Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

القمة الثقافية العربية ما تقدر… وما لا تقدر عليه!

أصبحت القمم العربية المتخصصة بعد قمة الكويت الاقتصادية التي لم تكن سالبة مطلبٍا عربيٍا ملحٍا بعد أن اتضح أن القمم العربية السياسية (الدورية) تنعقد وتنحل دون تحقيق نتائج ملموسة. إن القمة العربية الاقتصادية بعد تجربة الكويت القريبة من النجاح من المقرر عقدها في مصر بعد زمن غير بعيد وبعد الاقتصاد تأتي الثقافة.

 

لكن الثقافة لها طبيعة خاصة تختلف عن الاقتصاد تمامٍا. وثمة رأي جديد هو أن الجامعة العربية لتفادي التناقضات السياسية والمصالح الإقليمية عليها التحول إلى »يونسكو عربية« تنظر فيما يجمع العرب من موروث ثقافي. وفي تقديري فإن القمة الثقافية العربية يمكن أن تحقق نجاحٍا إذا عرفت وميزت بين ما تقدر عليه وما لا تقدر.

 

د. محمد جابر الأنصاري

 

وما تقدر عليه – ولنبدأ بالخطوات الإيجابية – هو الاتفاق على إصدار قوانين عربية مشتركة ملزمة تتناول دعم اللغة العربية بصفة خاصة لأنه يستحيل تصور ثقافة مزدهرة بينما لغتها تتراجع.

 

وعلينا أن نتفق على طبيعة الأخطار والمحاذير التي تواجهها اللغة العربية

 

إن جيلنا بحكم ما تعود عليه من استخدام للغة العربية في مختلف الوسائل قد لا يرى تلك الأخطار المحدقة بالعربية إذا انساق وراء ما اعتاد عليه هو من انتشار لغوي في الصحافة والفضائيات والكتب.

 

إن الخطر الماثل يتمثل في أن جيلاٍ عربيٍا جديدٍا لا يحسن استخدام لغته الأم. بحكم وجود المربيات الأجنبيات وانبهار الوالدين بالتحدث باللغة الأجنبية بتأثير المدارس الخاصة التي أصبحت مقصد النخب العربية. ثم إن المدارس العامة أيضٍا أصبح فيها مستوى تدريس العربية مستوى هابطٍا لا يبشر بخير فماذا سيكون الحال عليه عندما يكبر هؤلاء العرب الصغار ويتولون المسئولية ويتحتم عليهم مخاطبة مجتمعاتهم وقيادتها وبنائها والتخاطب المشترك فيما بينهم.

 

علينا أن نتصور هذا الأمر بدل إخفاء رءوسنا في الرمال وتجاهل هذه المشكلة الخطيرة من منطلق: »إنه ليس في الإمكان أبدع مما كان«.

 

اللغة عنصر حيوي في وجود الأمة واللغة العربية بالذات هي التي حددت الوجود العربي ورسمته. فالعروبة اليوم ومنذ القدم لم تعد انتماءات قبلية »فالعربية اللسان« كما ينسب للنبي العربي الكريم و»هي ليست بأم وأب لأحدكم. إنما العربية اللسان«!

 

وإذا نظرنا إلى حدود »الوطن العربي الكبير« نجد أن الحدود اللغوية هي التي تحدده في غياب أي اعتبار آخر. لماذا لا تدخل تركيا أو إيران أو الحبشة مثلاٍ في هذا »الوطن«… أليس عامل اللغة هو العامل الحاسم في هذه التحديدات¿

 

وماذا سيحدث إذا برز جيل »عربـي« بعد عشرين سنة لا أكثر يرطن رطانة أجنبية¿ ما المصير¿ ما المستقبل¿ ما العمل الآن¿!

 

هل سنقول إنها »نكسة« عابرة أيضٍا يمكن تجاوزها¿

 

ثم إن »العلوم« التي هي مقومات التقدم في هذا العصر وفي كل العصور لا تنفذ إلى عقول طلبتنا الجامعيين بلغتهم الأم بل يدرسونها بخلاف أمم عديدة لا يتجاوز عددها عشرات الملايين بلغات أجنبية.

 

تعريب العلوم

 

في تقديرنا إن هذا من أسباب تخلف العرب العلمي لأن »العلم« لا يمكن أن يدخل عقل أمة بغير لسانها لقد سبق لكاتب هذه السطور أن تناول هذا الموضوع مرارٍا وتكرارٍا حتى ليشعر اليوم إنه قول مكرور لا جدوى منه. لأنه استنفده بحثٍا وتحليلاٍ (يْراجع بحثه الموسوم: معركة التعريب من التوصيات النظرية إلى التطبيق الميداني: دراسـة في آليات الحسم وكتابه: تجديد النهضة باكتشاف الذات ونقدها المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت 1992 ص 195 238).

 

وبالمناسبة فإن إسرائيل ذات الملايين القليلة قد أحيت لغتها العبرية الميتة فأصبحت لغة التخاطب والرسميات والعلوم بعد أن ظلت مدفونة في القواميـس… فلماذا القصور قصور »عربي« فحسب… وهو قصور في الإرادة قبل كل شيء¿

 

والحجة المردودة بأن إدخال العربية في تدريس العلوم سيغلق الباب أمام العرب ليتعرفوا إلى علوم العالم بلغاته حجة مردودة في حد ذاتها.

 

فطلاب العلوم والطب والهندسة بالذات طلبة متفوقون أصلاٍ… ولن يعجزهم دراسة لغتهم العربية واللغة الأجنبية في وقت واحد وهم يدرسون الكثير من المواد الصعبة. وهذا هو المقصود من الدعوة إلى تعريب دراسة العلوم لا محاربة أية لغة أجنبية.

 

ومع الأسف فقد وجد كاتب هذه السطور بعد استغراقه في دراسة مصاعب التعريب أن أكثر الأساتذة العرب في الأقسام العلمية هم أعدى أعداء التعريب ولا يريدونه!

 

* * *

 

تستطيع القمة الثقافية العربية مقاربة هذا الإشكال اللغوي مع النظر في الاعتراف باللغات الأخرى كالكردية والأمازيغية علمٍا أن الفارسية الحديثة بلورها الفردوسي قرونٍا بعد الفتح الإسلامي لفارس ولا يذكر التاريخ أن العرب وقفوا ضدها.

 

أما قضايا الثقافة فننصحها بأن تنأى بنفسها عنها وتتركها لطبيعتها الحرة تنمو نموٍا طبيعيٍا لا دخل للسلطة فيه. فمن تجاربنا الثقافية الحديثة والمعاصرة لم يخرج علينا طه حسين من مؤتمر قمة! لا ولا جبران ولا توفيق الحكيم ولا الرافعي ولا الشابي ولا إبراهيم العريض ولا خالد الفرج ولا غازي القصيبي… إلخ.

 

لقد ازدهرت الثقافة العربية وكانت في أساس المد القومي العروبي ازدهارٍا طبيعيٍا. وكانت مجلة »الرسالة« مثلاٍ التي كان يصدرها أحمد حسن الزيات ملتقى المثقفين العرب ليس في مصر وحدها وإنما في أقطار المشرق والمغرب… واجتمع حولها مثقفون عرب من سائر الأقطار العربية… وبعد توقفها ظلت مرجعٍا لا غنى عنه لكل من أراد »التأريخ« للثقافة العربية الحديثة… هذا دون أن تكون إصدارٍا من أية جهة رسمية عربية.

 

وربما ذهب بعض المثقفين إلى ضرورة استحداث »الجوائز« الثقافية.

 

إنني اعتقد بأمانـة أن »الجـوائـز« لا يمكن أن تولد ثقافـة مزدهرة… فما أكثر هذه »الجوائز« في حياتنا العربية وأقطارنا العربية. وما أقل ما حققناه من ازدهار ثقافي.

 

وينبغي ألا يكون غياب الحريات الفكرية »حائط مبكى« لبعض المثقفين العرب الذين يستمتعون بالبكاء! الحريات الفكرية مهمة للغاية في حياة الأمم ولكن ينبغي ألا يكون لدينا أي »وهـم« بشأنها فهذه الحريات لن تأتي إليهم مع باقات ورد أو شيكولاته! وإذا جاز لي أن أتحدث عن تجربة جيلي في الكتابة والنشر وقد قلت تقريبٍا معظم ما أعتقد فكرٍا وبحثٍا دون توافر ذلك الجو المثالي من الحريات الفكرية!

 

وثمة مثال عملي بقي راسخٍا في مخيلتي وهو أن كتابات الكاتب العربي بمنزلة شاحنة ضخمة عليه أن ينفذ بها في أزقة الحي ويوصل الشحنة إلى من يهمه أمرهم دون أن يدوس على قدم »شرطي« أو يجرح دجاجة من دجاجات الحي! وكان غازي القصيبي رحمه الله يقول لي إن حيادية الطرح في كتاباتك تحمل رائحة الهواء المعقم في غرف العمليات الجراحية!

 

دكتاتورية الشارع!

 

والمشكلة ليست في دكتاتورية الأنظمة السياسية فحسب المشكلة في دكتاتورية الشارع الذي لا يسمح إلا بالأوهام التي تعشش في ذهنه!

 

وربمـا تمكنت القمة الثقافية من الاتفـاق على بعض التوجهات الفكريـة العامـة كنبـذ »الإرهاب« وتأكيد اعتدال الإسلام وانفتاحه ووسطيته ولكني لا أتصور إنه بمقدورها التطرق إلى جوانب تفصيلية من تلك التوجهات فالقادة العرب بدايةٍ ليسوا سواء في تبنيهم لها وربما كانت قلة منهم تميل حسب أجندتها السياسية إلى عكس ذلك بشكل أو بآخر. (وهذا يعود إلى »مبدأ الإجماع« المعتمد في عمل جامعة الدول العربية أكثر مما يعود إلى مشكلة في القمة الثقافية في حد ذاتها فإن أمكن التغلب على هذا الاعتبار المعرقل أمكن لأغلبية الدول العربية المشاركة في القمة الثقافية العربية التعبير عن توجهاتها الفكرية)

 

ولكن المشكلة ليست هنا. المشكلة أن تلك التوجهات الفكرية العامة وخاصـة فلسـفة »الوسطية« بحاجة إلى إشباع فكري حر بعيد عن الرسميات. ولا أرى في المحيط الثقافي العربي جهدٍا فكريٍا تأصيليٍا باتجاه تبني تلك الفلسفة أو استبعادها.

 

والأفضل طرح تلك التوجهات الفكرية العامة على مفكرين ومثقفين من أهل الاختصاص والخبرة لمناقشتها بحرية والتوصل بشأنها إلى اقتناعات يمكن أن تكون راسخة ولو بعد حين.

 

ومن تجربتي الخاصة في البحث الفكري وقد كانت أطروحتي للدكتوراه تتناول الفكر التوفيقي العربي الحديث والمعاصر في ضوء جذوره التاريخية وواقعه العربي الراهن وصدرت في كتاب »الفكر العربي وصراع الأضداد: تشخيص حالة اللاحسم في الحياة العربية والاحتواء التوفيقي للجدليات المحظورة إصدار المؤسسة العربية للدراسات والنشر ط1 1996« أقول من هذه التجربة وكما هو معروف فالتوفيقية أقرب ما تكون إلى »الوسطية« ولكني لم أعثر على مصادر فكرية بشأنهما تشبع غليل الباحث واكتفيت باجتهادي الفكري الذاتي في دراسة »الظاهرة«. وقد سئمت من تكرار إنني لست من دعاة »التوفيقيـة« ولكني درستها »كظاهرة« سائدة وشائعة في حياتنا العربية وقدمت بشأنها من الشواهد الفكرية ما يدل على ذلك والأمر متروك للمفكرين والقراء العرب جميعٍا للحكم.

 

أما قضايا الفكر الأخرى في المحيط العربي فاعتقادي أنه لن يطرأ زخم فكري بشأنها إلى أن يستجد حدث عربي يهز مشاعر الأمة ويحرك وجدانها وأنه مادمنا بقينا في الوضع الراهن فعلينا ألا نمني النفس بجديد… بقمة ثقافية أو بغيرها!

 

ولكن القمة الثقافية العربية تقدر على إنقاذ ما يمكن إنقاذه بشأن لغتنا العربية كما أشرنا في بداية هذه المقالة. ولله الأمر من قبل ومن بعد.

Share

التصنيفات: ثقافــة

Share