نعود إلى الأحمدية وقبل الخوض في تفاصيل عنها يمكن التأكيد على أنها كانت من أهم مراكز التنوير الموجودة على امتداد جغرافية اليمن بأشكال ومسميات ونطق شتى تضيق وتتسع بحسب ما تسمح به ظروف الزمان والمكان وتتواصل مع بعضها على الرغم  من طوق العزلة المضروب بين كل منطقة وأخرى وبالتالي بين كل مسمى نشاط نطاق وآخر.. يخدم ذلك أنشطة الحركة الوطنية وما يجد في حياة الناس من جديد نتيجة تلك الأنشطة وما يتناهى إلى مداركهم من صور يأتي بها المغتربون وما يحدث في المحيط العربي من وقائع جعلت للمد القومي العربي التحرري شأناٍ يهمهم كجزء من الأمة العربية..
سنلاحظ ذلك من خلال الوقوف على أحاديث الناس ومواقفهم ونلاحظه أكثر في بعض المراكز التنويرية كالأحمدية وهو ما فطن إليه الإمام أحمد ودفع به بعد قيام الجمهورية العربية المتحدة إلى الدخول في اتحاد معها أراد به ترويض الداخل وانعكس ذلك ايجابياٍ في مواقف وأحاديث الناس وفي أنشطتهم فإذا باليمنيين وطنياٍ وقوميا هاجس واحد.
حاضرة المد القومي
من شاهد من القراء الأعزاء فيلم «التقرير» لدريد لحام يجد مشهد اصطفاف قبل نهاية الفيلم يغني فيه المصطفون كلمات تقول:
يا تراب الوطن   ومقام الجدود
ها نحن جئنا    لما دعينا
         إلى الخلود
هذا النشيد كان يؤديه الطلاب في أحمدية وفلاح ونجاح تعز منذ نهاية الخمسينيات بلحن يمني ومن أناشيد أيام الاتحاد مع «العربية المتحدة»
اليوم نغني الحرية
نحن القومية العربية
في اليمن ومصر وسورية
واستمر الطلاب في التغني بالأناشيد الوطنية والقومية على الرغم من تحامل الإمام على الرئيس جمال عبدالناصر بعد مؤامرة انفصال سورية وهجائه لقرارات يوليو الاشتراكية ووصفها شعراٍ بأنها:
خدعة في شرعة الإسلام
بحجة التأميم والمعادلة
لكل ذي مال ومن لا مال له
واضطر عبدالناصر بعدها إلى القول: لا وحدة مع الإمام الشاعر.
غليان وحصار
 وبفعل نشاط القوى الوطنية على اختلاف فصائلها وعلى امتداد ساحة الوطن أخذ الغليان يتصاعد وأخذ التعبير عن رفض الواقع يتخذ أشكالاٍ نضالية شتى ووقائع تتوالى فتزيد الواقع اشتعالا وأخذ القطاع الطلابي يبرز الاعتمالات أكثر عبر المظاهرات والاعتصامات التي شهدتها صنعاء وتعز. وفيما كان الطلاب في صنعاء يحتشدون أمام طلائع منهم كانت تتناول الأوضاع بالنقد وكان البعض يؤججون حماس الطلاب كالطالب إسماعيل الكبسي بإلقاء قصائد للزبيري أمام جموع المتظاهرين كان الطلاب في أحمدية تعز أكثر اشتعالاٍ في اعتصامهم ما حدا بسلطات الإمام إلى فرض الحصار عليهم وهو ما أفشله المواطنون في المدينة حيث سارع التجار وأصحاب المخابز إلى إمداد المحاصرين بالطعام والنقود بطرق ووسائل شتى وبلغ الغيظ الإمامي ذروته بصدور الأوامر للجنود بقصف المدرسة وقمع المعتصمين وهو ما أبلغ الجنود النائب علي حمود الوشلي رحمه الله رفضهم تنفيذه وكان لحظتها خارجا للتو من المستودع الشرقي بعد أن توعد نجار المدينة بالويل والثبور وعظائم الأمور بعد ذلك رفع الحصار فخرج طلاب الأحمدية يدعون إلى الثورة في مسيرة حاشدة أنشدوا خلالها:     
في طريق النصر سيروا
                                          بنظام واتحاد
                       وعلى الأعداء ثوروا
                                         ثورة تمحو الفساد
                       وغدا يوم الظفر
ومرت الأيام بعد ذلك وأخذت الأوضاع في القطاع الطلابي تتجه نحو الهدوء وعاد الطلاب للدراسة وغلب على حياة الناس جميعهم هدوء من النوع الذي يسبق العاصفة..
موت الإمام
في الـ19 من سبتمبر 62 تناقل الناس نبأ وفاة الإمام أحمد يحيى حميد الدين وأخذت إذاعة صنعاء نذيع برقيات التعازي المرسلة إلى ولي العهد محمد البدر – محمد أحمد يحيى حميد الدين ونقل جثمان الإمام أحمد بسيارة في موكب إلى مطار تعز أيامها وهو مطار ترابي وهناك اصطف جنود نظاميون محدودو العدد لا يكادون يبلغون سرية لتحية الجثمان ومن ثم نقل إلى الطائرة التي توجهت إلى صنعاء حيث تمت عملية الدفن.
وفيما كان الكثيرون متفائلين بالإمام البدر ويتوقعون أن يشهد عهده اصلاحات جاء خطابه الموجه إلى «شعبه العزيز» صادماٍ لعامة الناس خاصة ما ورد فيه من تأكيد البدر استمراره في اتباع سياسة والده وما تضمنه من وعيد للمعارضة وتهديد بالقتل لمن يخرج عن الطاعة توسيطا أي بالذبح من الوسط بدلا من قطع الرأس.. وما كادت أيام تنقضي في أجواء ملبدة حتى اتقشعت الغيوم صبيحة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م.
إشراقات الثورة
كيف استقبل الناس الحدث¿
اشتعل الشارع هذه المرة فرحا واستبشارا بالحدث كان البعض على الرغم من توجسهم وخشيتهم من تكرار فشل أحداث 48 و55 و60 يندفعون إلى الشارع الذي طغى عليه حماس الناس..
وكان الكثيرون يتعانقون وكل يقدم للآخر قراءته لما يجري وبدا كثيرون وكأنهم على موعد مع الحدث وأخذوا يتوزعون في كل اتجاه للوفاء باستحقاقات اللحظة وإنجاز مهامها..
وبرزت شخصيات تنهض بأدوار كانت جد هامة. منهم من يساعدون الجنود على ملاحقة أشياع الإمام وزبانيته وجلاديه والقبض عليهم ومنهم ينظمون المسيرات ويحشدون الناس ويدعونهم إلى التطوع ضمن تشكيلات الحرس الوطني للدفاع عن الثورة.
ومن تابع التطورات وتفاعل الشارع الإيجابي مع الثورة والحماس المنقطع النظير للدفاع عنها خلص إلى يقين بحتمية انتصار هذه الثورة خاصة وقد أكدت المجريات أن الإرهاصات التي سبقت الثورة وأن الزخم الجماهيري الذي أخذ جانبها لم تأت من فراغ بل شكل كل حدث منها امتدادا متقدما لما سبقه بل أن اعتمالات الشارع وأفواج المتطوعين وأثر الشخصيات العامة دلت على وجود وعي وحماس وحركة منظمة في الشارع وأن في الاعتمالات تجاوزا جدليا خلاقا يتقدم مع العملية الثورية بخطوات واثقة ومندفعة إلى الأمام بقوة لا مجال فيها للنكوص.
أخذت مفردات جديدة تدخل في سياق أحاديث الناس وأخذ واقع جديد يتشكل تعزز حضوره ديناميكية شخوص طليعيين أبلوا بلاء حسنا على اختلاف توجهاتهم – في صنع التحولات العظيمة وأخذ جانبها منذ الثلاثينيات كعهد المدينة وكل الوطن بهم في كل المنعطفات وعلى مر السنين..>
Share

التصنيفات: تحقيقات

Share