Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

عيد سعيد * يا «رْبى»..

زكريا الكمالي

 

أنا موجود ووجعي لا دواء له.. تماماٍ كما مرضك الذي صادر روحك العذبة النقية يا «رْبى» لكني سأحتمل ولن أذهب إلى مستشفى «التعاون» ليطردوني منه بعد ساعة بحجة عدم وجود «غرف رقود» لن أذهب ثانية إلى «سلخانة الكندي» حتى لا يتكرر مسلسل اغتيالك معي.. أدخله بقدمي إلى الغرفة الخامسة ليطمئنني الطبيب – بعد أن يطلب «مقابل الاستشارة» – لأخرج منه بعد يومين بـ«محفة» تحمل جسداٍ نام.. وإلى الأبد..

 

منذ عرفتك يا «رْبى» مطلع العام 2003م أحببت فيك نقاء قلبك وبشاشة روحك.. عشقتك.. وحين أنهينا ماراثون عشقنا الطويل هذا العام في «عيد الحب» ظننت أن قصة حبنا الاستثنائية ستكافأ بحياة رغيدة تْضرب الأمثال بسعادتها وطولها وبساطتها ونقائها وروعة تفاصيلها كجائزة مستحقة لـ«حب مثالي» اتفقنا أن نكشف أسراره لأولادنا ولم أتوقع أن أكافأ بهذا الزلزال الذي بعثر قلبي في يوم عيد ميلادي ودفن فرحة ثاني عيد لنا معاٍ كنت وعدتك أن نقضيه في «عدن» وما زلت عند وعدي..

 

«رْبى».. «بيبي».. «حبيب قلبي».. «الروح».. «كل الدنيا».. هذه بعض أسمائك الحسنى في تلفوني منذ عرفتك والتي كانت ستقفز كأسعار الذهب إلى قائمة مئوية في قادم الأيام والسنوات لو أنك نجحت في كسر تسلل القدر الذي يصيب أهدافه أحياناٍ و«يعملهن عْوج» في أحايين كثيرة كما أخبرني «الحاج»..

 

هل تذكرين أحاديثنا الدائمة عن دموعك التي كنت تذرفينها باستمرار على والدتك وأتهمك فيها بأنك ضعيفة وجبانة وتأكيداتي أن شيئاٍ كهذا لن يحدث معي فأنا رجل شجاع وصلب فتقولين: «أنت لم تفقد عزيزاٍ عليك يا حبيبي مثلي»..

 

ساعة أغمضت عينيك وبدأت نومك الطويل تبخرت شجاعتي وضاعت صلابتي يا رْبى.. بكيت كطفل.. تفوقت عليك في الضعف والجبن ومخزون الدمع وعرفت ماذا يعني أن تفقد عزيزاٍ في غمضة عين..

 

رغم كل ذلك لم أكن مصدقاٍ أنك نقضت الوعد الذي قطعناه.. أن نعيش إلى ما لا نهاية.. عدتْ لأبحث عنك في «مملكتنا السعيدة» ولم أجد سوى رائحتك.. كررت البحث وعثرت على «كتابنا المقدس» الذي انشأناه فجر الجمعة 91/6/9002م وعنوناه بـ«خاص حباٍ» لننثر على صفحاته أزهار حبنا الوردي..

 

قرأت كل ما كتبته عن حبنا وفرحت.. لكن عبارتك: «حبيبي أنت من عرفت معه معنى لحياتي وتاريخاٍ لميلادي وقيمة لوجودي وسعادة لأيامي ومستقبلاٍ لأحلامي».

 

كانت طلقات تفتك بما تبقى من روح في جسدي المتعب ورغم أني أكره لحظات الإعدام إلاِ أني استمتعت بمهاراتك الخارقة في التصويب على الزاوية 90 في قلبي..

 

أفيق أحياناٍ وأتمنى لو كان ما حدث مجرد «مزحة» سمجة.. بل أنني اعتبرته واحدا من «مقالبك الثقال» وذهبت لأبحث عنك تحت سرير نومنا لعلي أجدك كما فعلتها في السابق وجعلتني أخرج من البيت في منتصف  الليل لأبحث عنك في منزل أهلك..

 

بيتنا كما هو وسيظل كذلك.. يطلبون مني أن أغادره حتى أنساك يا رْبى لكني لن أفعل.. عطرك يملأ المكان سيدتي.. أسمع وقع خطواتك على درجات المنزل كل يوم وانتظر منك «البوسة» التي تطبعينها على خدي قبل أن تصحيني من نومي وأذهب إلى العمل..

 

«عصير التوت» الذي تحبينه ما زال موجوداٍ وشوكلاتة «الكيندر» أيضاٍ.. «القطة» التي كانت ترافقك منذ دخولك باب العمارة حتى باب الشقة تسألني عنك وعمن سيرعاها بعدك¿

 

رؤية نظارتك بعد  عودتي من الجنازة مشهد جعلني أموت ألف مرة.. رفعتها حتى تسنح لك الفرصة لأخذها عندما تعودين..

 

موبايلك مازال في مكانه.. فتحته ووجدت  رسالتين من «121» الأولى تهنئ القيادة السياسية بحلول عيد الأضحى والثلاثين من نوفمبر.. والثانية  تدعوك لإهداء أحبابك أجمل الأغاني كما أن رصيدك ما يزال بـ«320» وحدة بإمكانك الاتصال للاطمئنان حال سنحت لك الفرصة.. وإذا كانت أزمة الكروت موجودة حتى في موطنك الآخر البعيد كما في «حارتنا» سأنتظر «رنة» منك حبي عندما تصحين من نومك..

 

«أنا بسأل النجوم كل ليلة عليك» يا رْبى.. لا أريدك أن «تطولي» في بْعادك كما تقول «عزيزة جلال».. إما أن تأتي أو أجيئك أنا حتى نكون أنفسنا من جديد ونبدأ حياة مختلفة في موطنك الحالي بعيداٍ عن أوبئة تعز وبعوضها وأطبائها..

 

سامحيني يا رْبى لعدم إعطائك «كلمة المرور» الخاصة بصفحتي في جهاز الكمبيوتر.. أردتك أن تعرفيها بنفسك ولم أتخيل رحيلك وأنت لم تعرفيها رغم أنك توصلت لتلميح الكلمة الذي كان «أعشقك».

 

أقسم لك بروحي يا روحي أن كلمة السر هي «رْبى».. وإن كلمة السر الخاصة ببريدي الالكتروني الذي انشأته عام 2004م هي «ربى» أيضاٍ.. وأنك أنت كلمة السر لحياتي الجميلة التي كانت قد بدأت لتوها هذا العام وفجأة لم يتبقِ شيء منها.

 

سامحيني على استقبال التعازي من الجميع برحيلك ومطالباتهم لي بتجاوز المحنة.. لم يكن أمامي مجال للرفض رغم أني غير مقتنع بما يجري..

 

قالوا لي «الحياة تستمر والموت لا يستثني أحداٍ فلا تسمح للأسى أن يطفئك» و… «يجب أن أكون قوياٍ كما أرادتني ربى» فقاومت بعض دموعي لأجلك مولاتي.. أحلف لك أن الناس محزونون لفراقك.. قالوا أنه أفقدهم طعم العيد كما فقدت أنا طعم الحياة اللذيذة من بعدك وعرضوا عليِ قلوبهم لأحزن عليك «بي بي».

 

زملاؤك في الكلية اتصلوا يعزوْن غير مصدقين «نجيبة» ظنت أني اعتزم عمل «مقلب» لها فاتصلت والدتها لتتأكد وهي تبكي.

 

دموع البشر أغرقت مدينة جدة يا ربى وإمارة دبي التي لا تغيب عنها الرفاهية والمتخمة بالدراهم والدولارات انهارت هي الأخرى وأصبحت على باب الله والشمس شبه مكشوفة.

 

هذه بعض تداعيات رحليك كما أن العالم سيشهد أيضا نكسات متوالية بعد غيابك عن الدنيا.

 

لا جديد في هذه البلاد سوى الحزن المخيم على روحك.. عيد الأضحى كان «أبله».. المسؤولون تفرقوا على المحافظات وزاروا بعض المستشفيات عايدوا المرضى وسلموهم مظاريف بوزن الريشة.. مزحت معك بشأنها قبل وفاتك بيوم حين أخبرتني أن العيد سيأتي وأنت على سرير «المستشفى فبشرتك بـ«ظرف من حق الدولة»!!

 

الحرب السادسة لم تنته بعد ما زال الحوثيون يشنون هجومهم من ثلاثة اتجاهات والجيش كالعادة يصد..

 

عام سعيد يا «رْبى».. يا توأم روحي السيامي الذي نجح عباقرة «الكندي» بفصله عني في عملية غادرة!..

 

* كتبها – أواخر العام 2009م – بعد أن توفت زوجته الأستاذة رْبى يحيى منصور «أستاذة بكلية الحقوق في جامعة تعز».. وقد توفت بعد أيام من إصابتها بحمى الضنك الذي فتك بأبناء مدينة تعز

Share

التصنيفات: الصفحة الأخيرة

Share