Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

الإعـلام خرج من عباءة الأنظمة ليدخل تحت جناح سلطات المال

سويس إنفو*

 

 منحت الثورات في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن قطاع الإعلام فرصة ذهبية للخروج من بيت الطاعة والقطع مع إرث ثقيل من التوظيف والتدجين استمر عقودا. وأبصر القطاع ثورة في ما بات يْعرف بـ «بلدان الربيع العربي» عكست إلى حد كبير مستوى الحرية الذي صار واقعا يوميا كاد الناس ينسون معه حقبة الاستبداد.

 

في الأثناء ألقت الثورة الإعلامية بتداعياتها المباشرة على دول الجوار فاهتزت الرتابة السائدة في أكثر من بلد وصار الإعلام المحلي يتجاسر على تخطي المحرمات والموانع حتى لو كان المستهدف هو الملك ومحيطه القريب مثلما حدث في الأردن والمغرب.

 

تغير الإعلام العمومي في بلدان الربيع العربي فلم يعد بوقا حصريا للحاكم وانفتحت أبوابه في وجوه النشطاء والحقوقيين والمعارضين السابقين بل والمواطن العادي بعدما كان الظهور في قناة أو محطة إذاعية أو صحيفة داخل بلدهم ضربا من المستحيل بالنسبة لهؤلاء.

 

وانكسرت القيود التي كانت تحول دون إنشاء صحف خاصة فصدرت مئات اليوميات والأسبوعيات وإن لم يقتصر الأمر على المهنيين وإنما حصل على هذا الامتياز كل من هب ودب. وفيما توارى كثير من حملة المباخر السابقين إلا أن بعض رموز الأنظمة البائدة مازالوا متنفذين في بلدانهم وإن من وراء الستار أحيانا.

 

في تونس

 

وفي تونس التي انطلقت منها شعلة الثورات العربية انهارت أركان الإمبراطورية الإعلامية التي أقامها مستشار بن علي عبد الوهاب عبد الله طيلة عشرين عاما حجرا حجرا. غزا المجتمع المدني القناتين العموميتين والمحطات الإذاعية و»فتح» القنوات الخاصة فتحا مبينا تكرست معه إلى حد كبير المصالحة بين الإعلام المحلي والجمهور الذي لم يكن يثق سوى بما تقوله وسائل الإعلام الخارجية. وبناء على تلك المصالحة تراجع الاهتمام بالفضائيات العربية والدولية لأن الجمهور بات يجد ضالته (إلى حد كبير) في الإعلام المحلي.

 

واضطرت وسائل الإعلام المملوكة من أفراد الأسرة الحاكمة السابقة مثل إذاعات «موزاييك» و»شمس أف أم» و»الزيتونة» وصحف «دار الصباح» إلى مسايرة مناخ الثورة فيما تمت تسمية متصرفين قضائيين على رأس تلك المؤسسات. واستعاد قطاع الإعلام بريقه الجذاب بعد عقود من التصحر الذي حمل خيرة الكفاءات التونسية على الهجرة.

 

فرت العناصر الممالئة للنظام السابق من نقابة الصحفيين أو من البلد برمته في أعقاب سلسلة من الانقلابات والمضايقات والضغوط التي ظهرت قلة جدواها بعد سقوط رأس النظام في أقل من ثلاثة أسابيع وانتقل البلد فجأة إلى حال وصفها كثيرون بالإنفلات الإعلامي ووضع كل طرف مضمونا خاصا به لعبارة الانفلات.

 

فعلى الجانب الآخر من اللوحة يلحظ المتابع استخفافا بالضوابط المهنية والأخلاقية إذ استباح أي شخص أعراض الآخرين وأقبل عشرات الدخلاء على القطاع «يْسودون وجوههم علهم يصبحون فحامين» كما يقول المثل التونسي. لكن كان بين هؤلاء فحامون حقيقيون اسودت بشرتهم من كثرة الفحم والحبر الذي ملأوا به صفحات الجرائد والمجلات في مدح ساكن قصر قرطاج وأصهاره طيلة سنوات.

 

ويمكن أن تْدرج في هذه الخانة عدة صحف ومجلات كانت تسبح بحمد بن علي وتشوه صورة خصومه وتنتهك أعراضهم إلا أنها اكتفت بقلب الأدوار بعد الثورة فصارت تشهر بأسرة بن علي وتمدح معارضيه السابقين وأخفقت – حتى الآن – جميع الدعوات إلى محاسبة المسؤولين عن تلك «الصحف الصفراء» مثلما يصفها التونسيون.

 

مع ذلك ظهرت صحف جديدة ورقية والكترونية ضخت دماء حية في الجسم الإعلامي وترافقت مع عودة صحف كانت محتجبة أو مقفلة إلى الصدور بعد الثورة أبرزها «المغرب» التي كانت قبل عشرين عاما ونيف مجلة أسبوعية وعادت للظهور يوميا.

 

الصراع على الشاشة الصغيرة

 

لكن بقدر انتشار المواقع الاجتماعية وإقبال فئات واسعة من الشباب والنخب على التدوين والتصفح برزت المحطات الإذاعية والتليفزيونية بوصفها قطب الرحى في المعارك السياسية التي عرفتها ومازالت تعرفها تونس بعد الثورة.

 

واستطاعت القناة «الوطنية الأولى» التي طالما ازدراها المشاهدون على أيام بن علي استقطاب جمهور واسع تخطى القنوات المحلية والعربية (انظر سبر الآراء). ويْعزى ذلك إلى أسلوبها الجديد في تغطية الأحداث وكذلك الحوارات التي دأبت على بثها بمشاركة جميع ألوان الطيف. وتسلقت القناتان الخاصتان «حنبعل» و»نسمة» سلم المشاهدة بدرجات متفاوتة بعدما اقتفتا آثار القناة العمومية الأولى. إلا أن انفتاح هذه الأخيرة على المعارضة والمجتمع المدني أثار حفيظة الحزب الذي يقود الائتلاف الحاكم والذي اتهم العاملين في التليفزيون بالإنحياز.

 

وذهب رئيس الجمهورية منصف المرزوقي في محاضرة ألقاها مؤخرا في الدوحة إلى حد اتهام الإعلام بكونه البؤرة الأولى للثورة المضادة في تونس في رد على سؤال تم توجيهه إليه لكشف النقاب عن القوى المناوئة للثورة. وكان كافيا أن يْعلن رئيس حركة «النهضة» راشد الغنوشي أن مؤسسة التليفزيون ستوضع على جدول الخوصصة لكي يجتاح السلفيون المعتصمون منذ أكثر من شهر أمام مبنى التليفزيون ساحة المؤسسة ويكتبون على جدرانها شعارات تْعلن أنها معروضة للبيع قبل أن ينزلق الاجتياح إلى اعتداءات على الصحفيين استوجبت نقل بعضهم إلى المشفى.

 

سياسيا عين رئيس الحكومة مسؤولين جددا على رأس المؤسسة ما صب الزيت على نار الاحتجاجات وغذى حركة التضامن مع الإعلاميين خصوصا أنها ذكرت بتسميات سابقة تم بموجبها تعيين قيادات إعلامية عملت في ظل نظام بن علي على رأس مؤسسات صحفية عمومية. بهذا المعنى رأى خبراء مثل مدير المركز الأفريقي لتدريب الصحافيين الدكتور عبد الكريم الحيزاوي أن الإعلام لم يكمل بعد ثورته تماما سواء على مستوى المهنية أو الاستقلال. واللافت أن الجهات الرسمية لم تستجب حتى الآن لمطالبة المهنيين بنشر قائمة الصحافيين الذين كانوا يتقاضون رشاوى وامتيازات مقابل عملهم مع النظام السابق وهي القائمة المعروفة بـ»قائمة وكالة الإتصال الخارجي» التي كانت بمثابة وزارة الدعاية أيام بن علي.

 

واعتبرت نقابة الصحافيين أن استمرار عدد كبير من مسؤولي نظام بن علي في خريطة القيادات الاعلامية الحالية رسالة خاطئة للتونسيين عموما خصوصا بعدما قامت الحكومة الراهنة ليس فقط بتعيين رؤساء جدد في وكالة الأنباء والإذاعة والتليفزيون والصحيفتين العموميتين الوحيدتين وإنما أيضا بتسمية المسؤولين عن التحرير في المؤسسات الإعلامية. وقالت النقابــة إنها «تحمل الحكومة المؤقتة مسئولياتها كاملة في ما سيترتب عن هذه التعيينات العشوائية من نتائج خطرة على المهنة والقطاع وترديه خاصة أن بعض المعينين كان خادما طيعا للنظام الاستبدادي السابق (نظام بن علي) بل إن بعضهم ارتبط اسمه بملفات فساد». من هنا بات الإعلام العمومي في قلب التجاذبات السياسية ما طرح أسئلة كبرى عن مصير العمل الذي قامت به «الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال» منذ أكثر من عام لوضع خارطة طريق مقتبسة من أعرق التجارب العالمية الأنكلوسكسونية واللاتينية في هذا المجال وهو تقرير تأليفي شامل سْلم للرؤساء الثلاثة ونْشر للعموم في آخر يوم من شهر أبريل.

 

ويقع مشروع إنشاء مجلس أعلى للإعلام السمعي والبصري في صميم خارطة الطريق تلك على أن تكون حكما ومرجعية وحارسا لمدى التزام القنوات الإذاعية والتلفزيونية بالأخلاقيات المهنية وبالتوازن في تغطيتها للأحداث. غير أن رئيس الحكومة المؤقتة أعلن في بيانه أمام المجلس التأسيسي يوم 26 أبريل أنه يعتزم إعادة النظر في العمل الذي قامت به «الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والإتصال» مشككا في جدواه وداعيا إلى ندوة وطنية لم تشارك الهيئة في إعدادها لمعاودة مناقشة الملف.
 

*عن موقع:«عرباوي

Share

التصنيفات: منوعــات

Share