Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

عدن حاضنة الحركة الوطنية

في 19 يناير عام 1839م احتلت بريطانيا عدن بعد ذلك أمتد نفوذها حتى شمل كل مناطق الجنوب اليمني بواسطة السلاطين والمشائخ ومنذ ذلك الوقت أخذت جماهير الشعب اليمني في الجنوب تمارس أشكالاٍ شتى من النضال ضد هذا الاحتلال ولعل موقع عدن الاستراتيجي جعله محطة لأطماع المستعمرين منذ مختلف العصور مثال: السلاجقة إلى الانجليز مروراٍ بالأحباش والهكسوس والبرتغاليين.

 

وقد قال الحاكم البريطاني في «بومباي» في رسالة وجهها إلى مجلس إدارة شركة الهند الشرقية بشأن عدن في 27 فبراير 1838م «إن عدن بالنسبة لنا لا تقدر بثمن فهي تصلح كمخزن للفحم طيلة فصول السنة ويمكن أن تكون ملتقى عام للسفن المستخدمة طريق البحر الأحمر وكذا قاعدة عسكرية قوية بواسطتها يمكن أن نحمي ونستفيد من تجارة الخليج العربي والبحر الاحمر والساحل المصري المحاذي الغني بمنتوجاته وعن جبل طارق متى ما أصبحت في ايدينا ستكون صعبة المنال من البر والبحر إنني أنظر إلى الموضوع بشمول وعمق أكثر فهناك دولتان تتأمران علينا وتودان القضاء على نفوذنا في الشرق الاولى روسيا القيصرية وتتجه نحونا من خلال ايران والثانية فرنسا وهي آتية من خلال مصر وحين نتصدى لهذه التهديدات يتحتم على بريطانيا أن تعد لنفسها مراكز دفاعية خارج الحدود».

نجيب علي العصار

 

 

وعن أهمية عدن في الاستراتيجية الدولية نورد هنا ما قاله أحد المؤرخين الانجليز حول استيلاء بريطانيا على عدن.. قال:«من غير المحتمل أن يكون بالمرستون» قد اتخذ قرار الاستيلاء على عدن لمجرد الحاجة إلى محطة الفحم إن القيم التجارية والحربية متشابكة في ما بينها ومن الصعب الفصل بين احتلال عدن وبين سياسات الامبريالية التجارية.

 

صحيح أن عدن كانت محطة مهمة لتموين السفن بالوقود ونقطة تجمع للشرق الاوسط إلا أنها تستمد أهميتها العظمى من موقعها الجغرافي كقاعدة للعمليات البحرية إن تجارة بريطانيا الخارجية في حاجة إلى خط مواصلات مضمون وذلك يعتمد بدوره على وجود قواعد ساحلية يحسن اختيارها ويقوم بحراستها الأسطول الملكي البريطاني الكبير.

 

إن عدن تتبوأ محوراٍ حيوياٍ على طريق البحر المؤدي إلى الهند وقد ارادتها بريطانيا بسبب صلاحيتها كمحطة وكقاعدة عسكرية ولكن بصورة رئيسية من أجل منع أي قوة أخرى من السيطرة على منطقة استراتيجية حيوية.

 

ولهذه الأسباب كلها احتلت بريطانيا عدن في 19 يناير 1839م وخلال تلك الحقبة الاستعمارية اتسم ذلك العهد بالبطش ولم يترك لأبناء شعبنا في الجنوب مساحة للحوار فأشهر الغزاة المحتلون السلاح وجندلوا رؤوس المواطنين العزل وروعوا النساء والأطفال والعجزة بأصوات المدافع ولعلعات الرصاص ودوي القنابل والمدرعات وأزيز الطائرات.

 

ومضى المستعمرون بدم بارد في ابتداع أساليب لا إنسانية لإذلال المواطنين مداهمات واقتحام للمساكن والبيوت لاعتقال عناصر الحركة الوطنية من بين أسرهم وأطفالهم في ساعات متأخرة من الليل وتهافت أجلاف المستعمر من جنوده  المتعطشين للدم والتنكيل على استباحة كرامة الإنسان اليمني حتى ولو كن نسوة.

 

بداية الإعداد للثورة المسلحة في الجنوب واحدية النضال كانت المبادرة التي بها لوحت حركة القوميين العرب بتبني فكرة الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني وعملائه في المنطقة وهي الفكرة التي قربها قادة الحركة إلى أذهان الرئيس السلال والقيادة العربية في اليمن ووفقاٍ لما ذكره كتاب «ثورة 14 أكتوبر اليمنية من التأسيس حتى الانطلاق» للكاتب والمناضل راشد محمد ثابت يستطرد القول بأن  المعارك ضد أعداء الثورة اشتدت وتعددت جبهات القتال التي كان الاستعمار يقودها من الجنوب والرجعية من الشمال وكانت أعداد من القيادات اليمنية لحركة القوميين العرب قد تحركت عشية الثورة من مدينة عدن إلى مدينتي صنعاء وتعز لتقف على أعتاب المشاركة في الدفاع عن الثورة ونظامها الجمهوري ومن أبرز العناصر التي وصلت إلى شمال الوطن حينها الإخوة قحطان الشعبي وعبدالحافظ قايد وعبدالقادر سعيد وسالم زين محمد وسلطان أحمد عمر وعبدالرحمن غالب وعبدالعزيز عبدالله سلام وغيرهم من القيادات الثانوية التي باشرت نشاطها في إعادة ترتيب وتنسيق الأوضاع النضالية اليومية التي تقوم على قاعدة التفاعل مع ما تطرحه قيادة الثورة السبتمبرية من مهام ميدانية للمقاومة ومع ما تفرزه المرحلة من تطورات سياسية تستوجب العمل برؤية مستقبلية ضمن المسار المتعرج للصراع بين الثورة وأعدائها.

 

وقد حرصت العناصر البارزة في القيادة اليمنية للحركة أن تتواجد على مقربة من مواقع القيادة التي تحرك الأحداث وتقود أشكال المقاومة ضد فلول الملكية المندحرة وتسنى لهذه القيادات أن تتبوأ مناصب في أجهزة الدولة المختلفة قحطان الشعبي عين مستشاراٍ لرئيس الجمهورية لشؤون الجنوب وعبدالحافظ قايد وكيلاٍ لوزارة الاعلام عبدالقادر سعيد مديراٍ لمكتب الثقافة والاعلام في تعز وسالم زين محمد رئيساٍ لتحرير صحيفة  «الجمهورية» إلى جانب الانتشار الواسع لكوادر الحركة في أجهزة الدولة المدنية والعسكرية مجندة نفسها وإمكاناتها من أجل خدمة الثورة وحماية أهدافها التقدمية.

 

بعد ذلك مباشرة بدأت من صنعاء البذرة الأولى لثورة 14 اكتوبر 1963م في الظهور وتكوين أداتها الاولى «الجبهة القومية» ولقد بدأت عناصر رئيسية من قيادات حركة القوميين العرب التفكير بالكفاح المسلح ضد الانجليز وكانت الخميرة الاولى لهذا التفكير في أواخر الخمسينيات وبالتلازم مع نمو وانتشار تنظيماتها في مختلف مناطق اليمن شمالاٍ وجنوباٍ وكان التواجد للعناصر الرئيسية كمركز الحركة في مصر قد أسهم إلى حد ما في التحرك بهذا الاتجاه حيث كانت القاهرة تعج بالطلبة اليمنيين وكان النشاط النضالي يتحرك من الجنوب والشمال اليمني ومن التنظيمات التي تبنت ورفعت شعار الجبهة القومية كأداة عامة للنضال والتزمت به وأخذت تدعو الآخرين إلى الالتزام به ووجوب أن ينضوي تحت لوائها كل يمني من أجل دحر الاستعمار البريطاني وتحرير الجنوب اليمني المحتل.

 

وعي قومي

 

وفي ورقة عمل بعنوان: الثورة اليمنية «سبتمبر واكتوبر» للاستاذ علي أحمد السلامي يقول: ظل الشعب اليمني يقاوم الوجود البريطاني منذ ذلك التاريخ وكانت المقاومة الاولى في نوفمبر 1839م حيث اتفقت القبائل العبدلية والفضلية وأخذت تعد نفسها للهجوم على الانجليز في عدن وفعلاٍ تقدم نحو المدينة حوالي أربعة آلاف مقاتل وبدأوا في مهاجمة المراكز البريطانية ولكنهم تعرضوا لنيران المدفعية الانجليزية فاضطروا على إثرها إلى التراجع بعد أن قتل منهم حوالي مائتين وجرح ثمانية وثمانون وتلتها بعد ذلك محاولات كثيرة على مر السنين.

 

وفي 23 يوليو 1952م قامت ثورة مصر بقيادة جمال عبدالناصر التي الهبت حماس الجماهير العربية وفجرت الوعي القومي والوطني في كل أرجاء الوطن العربي ومنها اليمن كانت عدن مركزاٍ للإشعاع الفكري والوعي الوطني والقومي لكل اليمن وبدأت تنشأ الاحزاب السياسية والهيئات الوطنية وأخيراٍ المؤتمر العمالي في عام 1956م

 

ويشير السلامي إلى أن الاحزاب السياسية بدأت تطرح قضية الاستقلال والتفاوض مع الاستعمار البريطاني لنيل هذا الاستقلال ومن هذه الاحزاب رابطة أبناء الجنوب وحزب الشعب الاشتراكي والحزب الوطني الاتحادي وحزب الأمة وحزب الاحرار الديمقراطي وحزب المؤتمر الشعبي وغيرها من الاحزاب.

 

وأضاف: وكانت قد تكونت في عدن بعض التنظيمات السرية في نهاية الخمسينيات منها حزب البعث العربي الاشتراكي وحركة القوميين العرب وكانت عناصر حزب البعث تعمل من خلال المؤتمر العالمي وحزب الشعب الاشتراكي أما حركة القوميين العرب فكانت ترى في معالجة القضية رؤية مختلفة عن بقية كل الاحزاب والتنظيمات السياسية «إن حركة القوميين العرب كانت تؤمن بالكفاح المسلح طريقاٍ لنيل الاستقلال من المستعمر وإن النضال من أجل الاستقلال يجب أن يشمل كل مناطق الجنوب وألا يقتصر على عدن فقط.. وكانت الحركة ترى إن تركيز النشاط في عدن والتفاوض مع الاستعمار البريطاني سيدفعها إلى قبول المساومات وانصاف الحلول في قضية الاستقلال وإنهاء الاحتلال البريطاني للمنطقة ولذلك فقد بدأت تعمل وتنشط على هذا الفهم وقد تكون فرع حركة القوميين العرب في اليمن في اكتوبر 1959م على مستوى اليمن كلها وكانت القيادة مكونة من التالية أسماؤهم:

 

1ـ فيصل عبداللطيف الشعبي

 

2ـ علي أحمد السلامي

 

3ـ سلطان أحمد عمر العبسي

 

4ـ طه أحمد مقبل

 

5ـ سيف أحمد الضالعي

 

وخلاصة القول أن الثورة اليمنية قيمة وطنية واحدة وبالطبع فقد شكلت ثورةالـ26 سبتمبر 1962م بإنتصارها على النظام الإمامي انطلاقة قوية للحركة الوطنية للقيام بمهامها التاريخية ولم تمر فترة من الزمن إلا واندلعت أول شرارة للثورة في الجزء الجنوبي من الوطن في ردفان في 14 اكتوبر 1963م معلنة بذلك بداية مرحلة تاريخية جديدة في حياة شعبنا ـ مرحلة الكفاح المسلح ـ وهكذا انتصرت إرادة الشعب اليمني وثورته ثورة 14 اكتوبر 1963م المجيدة وانتزع الشعب اليمني. في الجنوب استقلاله بقوة النضال المشروع يوم الـ30 من نوفمبر 1967م الذي شكل بداية حقيقية لإعادة تحقيق الوحدة اليمنية المباركة في الـ22 من مايو 1990م.

 

 

تاريخ موجز عن ميناء عدن

 

يعتبر ميناء عدن من أكبر الموانئ الطبيعية في العالم وخلال الخمسينيات من القرن الماضي تم تصنيفه كثاني ميناء في العالم بعد نيويورك لتزويد السفن بالوقود.. كما يعتبر الميناء من أهم المنافذ البحرية المتحكمة في البحر الأحمر من جهة الجنوب والمنفذ الهام لليمن على بحر العرب والمحيط الهندي وهو بذلك يطل على خطوط التجارة والملاحة في العالم.. أشتهر قديماٍ كميناء وسوق لكبار تجار الشرق الأدنى واليونان الذين أسموها العربية السعيدة وتذكر ذلك بعض النقوش قبل حوالي ثلاثة آلاف سنة وكذلك كتابات الرحالة مثل «ماركوبولو» في القرن الثالث عشر الميلادي وابن بطوطة في القرن الرابع عشر.

 

لقد تمت أول عملية مسح بحري للميناء في العام 1835م وفي سنة 1840م تم بناء مستودعات للفحم وبعدها بسبعة أعوام «1847» تم بناء مركز جمركي في 15 مارس 1850م تم إعلان ميناء عدن كميناء حر وقد وصل تعداد السفن القادمة من الصين والهند والحبشة إلى «1120» سفينة بعد ذلك بسنوات قليلة وفي العام 1856م ازدهرت الحركة والنشاط بين ميناء عدن وموانئ الهند «بومباي» وأميركا إلى درجة كبيرة لا سيما بعد استقطاب عدن لتجارة البن من المخا في حين وصلت خدمة التلغراف إلى عدن في عام 1870م.

 

خلال فترة الاحتلال جرت عمليتا تعميق للميناء الأولى في عام 1898م والثانية في العام 1954م كما جرت أربع عمليات أخرى بعد الاستقلال.

 

توقف الزمن بالنسبة لعدن مع إغلاق قناة السويس حتى عام 1975م وتغير المسار التجاري بتغيير المسار الملاحي لحركة البضائع عبر القرن الأفريقي مما دفع بدول الجوار للقيام ببناء موانئها وتجهيزها بأحدث الوسائل لمواكبة ازدياد الحركة وذلك بتشييد مراسُ مباشرة عميقة تلبية للطلب.

 

أدركت عدن أهمية تشييد مراس مباشرة مماثلة لمواكبة عجلة التطور العصرية في موانئ العالم.. وسعت جاهدة وتمكنت من الحصول على قروض ميسرة من الدولة الشقيقة لبناء مراسيها المباشرة بالمعلا.

 

وقد ساهمت في هذا المضمار كل من السعودية والكويت وأبوظبي في مطلع عام 1987م بحصص متفاوتة في التمويل لهذا المشروع البالغة تكاليفه نحو «40» مليون دولار للأعمال الإنشائية التي تم انجازها في اغسطس 1990م.

 

خلال عامي 1993م و1995م تم تزويد محطة المعلا برافعتين جسريتين لمناولة الحاويات.. كما تم توفير معدات وآليات خاصة بأعمال المناولة من قاطرات برية ومقطورات ورافعات شوكية من مختلف الأحجام والمواصفات التقنية الحديثة وتوسيع نطاق الخدمات والتسهيلات المتواجدة في الميناء واستمرت حركة التطوير هذه طيلة الأعوام السابقة واللاحقة حيث تم بناء محطة عدن للحاويات وتعميق قناة العبور للميناء الخارجي والداخلي في 1998م.

 

وفي 11 سبتمبر 1999م افتتح الرئيس علي عبدالله صالح محطة عدن للحاويات التي كانت قد دشنت العمل من قبل وزير النقل في 19 مارس 1999م بقدرة تشغيلية تصل إلى «450» ألف حاوية مكافئة سنوياٍ ومع افتتاح المحطة بدأت عدن الخطوات الأولى لمرحلة استعادة الميناء لموقعه المرموق في خارطة الملاحة الدولية.

 

ومع نهاية العام 2002م كان يرتاد ميناء عدن «16» خطاٍ ملاحياٍ دولياٍ وإقليمياٍ وتم مناولة عدد 388.436 حاوية مكافئة إلا أن هذا النمو تأثر سلباٍ عقب حادث الناقلة الفرنسية في أكتوبر 2002م بيد أن عزم الحكومة لتجاوز تلك الآثار السلبية على النشاط الملاحي جعلها تنهض مرة أخرى لتتمكن من مناولة عدد 278.308 حاويات مكافئة في عام 2005م معلنة بذلك عودة قوية للمنافسة على استقطاب نشاط الترانزيت في المنطقة..

Share

التصنيفات: تحقيقات

Share