Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

ربيع العرب ينتحر في اليمن

ربيع العرب ينتحر في اليمن
{ التحالف الإسلامي القبلي يسعى لانتزاع فرصته التاريخية للحكم بالقوة
{ أطراف المعارضة لم تتفق على قيادة موحدة
{ السلاح المستخدم لقصف مسجد الرئاسة أميركي
{ القوى الليبرالية ستحاول حماية نفسها بالتحالف مع قوى أخرى
بقلم/د. ساندرا انفانس
> تؤمن المستشارة “أنجيلا ميركل” أن تغيير النظام في اليمن “لم يعد قابلاٍ للجدل بل هو حتمي” لكنها أخبرت الصحافيين “أن العملية معقدة جداٍ”. وقالت أن قرار مجلس الامن الدولي رقم 2014 “كان متحفظاٍ” وكانت تغمز بأن مجلس الأمن تعامل مع قضية اليمن كنوع مختلف عن ليبيا وسوريا.
هذا التراجع في الحماس الألماني إلى الحديث عن “تعقيدات” جاء متأثراٍ بتراجع الموقف الأوروبي ومن قبله الأمريكي عن أخطائه الفادحة في اليمن وما أشيع مؤخراٍ في عدة دوائر سياسة أمريكية بأن تقديرات البيت الأبيض لبدائل نظام صالح لم تكن دقيقة حيث يسود قلق كبير بأن الإسلاميين تجاوزوا الخطوط الحمراء ويتجهون لتقرير مصير اليمن بمفردهم وفي الأغلب بقوة السلاح.. وهو ما أثار حماس السيناتور “جون ماكين” للدعوة إلى تدخل عسكري في اليمن.
خلال شهر سبتمبر كانت صحيفة “واشنطن تايمز” تنرجم ذلك القلق بتقارير هاجمت فيها بعض قادة الاسلاميين وكان هناك إحساس غريب لدى المحللين بأن الولايات المتحدة ربما تعرضت لخديعة من قبل الاسلاميين في اليمن أو ربما فعلاٍ فلتت الأمور من يديها.. لكن مثل هذا الإحساس بدا شبه مؤكد في أوروبا فقد وجهت صحيفة “الليموند” الفرنسية نقداٍ لاذعاٍ للدور الأوروبي في اليمن على خلفية تصريحات السيد “ميكيليه سيرفونيه دورسو” رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي في اليمن يوم الأول من فبراير التي اعترف فيها بتجاوز المعارضين اليمنيين الخطوط الحمراء وقالت “أن الأوروبيين يتخبطون وقد وضعوا أنفسهم في مأزق مع المتطرفين”..!!
حاولت إدارة أوباما الحد من تهور الاسلاميين اليمنيين بإغراء زعمائهم بضرورة تدويل الأزمة لكسب ضغوط وعقوبات تطيح بنظام “صالح” سريعاٍ.. ولم يكتشف الاسلاميون الفـخ الأمريكي إلا بعد صدور قرار مجلس الامن الدولي رقم 2014 الذي حملهم الكثير من مسئوليات الفوضى وألزمهم بقواعد اللعبة وطلب منهم نزع السلاح والتوقف عن تدمير مؤسسات البلد وقد اضطرهم هذا للتفكير مجدداٍ باسترضاء الأطراف الدولية لكسب تأييدها في نقاشات مجلس الأمن القادمة.
فتحالف الاسلاميين- الذي يضم فرقة جيش منشقة وفصائل قبلية مسلحة وفصيلا دينيا متطرفا يقوده رجل الدين الزنداني- يسعى لانتزاع فرصته التاريخية للحكم بالقوة.. فهم يخوضون منذ أيام معارك عنيفة في تعز- أكبر مدن اليمن بالكثافة السكانية – من أجل الوصول الى ميناء “المخا” ويحرضون في الجنوب ضد ميناء “عدن” لاحتلاله في نفس الوقت الذي يتصارع الاسلاميون “السنة” مع الحوثيين “الشيعة” على ميناء “ميدي” القريب من المياه الدولية السعودية. وهذا شيء خطير جداٍ يعني أن الاسلاميين يبحثون عن منافذ لوصول أسلحة نوعية ذات قدرات تدميرية تفوق ما هو موجود بأيديهم- ما يعني أنهم يخططون لخوض حرب طويلة.. والأخطر في رغبة الاسلاميين باحتلال الموانيء هو فتح الجسور مع تنظيمات القاعدة في الجانب الأفريقي- خاصة الصومال. وهذا ليس فقط سيفتح الطريق أيضاٍ للمجاهدين العرب من مختلف بلدان العالم لدخول اليمن كما حصل في ليبيا أو قبلها العراق وإنما أيضاٍ سيضع الممر الملاحي الدولي “باب المندب” بين فكي قاعدة الصومال وقاعدة اليمن.
حرب الاسلاميين لاحتلال”الموانيء” تتزامن أيضاٍ مع حرب أخرى في منطقة “أرحب” يقودها رجل الدين عبد المجيد الزنداني- المطلوب للولايات المتحدة بتهمة تجنيد وتمويل الارهابيين- من أجل الوصول إلى مطار صنعاء الدولي بهدف إغلاق اليمن أمام الخارج ومنع المجتمع الدولي من معرفة حقيقة ما يعتزمون القيام به خاصة في ظل انحياز الإعلام عامة لثورات الربيع العربي.
لكن الأمريكيين والأوروبيين يسعون لاستباق توقعاتهم المتشائمة بالضغط باتجاه الحلول السياسية. فمن المتوقع أن يوقع الرئيس صالح خلال الأيام القليلة القادمة على اتفاقية التسوية التي أعدتها دول الخليج وأيدها مجلس الأمن والتي بموجبها سيتخلى عن صلاحياته لنائبه ويبقى هو رئيساٍ شرفياٍ حتى يتم انتخاب رئيس جديد للبلاد. ومثلما هو مؤكد أن يوقع صالح الاتفاق فإن من المستبعد أيضاٍ أن يتم تنفيذ أي شيء آخر من الاتفاق..
فأطراف المعارضة اليمنية لم تتفق على قيادة موحدة ولا على مسودة مشروع سياسي للحكم. كما برز مؤخراٍ خلاف جوهري حول القوى المسلحة في التحالف الاسلامي (فصائل مشائخ آل الأحمر وفرقة الجيش المنشقة فباستثناء الاسلاميين فإن جميع الأطراف الأخرى تطالب بوجوب إبعادهم من مشهد التغيير بسبب اتهامات بالفساد وجرائم مختلفة ولأنهم مصنفون من مخلفات نظام صالح. إلا أن الاسلاميين يرفضون انتهاء موسم الربيع العربي منتحراٍ في اليمن باتفاق يظهر كل ما حدث طوال عشرة أشهر بأنه أزمة سياسية وليست ثورةº رغم أن بعض قادة “حزب الاصلاح” بدأوا يتخوفون من إمكانية هيمنة القوى المسلحة على الحكم واقصائهم من الحسابات.
أن البحث عن سبب منطقي للاسلاميين يدعوهم للتشبث بتلك القوى المسلحة قد يرسم ملامح سيناريو محتمل وهو أن الاسلاميين ربما يخططون بعد توقيع الرئيس صالح على نقل صلاحياته لنائبه بالدفع بقواعدهم الى شوارع العاصمة والمدن الكبيرة لخلق فوضى عارمة تقود الى صدام مع الأجهزة الأمنية ليترتب عن نتائج ذلك الصدام ذرائع جديدة لتدخل قوات الفرقة المنشقة وفصائل القبائل التي يقودها مشائخ آل الأحمر.
فهناك مؤشرات على أن الاسلاميين يراهنون على تفجير الوضع عسكرياٍ من أجل إعادة تقديم قياداتهم المرفوضة بصفة “المدافع عن الثورة” ضد بقايا نظام صالح من أقربائه الذين يقودون أهم المؤسسات العسكرية والامنية.. فهناك حسابات انتقامية شخصية سيصرون على حسمها.. وهذا من شأنه أن يطلق لأول مرة أيدي نخب الجيل الثاني في النظام لحسم المعركة بطريقتهم الخاصة بما يمكن أن يقلب كل الحسابات المتوقعة.
يعتقد الأدميرال الروسي المتقاعد “ادوارد بالتين” أن أي حرب سيفجرها الاسلاميون في اليمن قد تمنح النظام “ضوءاٍ أخضر” دوليا لتحريك وحدات الجيش الضاربة كقوات الحرس الجمهوري التي يقودها نجل الرئيس صالح والتي تمتلك أحدث التكنولوجيا الحربية وأفضل المقاتلين المدربين. ويقول أن الغرب يرفض انهيار الدولة على أيدي القبائل والمتطرفين ويتخوف أن يؤدي ذلك إلى نقل جزء كبير من الامكانيات العسكرية الحيوية لأيدي التنظيمات الارهابية المتواجدة بكثافة على نفس الأرض. كما يتوقع أن تؤيد الأحزاب غير الاسلامية والقوى الليبرالية الجيش في ضرب الراديكاليين والقبائل لقناعتهم بأنها قوى غير مدنية وستقصيهم من المشاركة السياسية وربما تغرق البلد بالعنف.
أما الكولونيل “بريجييف ديمنتوف”- خبير السياسة الدولية بموسكو- فيشير إلى أن القلق الأمريكي من الاسلاميين بدأ منذ ما يزيد عن سبعة أسابيع حين كشفت لجنة التحقيقات الأمريكانية بحادث اغتيال الرئيس اليمني “صالح” وأركان نظامه بأن السلاح المستخدم في قصف المسجد هو سلاح أمريكي الصنع استخدمه الجيش الأمريكي في العراق. وأنه وصل إلى اليمن عبر إحدى المجاميع الإرهابية التي خاضت معارك مع الأمريكيين في العراق. ويقول: أن الولايات المتحدة طلبت من اليمنيين تأجيل الاعلان عن ذلك ريثما تكمل تحقيقاتها حيث أن الموضوع يشكل إحراجاٍ للقوات الامريكية.
ويضيف الكولونيل “ديمنتوف” بأن أصابع الاتهام الأمريكية توجهت الى الزعيم الاسلامي الملياردير حميد الأحمر وقائد فرقة الجيش المنشقة حيث أن الأول يمتلك المال الوفير لشراء مثل هذه السلاح الباهظ الذي لاتمتلكه سوى دولتين في العالم “أمريكا وروسيا” والثاني يمتلك الخبرة العسكرية والعلاقات الوثيقة بالجماعات الإرهابية. ويتوقع أن تستغل الولايات هذا الموضوع لإجبار الزعيمين المذكورين على الخروج من لعبة الربيع الثوري اليمني إن نجحت واشنطن فعلاٍ في التوصل إلى أدلة دامغة تدينهما.
يعتقد كثير من اليمنيين إنه إذا أقدم الاسلاميون على سيناريو الانقلاب على اتفاق التسوية الخليجي فإنهم لن يستمتعوا طويلاٍ بالنشوة الثورية لأن الحرب الأهلية ستشتعل في كل متر من اليمن.. ولن يقتصر الأمر على حرب وحدات عسكرية بل أن تنظيم القاعدة الذي يحتل محافظة أبين حالياٍ سيفجر أعنف معاركه لإعلان إماراته الاسلامية الجديدة بتحالف مع التيار السلفي للشيخ عبد المجيد الزنداني.. كما سينتهز الجنوبيون الفرصة إعلان انفصال محافظاتها الستة وخوض حرب عصابات يحترفونها ضد كل من يقف بوجههم.. وكذلك سيفعل الحوثيون الشيعة لبسط نفوذهم الكامل على ما لا يقل عن ثلاث محافظات شمالية..
فاليمن ليست كغيرها إذ أن كل من فيها يملك قبيلة وسلاحا وقدرة على القتال لزمن طويل- كما فعل الحوثيون بمواجهة جيوش دولتين “اليمن والسعودية” دون أن يكون لديهم فرق مدرعة أو أسراب طائرات.. لهذا عندما تحدثت في لقاء خبراء ستوكهولم أخبرتهم أن الربيع العربي سينتحر في اليمن فالثورة في اليمن قدمت رأسها قرباناٍ للفاسدين وتجار السلاح والحروب خلافاٍ لكل ثورات العالم..
أعتقد أن هناك أخطاء فادحة وضعت اليمن بين مخالب الاسلاميين ارتكبها الوسطاء الدوليون بضغطهم على نظام صالح لتوقيع اتفاق مع طرف لا يمثل إطلاقاٍ جميع قوى الشعب اليمني وإنما يمثل التحالف الإسلامي القبلي بدرجة أساس حيث أن “مجلس المعارضة” الذي يرأسه “محمد باسندوة” ونائبه “حميد الأحمر”هو وجه آخر لتحالف أحزاب اللقاء المشترك الذي يضم بجانب الاسلاميين أحزاباٍ لا يتجاوز عدد أنصارها جميعاٍ ثلاثة آلاف شخص. أما القوى التي تم تجاهلها فهي: “الجنوبيون الانفصاليون” ويشغلون ستة محافظات يمنية وكانوا يشكلون دولة بكل معنى الكلمة.. ثم “الحوثيون الشيعة” الذين حاربوا جيوش دولتين- إحداهما السعودية.. ثم الشباب الذين فجروا الاحتجاجات.. إلى جانب القوى الليبرالية المستقلة.. ألا يبدو غريباٍ تجاهل قوى بهذا الحجم الهائل والإمكانيات¿¿
أن هذا الاقصاء لم يكن عفوياٍ فالولايات المتحدة هي من قرر للعرب أن يكون ربيعهم إسلاميا “سنيا” وليس “شيعيا” أو “علمانياٍ”. والسبب الأهم هو أن مشروع الاتفاق مقدم من دول الخليج وترعاه المملكة العربية السعودية وبالنتيجة فإن التحالف الاسلامي القبلي هو النمط المثالي المتوافق مع أنظمة حكم الخليج- خاصة السعودية. كما أن قادته يمثلون عبر فترات التاريخ امتدادات تبعية ومعظمهم يملكون عقارات ومصالح تجارية داخل السعودية ومن غير المتوقع التسبب لها بمشاكل مستقبلاٍ أو السماح لأي خطر بتهديدها.. من الواضح أن القلق السائد حول اتجاهات الأزمة اليمنية هو نفسه الذي يشغل تفكير بقية القوى السياسية اليمنية.. ففي ألمانيا أعداد هائلة من الجنوبيين اللاجئين منذ اجتياح قوات صالح والقبائل الشمالية لمدنهم في 1994م.
ما استخلصته من لقاءاتي مع بعض القادة الجنوبيين “اللاجئين” هو أنهم يسعون لإعادة استقلال بلادهم وإلى حماية دولية في الوقت الحاضر كونهم يصفون “مجلس الثورة” الذي يفاوضه النظام لنقل السلطة بأنه (مجلس حرب 1994) فهم يقولون أنه يضم نفس وجوه الاسلاميين المتشددين الذين أعلنوا الجهاد ضد الجنوب ونفس قبائل آل الأحمر التي نهبت الجنوب واستولت على الأراضي والثروات ونفس فرقة الجيش التي اعلنت الحرب ضدهم وشردتهم من مدنهم.. ويعتبرون وجود الاشتراكيين والقوميين في المجلس “مجرد ديكور” لأن “أنصارهم لا يتجاوزون بضع مئات”.
ويتخوف الجنوبيون من أن تجاهل مجلس الأمن الإشارة إلى قضيتهم في قراره الأخير قد يشجع التحالف الاسلامي القبلي على محاولة فرض أجندته السياسية بالقوة على الجنوب فسيكونون مضطرين لإعلان الكفاح المسلح. كما يجري الحديث عن محاولات لإغراء قادة جنوبيين وتقديمهم كممثلين عن الجنوب “لإسقاط الذرائع وتبرير قمع المعارضين”- بحسب ما أخبرني أحد زعماء الجنوب.. كما أنه لا يستبعد أن يلجأ الاسلاميون للعمل الجهادي مع تنظيم القاعدة لاحتلال بعض مناطقهم واتخاذ ذلك ذريعة لغزو مسلح جديد للجنوب..!
إلا أن بعض الخبراء يعتقدون أن الغرب قد يتعمد إقحام الجنوب بعلاقة مضطربة مع الحكام الجدد “التحالف الاسلامي” ليكون ذلك مدخلاٍ مناسباٍ لإعادة فصله باستفتاء دولي أو بتبرير قرارات سابقة لمجلس الأمن صدرت إبان حرب 1994. فمجلس الأمن لم يضع مراجعة للملف اليمني كل 60 يوماٍ إلا إذا تضمنت أجندته حسابات مؤجلة لوقتها المناسب.
يعتبر “الجنوب” كلمة سر نفوذ الاسلاميين في اليمن. فقد خدعوا رئيساٍ سابقاٍ “ابراهيم الحمدي” بفكرة المعاهد الدينية بذريعة التحصين ضد الماركسية فأنشأوا أوسع حواضن تفقيس الاسلاميين. وقدموا أنفسهم للرئيس صالح في أول عهده كمجاهدين ضد مليشيات الجنوب بقيادة “سعيد القباطي” الذي تقود حفيدته “توكل كرمان” احتجاجات الإسلاميين اليوم. فكسبوا أموالاٍ ومناصب سياسية. وقادوا المعارضة ضد الوحدة “مع الشيوعيين” ليفوزوا بمقعد بالمجلس الرئاسي الخماسي لدولة الوحدة. وفي 1994م حققوا أوج مكاسبهم المادية والسياسية بدفع صالح لاجتياح الجنوب. وما هم عليه من نفوذ اليوم أيضاٍ بدأ من الجنوب عام 2006م بحملات تحريض شملت الجنوب قرية بعد أخرى قادها حميد الأحمر وقادة حزب الاصلاح لمصادمة الجنوبيين مع السلطة..
تلك الحقائق قد تطرح اليوم سيناريو افتراضيا وهو أن الجنوب قد يكون مدخل الاسلاميين التالي إلى خيار “الحكم للأقوى” تحت ذريعة الدفاع عن الوحدة في حال انتفض الجنوبيون سواء من أجل الانفصال أو المطالبة بحقوق سياسية متساوية.
أما الزعماء الحوثيون “الشيعة” اللاجئون في ألمانيا فقد بدوا أكثر ثقة بأنفسهم وإمكانياتهم من الجنوبيين الذين تربطهم بهم علاقة وطيدة ونشأ بينهم مؤخراٍ تحالف استراتيجي.. فالحوثيون لا يريدون الانفصال بدولة مستقلة وإنما المشاركة في دولة مركزية وحكم فيدرالي. وما زالوا مختلفين مع مجلس المعارضة الثوري كونهم يطالبون بأن يتم اتخاذ القرار داخل المجلس بالتوافق لا باغلبية الأصوات وإلا فإنهم سيرفضون الدخول في المجلس وهو المرجح بأنهم سيقفون في الجبهة المناوئة للاسلاميين.
فالحوثيون اقرب ما يكونون لحزب الله اللبناني في تفكيرهم ونظامهم ويتحركون بهدوء وبخطى أذكى من الاسلاميين “السنة” بكثير وربما يفاجئونهم بسعة قاعدة نفوذهم وخططهم..
لا شيء يقلق القادة الحوثيين أكثر من المد الوهابي المتطرف والأجندات السعودية في اليمن. فهم يؤكدون أن المملكة العربية السعودية تدفع مئات ملايين الدولارات سنوياٍ لنشر فكر الوهابية المتطرف في اليمن ولشراء ولاءات القبائل ومشائخها ورجال الدين والقادة السياسيين.. وأنا أوافقهم الرأي.. فالسعوديون قلقون من أن يسهم الوضع السياسي الجديد في اليمن بتمكين الحوثيين من نفوذ سياسي مؤثر. لذلك فالموقف الرسمي المعلن ظل مع النظام اليمني لكن عملياٍ مع الاسلاميين المعارضين والقبائل وهو ما يفسر أن مدينة الجوف المتآخمة للحدود السعودية كانت أول مدينة تسقط بيد الاسلاميين ليخوضوا حرباٍ ضد الحوثيين لتقويض نفوذهم قرب الحدود. وهو دور قديم يتوارثه الاسلاميون وقبائل أل الأحمر وغيرهم منذ عشرات السنين.
القادة الحوثيون يتوقعون قيام السعودية بتوظيف نفوذ الإخوان الاسلاميين والقبليين المسلحين في صراعات معهم “حرب مذهبية”.. ويعتقد معظم السياسيين أن ذلك أمر وارد جداٍ في ظل تعاظم الخوف السعودي من النفوذ الفارسي الايراني في الجوار اليمني والبحريني والعراقي حيث دفعت السعودية بجيوشها الى البحرين لخوض حرب ضد الشيعة.. لكن أحد القادة الحوثيين الذين التقيتهم أكد أنهم قادرون على “تفجير الثورة داخل الأراضي السعودية” فهم اليوم يحرضون بمنشورات وخطابات داخل ساحة الاحتجاجات بصنعاء شيعة المنطقة الشرقية وأبناء الطائفة الاسماعيلية في نجران الذين فجروا عام 2000م انتفاضة شعبية كبيرة أطاحت بأمير نجران. فالسعودية لا يمكن أن تنجو من فوضى اليمن طالما حلفاؤها في الجانب اليمني تجار حروب ومشائخ فاسدون.
أما في ما يتعلق بالقوى المدنية الليبرالية التي تضم نخب المثقفين والشباب المستقلين فإنهم لا يشكلون رقماٍ مهماٍ في حسابات ثورات الربيع العربي. فهم فئة مسالمة وكان من السهل في تونس ومصر قمعها بالقوة على ايدي الاسلاميين. وقد حدث مثل ذلك في اليمن حين قام الاسلاميون بضرب واعتقال عشرات المثقفات والمثقفين في عدة مسيرات كما تم مضايقتهم في ساحات الاحتجاجات حتى اجبروهم على مغادرتها.
إلا أن هذه القوى الليبرالية تعرف مصيرها أيضاٍ وستحاول حماية نفسها بالتحالف مع قوى أخرى مثل الاشتراكيين والقوميين وربما أيضاٍ مع حزب الرئيس صالح “المؤتمر الشعبي” الذي سيتعرض لهزة عنيفة بعد مغادرة صالح كرسي الرئاسة ولن يكون سهلاٍ عليه استئناف نشاطه السياسي في وقت قصير من ذلك فالاسلاميون يطالبون باجتثاثه وهو أيضاٍ حزب فشل في بناء أي كيانات مؤسسية مدنية لنفسه تكفل له الحماية أو الاستمرار مستقبلاٍ.
من الواضح أن “التعقيدات” في عملية التغيير التي أشارت إليها المستشارة “أنجيلا ميركل” ترتبط بدرجة أساسية بالمستوى الكبير من المتناقضات بين عدد كبير أيضاٍ من الأطراف اليمنية.. ففي اليمن شعب فقير غارق بالمشاكل من السهل لأي تاجر أن يستأجر مئات الآف من شبابه العاطلين مقابل قوت يومهم ويعلن عن ثورة.. كما فعل الزعيم القبلي الاسلامي الملياردير حميد الأحمر الذي تتجاوز ثروته 84 مليار دولار وكما فعل الجنرال علي محسن الأحمر الذي تقدر أملاكه من الأراضي ما يفوق مساحة العاصمة صنعاء بكل قراها وضواحيها وتتوزع أرصدته البنكية على أربع دول: سويسرا ألمانيا الإمارات السعودية..
بعد عشرة أشهر من الأزمة ما زال “صالح” رئيساٍ لليمن بينما رحل الشباب المطالبون برحيله منذ 21 مارس يوم احتلت فرقة الجيش ساحاتهم. ولم يبق من الربيع اليمني سوى مليشيات إسلامية متطرفة وفصائل قبلية مسلحة تخوض مع نظام “صالح” معركة كان يفترض خوضها قبل أعوام طويلة..!!<
 ناشطة ألمانية وأستاذة جامعية/ رئيسة المركز العربي الألماني للدراسات الاستراتيجية..<

Share

التصنيفات: خارج الحدود

Share