Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

الفن أم الحــــياة¿

كان الطيبب صالح يتضايق في سنواته الأخيرة ممن يسأله عما لديه من نتاج جديد أو عن سبب غيابه عن كتابة روايات جديدة كان من رأي هؤلاء السائلين أن »موسم الهجرة إلى الشمال« وهي عندهم ذروة إبداع الطيب تعود إلى زمن قديم فأين صاحبها اليوم¿ ولماذا هو غائب عن ساحة الوغى أو عن ساحة العطاء فهل جفت قريحته  وتحول إلى روائي سابق.

 

كان الطيب صالح يضيق ضيقا شديدا بمن يسأله مثل هذه الأسئلة ويقول إنه ليس صحيحا أن نتاجه الروائي الوحيد هو روايته »موسم الهجرة إلى الشمال« فله أعمال روائية أخرى كان يعجب لعدم اهتمام النقاد بها كما اهتموا بموسم الهجرة فليست هذه الرواية إذن روايته الوحيدة أما لماذا لا يكتب كل شهرين أو ثلاثة رواية جديدة كما يفعل سواه فلأنه يريد أن يحيا لا أن يكتب فقــــط لا غــــير. فالفن يلتهم الحـــــياة كما كان يقول وهو لا يريد أن يستســـــلم كليه إليه.

 

ويبدو أن فنانين كبار مثل الطيب صالح ولو لم يقولوا صراحة إن الفن يلتهم الحياة كانوا مع هذا المبدأ عمليا لعل أشهرهم المطربة الكبيرة أسمهان فأسمهان التي لو عاشت لكانت بلا ريب منافسة خطرة لنغم مصر الجميل أم كلثوم لم تترك سوى سبعين أغنية لا غير وهو عدد ضئيل بالنسبة لمطربة كبيرة كان يفترض أن تكون مكتبتها الغنائية أكثر بكثير من ذلك.

 

صحيح أنها ماتت في ريعان العمر ولكن هذا السبب لم يكن في واقع الأمر وراء قلة أغانيها فسبب هذه القلة كما يستنتجه من يدقق في سيرتها كان تفضيلها الحياة على الفن لقد فضلت التهام متع الحياة الدنيا على الانصراف إلى أغاني يكتبها لها يوسف بدروس وجليل البنداري وحسين السيد ويلحنها محمد القصبجي وفريد الأطرش فالحياة بما تمور به من ملذات أخذتها بعيدا عن استوديو بيضافون وسواه من استوديوهات تسجيل الأغاني في القاهرة يومذاك.

 

ولعل عبارة »أنا أحيا« وهو عنوان رواية ليلى بعلبكي التي كتبتها وهي صبية ولم تكتب شيئا يذكر بعدها تعبر أفضل تعبير عن مبدأ هؤلاء الفنانيين الذين حطوا لحظة في حديقة الفن ثم طاروا بعد ذلك على عجل إلى حديقة الحياة وكأنهم عندما خيروا بين الحديقتين فضلوا بلا تردد حديقة الحياة حيث لا كد للذهن ولا مطاردة للأفكار ولا رعب في خضرة الكتابة والأدب بل عفوية وبساطة وغب من ينابيع اللذة والجمال وعدم توفر ولو ساعات أو أياما لنقل تجربة حديقتهم على الورق أو على الانترنت بلغة عصرنا وذلك لأن هذه الساعات أو الأيام تسيء إلى مجرى نهر الحياة المتدفق بلا انقطاع وهو نهر لا يصح تركه أبدا.

 

وممن أدركوا هذا المبدأ متأخرين أو غير متأخرين الدكتور يوسف إدريس الذي انصرف في ربع القرن الأخير من حياته إلى الحياة ولم يضيع في أوهام الفن كل عمره ترك القصة القصيرة تذهب مع الريح وتشبث هو بالحياة..
 

 

جهــاد فاضــل

Share

التصنيفات: ثقافــة

Share