Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

مدير مرز التاريخ في‮ ‬جامعة الحديدة لـ»الوحدة‮«:‬الاستقلال مثل شرطاٍ‮ ‬لإعادة تحقيق الوحدة وبناء الدولة‮ ‬الحديثة

‬في‮ ‬صبيحة الـ22‮ ‬من مايو‮ ‬1990م كان الملايين من أبناء الشعب اليمني‮ ‬على موعد مع صوت الرئيس القائد علي‮ ‬عبدالله صالح‮ – ‬رئيس الجمهورية‮ – ‬وهو‮ ‬يلقي‮ ‬بيان إعلان قيام الجمهورية اليمنية بكلمات جسدت أعظم‮ ‬يوم في‮ ‬تاريخ اليمن المعاصر‮ ‬وترجمت قدرة قائد وإرادة شعب‮ ‬وأكد للعالم أجمع حق الشعب اليمني‮ ‬في‮ ‬العيش شعباٍ‮ ‬موحداٍ‮ ‬أبد الدهر‮ ‬وقادراٍ‮ ‬على الدفاع عن ثوابته الوطنية وحقه في‮ ‬الحرية والاستقلال والوحدة مهما كان حجم المخططات والمؤامرات‮ ‬كما قام برفع علم الجمهورية على السارية نفسها التي‮ ‬أنزل البريطانيون علمهم منها‮.‬
في‮ ‬صباح الـ30‮ ‬من نوفمبر‮ ‬1967م أعلن الرئيس قحطان الشعبي‮ ‬استقلال جنوب الوطن وقيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية ليصبح هذا اليوم عيداٍ‮ ‬وطنياٍ‮ ‬لأبناء الشعب اليمني‮ ‬وفي‮ ‬الساعة الثانية ظهراٍ‮ ‬من اليوم نفسه رحل آخر جندي‮ ‬بريطاني‮ ‬من ثغر اليمن الباسم‮ »‬عدن‮« ‬بعد احتلال استمر حوالي‮ ‬129‮ ‬عاماٍ‮ ‬بإرادة وطنية ونضالية ساهمت في‮ ‬توحيد‮ ‬22‮ ‬سلطنة ومحمية في‮ ‬6‮ ‬محافظات‮.. ‬وفي‮ ‬هذا السياق وبمناسبة الاحتفال بالذكرى الـ43‮ ‬للاستقلال الوطني‮ ‬الذي‮ ‬مثل أحد أهم أهداف الثورة اليمنية المباركة التقينا الدكتور جمال النظاري‮ – ‬أستاذ التاريخ اليمني‮ ‬الحديث والمعاصر المشارك‮ – ‬مدير مركز التاريخ والآثار والمخطوطات بجامعة الحديدة‮.. ‬فإلى الحصيلة‮:‬
حاوره‮/ ‬عبده حسين الأكوع
‮> ‬ماذا عن اتفاقية الحدود الاستعمارية المصطنعة التي‮ ‬وقعها البريطانيون والعثمانيون وعرف الوطن اليمني‮ ‬بموجبها الانقسام لأول مرة في‮ ‬تاريخه¿‮ ‬
‮>> ‬كما‮ ‬يعرف الجميع أن زيادة التنافس الاستعماري‮ ‬ورغبته في‮ ‬السيطرة على موقع اليمن لأهميته الاستراتيجية دفعت الاستعمار البريطاني‮ ‬للسعي‮ ‬بخطى حثيثة لبسط سيطرته وامتلاك الأجزاء الجنوبية من اليمن كافة وبالرغم من ذلك فقد كان‮ ‬يخشى الوجود العثماني‮ ‬التركي‮ ‬التوسعي‮ ‬في‮ ‬الأجزاء الشمالية وقدرته على كسب اليمنيين مستغلاٍ‮ ‬العامل الديني‮ ‬لطردهم من عدن وانطلاقاٍ‮ ‬من ذلك التخوف الذي‮ ‬ظل قائماٍ‮ ‬منذ‮ ‬1872م وحتى‮ ‬يناير‮ ‬1902م سعت الحكومة البريطانية للتقرب من الدولة العثمانية وتمكنها من بلوغ‮ ‬غايتها بعد تشكيل لجنة مشتركة بين الطرفين استمرت أعمالها حتى عام‮ ‬1904م حيث توصلت اللجنة إلى اتفاق ترسيم الحدود ليتم توقيع اتفاقية ترسيم واختلاق حدود مصطنعة في‮ ‬الوطن اليمني‮ ‬الكبير عام‮ ‬1904م‮ ‬, حيث عرف اليمن لأول مرة في‮ ‬تاريخه الانقسام‮.‬
ومع حلول القرن العشرين أصبح اليمن مفككاٍ‮ ‬سياسياٍ‮ ‬إلى شطرين وما زاد الأمر سوءاٍ‮ ‬انقسام الجزء الجنوبي‮ ‬إلى عدد من الإمارات والسلطنات والمشيخات العشائرية‮ – ‬الإقطاعية التي‮ ‬تعاني‮ ‬أوضاعا مضطربة من جراء جملة من العوامل والخصومات التي‮ ‬كانت في‮ ‬الغالب تؤدي‮ ‬إلى صدامات مسلحة‮.‬
أيضاٍ‮ ‬مع خروج تركيا العثمانية مهزومة خلال الحرب العالمية الأولى أصبحت ممتلكاتها من نصيب بريطانيا وبموجب ذلك كانت اليمن كافة من حقها إلا أن العثمانيين أسرعوا بتسليم الأجزاء الشمالية الخاضعة لسيطرتهم للإمام‮ ‬يحيى محمد حميد الدين ليدخل صنعاء عام‮ ‬1918م وليعلن حقه في‮ ‬إقامة مملكته في‮ ‬عموم اليمن ودفعه ذلك للدخول في‮ ‬مواجهات‮ ‬غير متكافئة مع بريطانيا والاعتراف بالأمر الواقع من خلال الاتفاق الذي‮ ‬عقده مع بريطانيا عام1934م في‮ ‬صنعاء حيث اعترف بموجبها باتفاقية ترسيم الحدود التي‮ ‬تمت بين بريطانيا وتركيا العثمانية, إلا أنه ظل‮ ‬يدعو بحقه في‮ ‬ضم الإمارات والسلطنات والمشيخات الواقعة على حدوده واستمرت تلك الدعوة الوحدوية بعده, كما كان للنظام الجمهوري‮ ‬في‮ ‬شمال اليمن دوره في‮ ‬الدعوة إلى جلاء الاستعمار ووحدة الوطن اليمني‮ ‬أرضاٍ‮ ‬وشعباٍ‮.‬
وعلى الرغم من الاتفاق الذي‮ ‬عقد بين الإمام‮ ‬يحيى وبريطانيا إلا أن الأول ظل‮ ‬يدعو إلى ضم الإمارات والسلطنات والمشيخات الجنوبية‮ (‬المحميات‮) ‬التي‮ ‬أعتبرها الإنجليز ضمن حدود حقوقها وفي‮ ‬إطار محمياتها وفقاٍ‮ ‬للاتفاقيات والمعاهدات المبرمة مع بعض سلاطينها وأمرائها ومشائخها واستمر الأمر كذلك بين مد وجزر وصراع دائم واشتباكات واعتداءات مستمرة من قبل بريطانيا على المناطق الحدودية مستهدفاٍ‮ ‬المدن والقرى الرافضة للوجود البريطاني‮ ‬من إمارات وسلطنات ومشيخات الجنوب اليمني‮ ‬المحتل مااضطر المملكة المتوكلية اليمنية إلى عرض قضية الجنوب اليمني‮ ‬على جامعة الدول العربية ومطالبتها باتخاذ حلول من شأنها أن تخدم مصالح اليمن وإعادة وحدته‮.‬
كما أن استمرار العدوان البريطاني‮ ‬على اليمن بشطريه جنوبه وشماله أخذ‮ ‬يتنامى بوتائر عالية وبصورة لم‮ ‬يسبق لها مثيل وبرغم موقف جامعة الدول العربية‮ ‬إلا أن الواقع ترجم الوضع بصورة أكثر جدية ليصبح الأمر مناطاٍ‮ ‬بأبناء الشعب اليمني‮ ‬الذين أكدوا على ضرورة صد العدوان البريطاني‮ ‬وإجباره على التخلي‮ ‬عن أراضيهم برفع وتيرة المقاومة المسلحة لما من شأنها تحقيق نتائج إيجابية مثمرة ولن‮ ‬يتأتى لهم ذلك بصورة فاعلة ما لم تقم الدول العربية بدعم ومساندة حركتهم النضالية التحررية بالعدة والعتاد‮ ‬واعتبار معركة الشعب اليمني‮ ‬مع الاستعمار البريطاني‮ ‬هي‮ ‬معركة العرب جميعاٍ, لاسيما وأن الاستعمار البريطاني‮ ‬كان‮ ‬يدرك تماماٍ‮ ‬أن اليمن بموقعها الاستراتيجي‮ ‬الهام تشكل الخلفية الاستراتيجية والقاعدة الهامة للوطن العربي‮ ‬وأي‮ ‬ضعف أو خلل فيها‮ ‬يعني‮ ‬ضعف العرب عموماٍ‮ ‬طالما بقى الاستعمار البريطاني‮ ‬مسيطراٍ‮ ‬على ذلك الجزء من الوطن العربي‮ ‬فإن ظهر العرب سيظل مكشوفاٍ‮ ‬ويسهل فرض الهيمنة والسيطرة عليه ويمكن المستعمر من إحكام قبضته على الدول العربية ويعزز خطوطه الدفاعية ويربط مشاريعه الاستعمارية ببعضها في‮ ‬البلاد العربية الشمالية وافريقيا‮.‬
في‮ ‬الوقت الذي‮ ‬كانت المناوشات والتحرشات الحدودية قائمة بين الطرفين حاولت السلطات البريطانية طمأنة نفسها إثر اتفاق صنعاء‮ ‬1934م, إلا أن القلق عاد إثر مقتل الإمام‮ ‬يحيى عام‮ ‬1948م وتولي‮ ‬إبنه أحمد الحكم الذي‮ ‬لم‮ ‬يأت بجديد في‮ ‬مسألة علاقاته معها بل سعى وبصور مختلفة وغير مباشرة إلى مساندة الانتفاضات التي‮ ‬كانت تقوم بين الحين والآخر في‮ ‬مناطق المحميات مستغلاٍ‮ ‬علاقاته بمصر والاتحاد السوفيتي‮. ‬كما برز تشدده واضحاٍ‮ ‬من قيام الاتحاد الفدرالي‮ ‬ويرجع ذلك إلى خشيته من أن‮ ‬يؤدي‮ ‬قيامه إلى التقليل من نفوذه من ناحية وتشكيل قوة جذب لمواطني‮ ‬الأجزاء الشمالية التابعة لحكمه والمحاذية لتلك المحميات من ناحية ثانية فاندفع للاستعانة بجامعة الدول العربية والأمم المتحدة ودعوتها إلى اتخاذ موقف من شأنه استعادة وحدة الأراضي‮ ‬اليمنية إلا أن الوجود الاستعماري‮ ‬البريطاني‮ ‬كان‮ ‬يدرك أن النظام الإمامي‮ ‬لا‮ ‬يمثل ذلك التهديد الذي‮ ‬يمكن أن‮ ‬يمثله النظام الجمهوري‮ ‬الذي‮ ‬قام في‮ ‬شمال اليمن في‮ ‬26سبتمبر‮ ‬1962م ودوره الفاعل في‮ ‬دعم الحركة الوطنية في‮ ‬الجنوب اليمني‮ ‬المحتل والتي‮ ‬تؤمن بضرورة إزالة الاستعمار وتحقيق الوحدة اليمنية‮.‬
مخطط هادف
‮> ‬ما هي‮ ‬الأسباب التي‮ ‬دفعت بريطانيا إلى تأسيس الاتحاد الفدرالي‮ ‬في‮ ‬الثلاثينات¿
‮>> ‬سعت بريطانيا ومنذ مطلع الثلاثينات من القرن العشرين إلى فكرة تأسيس الاتحاد الفدرالي‮ ‬بهدف تكوين جبهة من مناطق ومحميات الجنوب للدفاع عن الحدود الفاصلة بين شطري‮ ‬اليمن وجعل عدن عاصمة لها‮. ‬كما أن هدف بريطانيا من تأسيس الاتحاد تنفيذ مخططها الرامي‮ ‬إلى عزل جنوب اليمن عن شماله وبذلك تكون بريطانيا قد تمكنت من تحقيق الآتي‮:-‬
1‮- ‬تحقيق أهدافها في‮ ‬تكريس وفرض هيمنتها والسيطرة المباشرة على المناطق الداخلية من البلاد بما‮ ‬يحقق مصالحها السياسية‮.‬
2‮- ‬مواجهة النظام القائم في‮ ‬شمال اليمن وقطع الطريق عليه وعدم تمكينه من تحقيق مكاسب دبلوماسية في‮ ‬ضم المحميات‮.‬
3‮- ‬القضاء على مطالب الأئمة ودعوتهم إلى وحدة اليمن جنوبه وشماله من ناحية وبعهدها عن الصراع الذي‮ ‬سيكون دخل أسرة حميد الدين وحدها
4‮- ‬التخلص من المطالب الوطنية ممثلة بالأحزاب السياسية والنقابات العمالية التي‮ ‬ظهرت في‮ ‬الجنوب المحتل‮ ‬وأصبحت تشكل خطراٍ‮ ‬على قاعدتها في‮ ‬عدن خصوصاٍ‮ ‬بعد قيام النظام الجمهوري‮ ‬والذي‮ ‬كان من بين أهداف ثورته الوحدة اليمنية‮.‬
كما أن قيام الاتحاد الفدرالي‮ ‬يعني‮ ‬أنه أصبح الممثل الشرعي‮ ‬لأبناء الجنوب ومن خلاله ستتمكن بريطانيا من عقد الاتفاق مع حكومة الاتحاد بما‮ ‬يمنحها الشرعية لوجودها لاسيما بعد ضم عدن للحكومة الفدرالية وجعلها عاصمة له‮.‬
محط أنظار الأمة
‮> ‬ماذا عن موقف الجامعة العربية من اليمن في‮ ‬تحقيق الاستقلال والوحدة على المستوى القومي‮ ‬والأممي¿ والنتائج التي‮ ‬تمخضت عنها هذه الجهود¿
‮>> ‬منذ أن تأسست الجامعة العربية عام‮ ‬1945م عنيت بقضية اليمن ووحدته وظلت كذلك مع قيام النظام الجمهوري‮ ‬في‮ ‬شمال اليمن‮ ‬, كما ظل موقفها ثابتاٍ‮ ‬من مسألة وحدة اليمن عقب استقلال الجنوب اليمني‮ ‬المحتل وإعلان قيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية, حيث كانت تدرك أن اليمن تشكل بوابة رئيسية للوطن العربي‮ ‬وتحتل موقعاٍ‮ ‬إستراتيجياٍ‮ ‬ومحط أنظار الأمة العربية, ولذلك استمرت في‮ ‬تبني‮ ‬القضية اليمنية ووحدة شطري‮ ‬اليمن ليس على المستوى القومي‮ ‬فحسب بل وعلى المستوى الأممي‮ ‬وفي‮ ‬جميع المحافل الدولية وهيئة الأمم المتحدة وتنادي‮ ‬بضرورة جلاء الاستعمار البريطاني‮ ‬وحق الشعب اليمني‮ ‬في‮ ‬تقرير مصيره ووحدة أراضيه‮.‬
وفي‮ ‬ضوء ما سبق عْرض النزاع اليمني‮ ‬البريطاني‮ ‬حول عدن والمحميات على مجلس الجامعة العربية, منذ تأسيسها, وفي‮ ‬17ديسمبر‮ ‬1956م قدم الوزير المفوض للمملكة المتوكلية اليمنية في‮ ‬القاهرة خلال زيارته للأمين العام المساعد للجامعة‮ ((‬السيد أحمد الشقيري‮)) ‬تقريراٍ‮ ‬عن تطور الأحداث والعدوان المستمر للاستعمار البريطاني‮ ‬وكان ذلك التقرير من بين العديد من التقارير التي‮ ‬قدمتها الحكومة اليمنية وطالبت الجامعة بضرورة اتخاذ موقفُ‮ ‬واضح وفاعل من أحداث اليمن الأمر الذي‮ ‬دفع الأمانة العامة للجامعة العربية إلى دعوة جميع الدول العربية إلى التكاتف واتخاذ الإجراءات اللازمة خصوصا وأن اليمن تعتبر من الدول المؤسسة للجامعة وفي‮ ‬جلسة الجامعة المنعقدة في‮ ‬30مارس‮ ‬1957م وافق مجلس الجامعة على توصيتين من لجنة الشئون السياسية تمثلت, بإيفاد بعثة من الدول الأعضاء والأمانة العامة إلى اليمن لمشاهدة الأحداث وآثار الاعتداءات البريطانية عن كثب‮ ‬والتوصية الثانية تحديد موعد سفر البعثة والذي‮ ‬حدد بيوم الثلاثاء الثاني‮ ‬من إبريل‮ ‬1957م برئاسة الأمين العام المساعد أحمد الشقيري‮ ‬وخلال الفترة من الثالث من إبريل وحتى العاشر من إبريل من نفس العام زارت البعثة العديد من المدن اليمنية والتقت بالعديد من المواطنين والشخصيات الوطنية وبعض سلاطين وأمراء ومشائخ المناطق الجنوبية‮ ‬والتي‮ ‬أطلق عليها بـ(المحميات‮) (‬اتحاد الجنوب العربي‮)‬, كما التقت البعثة ببعض رجال حكومة المملكة المتوكلية اليمنية بما فيهم ولي‮ ‬عهدها ووزير خارجيتها‮ ‬واختتمت البعثة زيارتها ووصلت إلى القاهرة‮ ‬يوم الجمعة الثاني‮ ‬عشر من أبريل‮ ‬1957م لتعقد اجتماعها بدار الأمانة العامة‮ ‬يوم الأحد الرابع عشر من أبريل لإعداد مشروع التقرير الذي‮ ‬قدم إلى اللجنة السياسية التي‮ ‬وافقت عليه وكلفت الدكتور السيد نوفل وممثل الجمهورية اللبنانية ملازم أول منير سردوك والأستاذ أحمد محمد الشامي‮ ‬مستشار حكومة المملكة المتوكلية اليمنية بمفوضية اليمن بالقاهرة البعثة في‮ ‬رحلتها وتم إقرار التقرير كما هو وقد جاء مؤكداٍ‮ ‬للتقرير الذي‮ ‬قدمته المملكة المتوكلية اليمنية لجامعة الدول العربية‮ ‬فخرجت البعثة بنتائج وتوصيات عديدة تلخص أهمها وأبرزها في‮ ‬التعبير عن رؤية البعثة من الناحية السياسية وضرورة رسم سياسة تفصيلية محددة تتعاون من خلالها الدول العربية الأعضاء في‮ ‬الجامعة العربية على تنفيذها في‮ ‬المحيط العربي‮ ‬وعلى المستوى الدولي‮.‬
واتخذ مجلس الجامعة عدداٍ‮ ‬من القرارات المؤيدة لنتائج البعثة ولمطالب المملكة المتوكلية اليمنية في‮ ‬قضيتها العادلة ضد الاستعمار البريطاني‮ ‬بما فيها محاولته إقامة الاتحاد الفدرالي‮ ‬الذي‮ ‬تم تدشينه في‮ ‬عدن أوائل فبراير1959م حيث أخذت بعين الاعتبار الأسباب والأهداف البريطانية من إقامة الإتحاد‮.‬
وتابعت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية تطورات الأحداث في‮ ‬الجنوب اليمني‮ ‬المحتل ومن خلال مكاتبها في‮ ‬الخارج سعت لبذل كل ما بوسعها لنشر القضية اليمنية وإيضاح الوجه البشع للاستعمار وأثارت الرأي‮ ‬العام العالمي‮ ‬من خلال دور الوفد الدائم للجامعة العربية في‮ ‬الأمم المتحدة ولجانها الفرعية‮ ‬وإجراء اتصالات برؤساء الوفود العالمية لإقناعها بعدوانية موقف بريطانيا وتحديها لقرارات الأمم المتحدة في‮ ‬عدن والإمارات الأخرى‮ (‬محميات‮) ‬وعدم صحة ادعائها‮.‬
ونتيجة للإجراءات والدور الفعال الذي‮ ‬قامت به جامعة الدول العربية في‮ ‬الأمم المتحدة والدور الفردي‮ ‬للدول العربية ومساعيها بين وفود دول العالم استعرضت لجنة تصفية الاستعمار التابعة للأمم المتحدة قضية الجنوب اليمني‮ ‬المحتل‮ ‬وفي‮ ‬14‮/‬5‮/‬1965م قدمت إحدى عشرة دولة آسيوية وأفريقية مشروع القرار بدعوة بريطانيا إلى إجراء انتخابات عامة تمهيداٍ‮ ‬لإعلان الاستقلال وتصفية القاعدة البريطانية في‮ ‬عدن, وعلى الرغم مما قامت به لجنة تصفية الاستعمار منذ أن وضعت قضية جنوب اليمن المحتل أمامها حددت موقفها من خلال توصياتها وقراراتها وزيارتها لعدن وانسحابها قبل إكمال مهمتها جراء قيام بريطانيا بإعاقة عملها والحيلولة دون لقائها بأبناء الشعب اليمني‮ ‬في‮ ‬الجنوب المحتل, واستطاعت بريطانيا أن تتحايل وتراوغ‮ ‬بتأثير وضعها الدولي‮ ‬من ناحية وتحالف الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية الاستعمارية الأخرى ذات المصالح المشتركة معها من ناحية ثانية مما ترتب على ذلك أوضاع ونتائج أخرى كان من أهمها‮:-‬
أ‮ – ‬التأييد العربي‮ ‬والمواقف المساندة للشعوب المتحررة وحركات التحرر العالمية‮.‬
ب‮- ‬الدعم والمساندة من قيادة الثورة في‮ ‬شمال اليمن‮.‬
جـ‮- ‬اشتداد المقاومة المسلحة‮ ‬, التي‮ ‬جعلت بريطانيا تدرك أنه لا مفر أمامها من سحب قواتها وتصفية قاعدتها‮.‬
د‮- ‬كان للدعم والمساندة من قيادة ثورة السادس والعشرين من سبتمبر1962في‮ ‬شمال اليمن أثره الواضح بالرغم من الوضع الذي‮ ‬كان‮ ‬يعانيه النظام الجمهوري‮ ‬إلا أن قيادته حاولت حل المشاكل داخل صفوف الحركة الوطنية في‮ ‬الجنوب اليمني‮ ‬حتى‮ ‬يقطع الطريق أمام الاستعمار البريطاني‮ ‬ومحاولاته استثمار الوضع والسعي‮ ‬لشل حركة النضال وللحيلولة دون ذلك وفي‮ ‬مناسبات عديدة كان المشير عبد الله‮ ‬يحيى السلال قائد ثورة سبتمبر في‮ ‬الشمال دائماٍ‮ ‬يدعو لأهمية التعاضد والتكاتف بين جبهات النضال في‮ ‬جنوب اليمن ويشدد على أهمية ذلك‮ ‬, وفي‮ ‬أحد خطاباته أشار الى أهمية قضية الجنوب اليمني‮ ‬المحتل قائلا‮:”‬إن ثورتكم العظيمة ماضية بعزم أكيد لتطهير الجنوب اليمني‮ ‬المحتل من أيدي‮ ‬الغاصبين وأن بريطانيا ليس أمامها إلا الرحيل‮ ‬, لقد اضطرت بريطانيا إلى إعلان انسحابها من الجنوب اليمني‮ ‬المحتل عام‮ ‬1968م نتيجة الكفاح الشريف لأحرار الجنوب ولن‮ ‬يثنينا هذا الإعلان أو محاولات الضغط الاقتصادي‮ ‬عن استمرار النضال من أجل الحرية حتى‮ ‬يتحرر شعبنا في‮ ‬الجنوب من الاستعمار وأعوانه وأذنابه‮”.‬
دور نضالي
‮> .. ‬هل بالإمكان أن تلخص لنا موقف بريطانيا من مفاوضات جنيف‮.. ‬والدور النضالي‮ ‬والسياسي‮ ‬الذي‮ ‬خطط له الثوار من رجال الحركه الوطنية‮ ‬وما هي‮ ‬النتائج التي‮ ‬تمخضت عنها¿
‮>> ‬بدأت السلطات البريطانية تشعر بشدة المقاومة المسلحة ضدها فقد أعلن متحدث عسكري‮ ‬بريطاني‮ ‬أن القوات البريطانية تتعرض للقصف الشديد بقنابل البازوكا والهاون‮.. ‬مشيراٍ‮ ‬الى أن الثوار شنوا خلال‮ ‬24ساعة‮ ‬8‮ ‬هجمات مركزة على جنودهم ومواقعهم العسكرية ونقاط التفتيش خلال شهر أغسطس‮ ‬1967م كثف الثوار نشاطهم وهجماتهم ضد القوات البريطانية في‮ ‬عدن وتوسعوا في‮ ‬المحميات‮ ‬وانطلاقاٍ‮ ‬من تطور الأحداث أشار المراقبون السياسيون في‮ ‬لندن إلى أن الدوائر الرسمية البريطانية تعلم بأن اتحاد الجنوب العربي‮ ‬يواجه نهايته ولكنها تخفي‮ ‬ذلك خشية أن‮ ‬يؤثر الأمر على مباحثات لجنة تصفية الاستعمار الخاصة بعدن في‮ ‬جنيف‮. ‬من خلال تطورات الأحداث في‮ ‬الجنوب اليمني‮ ‬المحتل وشدة ضغط حركات التحرر الوطني‮ ‬في‮ ‬العالم ودور الأمم المتحدة والخسائر الفادحة المأساوية والبشرية التي‮ ‬منيت بها من القوات الوطنية في‮ ‬الجنوب اليمني‮ ‬دفعها للتعجيل بالانسحاب الذي‮ ‬تم عبر مراحل المفاوضات‮.‬
كما بدأت أيضاٍ‮ ‬بسحب القوات من الحرس الإيرلندي‮ ‬في‮ ‬الثاني‮ ‬من أغسطس‮ ‬1967م في‮ ‬حين أعلن ناطق عسكري‮ ‬أن انسحاب آخر جندي‮ ‬بريطاني‮ ‬من عدن سيتم في‮ ‬موعد أقصاه‮ ‬9يناير‮ ‬1968م وفقاٍ‮ ‬للاتفاق مع الأمم المتحدة وهو موعد استقلال الجنوب اليمني‮ ‬وفي‮ ‬السابع من أغسطس‮ ‬1967م سلمت بريطانيا ميناء عدن الذي‮ ‬يعد عماد اقتصاد الجنوب اليمني‮ ‬إلى إدارة‮ ‬يمنية للمرة الأولى بالرغم من بقاء عدد من البريطانيين الذين‮ ‬يشغلون مناصب فنية مهمة فيه ووفقاٍ‮ ‬للاتفاق مع الأمم المتحدة في‮ ‬الاستقلال من الجنوب التي‮ ‬أعلنت بريطانيا بأنها ستبدأ بجلاء قواتها العسكرية من عدن‮ ‬يوم الجمعة الموافق‮ ‬22‮/‬8‮/‬1967م على أن‮ ‬يتم الجلاء التام في‮ ‬التاسع من‮ ‬يناير‮ ‬1968م‮.‬
فيما شدد رئيس الوزراء البريطاني‮ (‬هارولد ولسون‮) ‬في‮ ‬مجلس العموم البريطاني‮ ‬على ضرورة الإسراع في‮ ‬الجلاء قائلاٍ‮:” ‬إننا نريد أن نتعامل مع حكومة في‮ ‬الجنوب العربي‮ ‬تحظى بتأييد الشعب كله‮” ‬وفي‮ ‬الوقت نفسه أبلغ‮ ‬الوزير البريطاني‮ ‬جورج كروان مجلس العموم في‮ ‬لندن في‮ ‬التاسع عشر من نوفمبر‮ ‬1967م أن بريطانيا ستفتح باب المحادثات مع الجبهة القومية في‮ ‬جنيف‮ ‬20‮/‬11‮/‬1967م وسيتم تكليف اللورد شاكلتون لرئاسة وفد بريطانيا كما سيتم انسحاب القوات البريطانية بحلول‮ ‬30نوفمبر1967م مضيفا أن الجبهة القومية هي‮ ‬التي‮ ‬اقترحت موعد بداية المفاوضات‮.‬
و تم تشيكل وفد الجبهة القومية برئاسة قحطان محمد الشعبي‮ ‬وعضوية سبعة أعضاء وأثني‮ ‬عشر مسشاراٍ‮ ‬وتقرر بداية المحادثات في‮ ‬21‮/‬11‮/‬1967م تستمر عشرة أيام بالرغم من الخلافات التي‮ ‬رافقت المفاوضات حول الجانب المالي‮ ‬والتمسك ببعض الجزر اليمنية والتوقف ليوم واحد‮ ‬25‮/‬11‮/‬1967م سافر رئيس الوفد البريطاني‮ ‬شاكلتون لعرض موضوع الخلاف على حكومته لاسيما وأن وفد الجبهة القومية أصر على تمسكه بوحدة بلاده وجزرها وفقاٍ‮ ‬لقرارات الأمم المتحدة‮. ‬واستؤنفت المفاوضات‮ ‬يوم‮ ‬26‮/‬11‮/‬1967م وبالرغم من السرية التامة التي‮ ‬رافقتها وإصرار الوفدين على عدم التصريح بالصعوبات فقد تسربت بعض المعلومات عن الجزر وحجم المبلغ‮ ‬المالي‮ ‬ففي‮ ‬حين كانت تراه بريطانيا نوعاٍ‮ ‬من المساعدة كان وفد الجبهة‮ ‬ينظر إليه تعويضاٍ‮ ‬بسيطاٍ‮ ‬عن استغلال بريطانيا لخيرات الجنوب وثرواته الاقتصادية‮.‬
وبالرغم من النقاش والجدل المتبادل بين الوفدين اتفق الطرفان على نقل السلطة رسمياٍ‮ ‬مع منتصف ليل‮ ‬29‮/‬11‮/‬1967م ليعلن عن قيام جمهورية مستقلة أطلق عليها اسم جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية‮.‬
في‮ ‬صباح‮ ‬يوم التاسع والعشرين من نوفمبر‮ ‬1967م‮ ‬غادر السيد همقري‮ ‬تريلفيان‮ (‬المندوب السامي‮ ) ‬البريطاني‮ ‬عدن نهائياٍ‮ ‬, تاركاٍ‮ ‬من‮ ‬ينوب عنه حتى إكمال الانسحاب النهائي‮ ‬للقوات البريطانية‮ ‬, وفي‮ ‬نفس اليوم أبلغت بريطانيا الأمم المتحدة أنها ستغادر عدن في‮ ‬منتصف هذه الليلة وصباح‮ ‬يوم الثلاثين من نوفمبر نفس العام أعلن الاستقلال وقيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية‮ ‬, وفي‮  ‬تمام الساعة الثانية ظهراٍ‮ ‬من نفس اليوم‮ ‬غادر أخر جندي‮ ‬بريطاني‮ ‬عدن‮ ‬, لينتهي‮ ‬بذلك الوجود البريطاني‮ ‬في‮ ‬الجنوب اليمني‮ ‬بعد أن ظل قرابه مائة وتسعة وعشرين عاماٍ‮ . ‬ليصبح هذا اليوم عيداٍ‮ ‬وطنياٍ‮ ‬لأبناء الشعب اليمني‮ . ‬
يوم الاستقلال
‮> ‬ماهي‮ ‬أهم المحاور التي‮ ‬أكد عليها‮  ‬الرئيس المناضل قحطان محمد الشعبي‮ ‬في‮ ‬خطابه بمناسبة الاستقلال¿
‮>> ‬في‮ ‬الثلاثين من نوفمبر‮ ‬1967م القى رئيس الجمهورية قحطان محمد الشعبي‮ ‬بيان الاستقلال في‮ ‬الاحتفال باليوم الأول للاستقلال وجلاء الاستعمار البريطاني‮ ‬من الجنوب اليمني‮ ‬المحتل عقب تولية رئاسة الجمهورية‮ ‬مؤكدا في‮ ‬حديثه على‮ : ‬
‮- ‬سيادة بلاده الكاملة على كافة أجزائها مناشدا الشعب والقوات المسلحة اليقظة للحفاظ على مكاسب الثورة التي‮ ‬حققها الشعب بكفاحه ودمائه‮ .-‬معاملة جميع المواطنين على قدم المساواة في‮ ‬الحقوق والواجبات وتوفير حياة آمنة لأبناء الوطن ضمانا لمستقبلهم وأمنهم‮ .- ‬العمل على حماية الجاليات الاجنبية وممتلكاتهم وحريتهم وتلبية متطلباتهم‮..- ‬إيمانه بالوحدة الطبيعية لليمن والسعي‮ ‬بكافة الوسائل لتحقيق هذا الهدف الكبير‮ . ‬
‮-‬الإيمان بالجامعة العربية والعمل على توطيد العلاقة مع الدول العربية الشقيقة وإفساح المجال للتعاون معها في‮ ‬مختلف المجالات‮..- ‬العمل على توطيد العلاقات مع دول‮  ‬العالم‮  ‬الثالث المتحرر والمتطلع إلى التقدم‮ ‬ودعمه للشعوب التي‮ ‬ما زالت تخضع لنير الاستعمار بشكليه القديم والحديث‮ . ‬
‮- ‬واختتم خطابه بشكر مصر ورئيسها جمال عبد الناصر على كافة أنواع المساعدات والدعم‮ ‬غير المحدود لنضال الشعب اليمني‮ ‬في‮ ‬سبيل الحرية والاستقلال‮ . ‬
ومنذ اليوم الأول لإعلان قيام الجمهورية الجديدة توالت الاعترافات الدولية‮ ‬, كما أعلن الدكتور سيد نوفل الأمين العام المساعد للجامعة العربية طلب جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية الانضمام لجامعة الدول العربية في‮ ‬الثاني‮ ‬من ديسمبر‮ ‬1967م‮. ‬ووفقاٍ‮ ‬لذلك الطلب من الرئيس قحطان محمد الشعبي‮ ‬طلبت الأمانة العامة للجامعة العربية من حكومات الدول العربية الأعضاء إبداء رأيها لتحديد موعد لانعقاد مجلس الجامعة للنظر في‮ ‬ذلك الطلب‮ ‬, وفي‮ ‬السابع من ديسمبر‮ ‬1967م‮ ‬غادر وزير الخارجية سيف أحمد الضالعي‮ ‬عدن إلى نيويورك بهدف تقديم طلب للانضمام الى عضوية الأمم المتحدة‮ ‬, حيث وافق مجلس الأمن على الطلب في‮ ‬الثاني‮ ‬عشر من ديسمبر‮ ‬1967م كما رحبت الجمعية العامة بانضمام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية بصفتها الدولة الثالثة والعشرين بعد المائة وبدون أي‮ ‬اعتراض في‮ ‬الرابع والعشرين من ديسمبر‮ ‬1967م‮ .‬‮ ‬
مطلب أساسي
‮> ‬ما هي‮ ‬أسباب نشوب الخلاف والصراع الذي‮ ‬أدى إلى اندلاع المواجهات المسلحة بين شطري‮ ‬الوطن اليمني‮ ‬آنذاك¿ وما هي‮ ‬المساعي‮ ‬التي‮ ‬كرست لتوحيد الشطرين وإعادة اليمن إلى سابق عهده‮ »‬موحداٍ‮ ‬أرضاٍ‮ ‬وانسانا«¿
‮>> ‬عقب جلاء الاستعمار البريطاني‮ ‬في‮ ‬30نوفمبر‮ ‬1967م وإعلان استقلال جنوب اليمن المحتل و قيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية وإتخاذها الخط الإشتراكي‮ ‬الماركسي‮ ‬نهجاٍ‮ ‬لمسيرتها‮  ‬أسفر ذلك عن حدوث توتر بين النظامين في‮ ‬شطري‮ ‬الوطن‮ ‬وما ضاعف الأمر حده تدخل قوى خارجية أسهمت في‮ ‬إثارة الصراع لا سيما وأنها أسهمت بخلق الثغرات الطائفية والقبلية مما وسع من هوة الخلاف بين الأخوة في‮ ‬الوطن اليمني‮ ‬لتندلع أولى المواجهات العسكرية المسلحة بينهما في‮ ‬الثاني‮ ‬من أكتوبر‮ ‬1972م التي‮ ‬سرعان ما توقفت وتمكنت جامعة الدول العربية من أن تلعب دوراٍ‮ ‬إيجابياٍ‮ ‬في‮ ‬تطويق مسألة الحرب المندلعة بين الأشقاء وتسوية الخلاف والتوفيق بين قيادتي‮ ‬الشطرين‮ ‬, وعلى ضوء ذلك شكل مجلس الجامعة العربية‮ (‬لجنة التوفيق‮) ‬من الدول العربية الآتية‮ : ‬الجزائر‮ ‬سوريا‮ ‬الكويت‮ ‬ليبيا‮ ‬ومصر‮ ‬وباشرت اللجنة مساعيها في‮ ‬البحث عن الأسباب التي‮ ‬أدت إلى نشوب ذلك الخلاف وأهمية الخروج بتدابير ضرورية لإزالة أسباب التوتر والتزام قيادتي‮ ‬اليمن بضرورة سحب قواتهما وإعادتهما إلى مواقعها السابقة وإيقاف الحملات الإعلامية ودعوة الطرفين إلى الالتقاء في‮ ‬القاهرة لتسوية المسائل المتعلقة بالنزاع بين الشطرين وبإشراف جامعة الدول العربية‮ .. ‬وعلى إثر النتائج التي‮ ‬خرجت بها لجنة التوفيق تم تشكيل وفدين من كبار الشخصيات في‮ ‬شطري‮ ‬اليمن للخروج بحلول عملية بعيدة عن الصدامات العسكرية بين الإخوة‮ ‬وفي‮ ‬13أكتوبر‮ ‬1972م التقى‮  ‬الوفدان في‮ ‬القاهرة وترأس وفد شمال الوطن الأستاذ محسن العيني‮ ‬رئيس مجلس الوزراء فيما ترأس وفد جنوب الوطن الأستاذ علي‮ ‬ناصر محمد رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع حيث ناقشوا الأسباب التي‮ ‬أدت إلى أندلاع المواجهة المسلحة بينهما وضرورة العمل على إزالة أسبابها والتي‮ ‬كان من أهمها مسألة التشطير وضرورة أن تتجه قيادتا الشطرين لدراسة وتنفيذ مسألة الوحدة اليمنية التي‮ ‬تعد بمثابة المطلب الأساسي‮ ‬والرئيسي‮ ‬لأبناء الشعب اليمني‮ ‬بعد عقد المؤتمر الأول في‮ ‬13‮ ‬أكتوبر‮ ‬1972م توالت المؤتمرات التي‮ ‬كانت تهدف إلى إعادة اليمن إلى سابق عهده في‮ ‬وحدة أرضه وشعبه وأمجاده التاريخية الحضارية الذي‮ ‬عرف بها عبر مراحله التاريخية المختلفة وفي‮ ‬ضوء ذلك أقيم اللقاء الثاني‮ ‬في‮ ‬القاهرة في‮ ‬الفتره‮ ‬21‮-‬28‮ ‬أكتوبر أسفر عن توقيع الطرفين اتفاقا أطلق عليه‮ (‬اتفاق القاهرة‮ ) ‬والذي‮ ‬نص على أهمية تكريس المساعي‮ ‬لتوحيد شطري‮ ‬اليمن بسلطاته كافة التشريعية والقضائية والتنفيذية على أن‮ ‬يكون نظام الدولة جمهورياٍ‮ ‬وطنياٍ‮ ‬ديمقراطياٍ‮ ‬كما أكد الاتفاق في‮ ‬المادة الثانية على أن‮ ‬يكون لدولة الوحدة دستور‮ ‬يضمن جميع الحريات الشخصية والسياسية العامة للجماهير ولمختلف المؤسسات والتنظيمات الوطنية والمهنية والنقابية‮ ‬, والحفاظ على مكاسب ثورتي‮ ‬سبتمبر وأكتوبر‮ ‬, كما تم تشكيل اللجان المتخصصة لتحقيق الوحدة بحيث تعمل كل لجنة على توحيد الشئون التي‮ ‬تخص مجالها‮ . ‬
بعد ذلك اتجهت اللجان الوحدوية في‮ ‬مزاولة المهام والأعمال المناطة بها في‮ ‬حين سعت قيادتا شطري‮ ‬اليمن إلى حث تلك اللجان على الإسراع في‮ ‬تنفيذ مهماتها الإيجابية التي‮ ‬خرج بها مؤتمر القاهرة والاتفاق على الأسس التي‮ ‬تقوم بموجبها دولة الوحدة إلا أنه لم‮ ‬يحدد الفترة الزمنية لإنهاء اللجان أعمالها‮ . ‬وفي‮ ‬ضوء ذلك بدأت مؤتمرات القمة تعقد على مستوى الرؤساء في‮ ‬الشطرين ليعقد أول مؤتمر قمة‮ ‬يمنية في‮ ‬26‮/‬نوفمبر‮ ‬1972م مثل الشطر الشمالي‮ ‬فيه الرئيس القاضي‮ ‬عبد الرحمن الإرياني‮ ‬فيما مثل الشطر الجنوبي‮ ‬الرئيس سالم ربيع على‮ ‬وكان من أبرز نتائج المؤتمر المصادقة على اتفاق القاهرة وتسمية أعضاء اللجان المشتركة بالإضافة إلى الاتفاق على بعض الأسس والمنطلقات لأعمال اللجان‮ . ‬
وتوالت لقاءات القمة بين قيادتي‮ ‬الشطرين وعلى أعلى المستويات وتتابعت الحوارات الوحدوية لينعقد اللقاء الثاني‮ ‬على مستوى الرئاسة في‮ ‬قعطبة في‮ ‬14فبراير‮ ‬1977م مثل الشطر الشمالي‮ ‬فيه الرئيس المقدم إبراهيم الحمدي‮ ‬ومثل الشطر الجنوبي‮ ‬الرئيس سالم ربيع علي‮ ‬وتناول ذلك الاتفاق عدداٍ‮ ‬من القضايا منها الاقتصادية والتنموية والصناعية والزراعية وتم تشكيل مجلس مشترك‮ ‬يتكون من رئيسي‮ ‬الشطرين ومسؤولي‮ ‬الدفاع والاقتصاد والتجارة والتخطيط والخارجية على أن‮ ‬يجتمع ذلك‮  ‬المجلس كل ستة أشهر بالتناوب مرة في‮ ‬صنعاء وأخرى في‮ ‬عدن‮. ‬
و على الرغم من وجود بعض المنغصات والمشاكل التي‮ ‬كانت تحدث بين الطرفين من فترة وإلى أخرى ولعل من أشدها تلك المواجهات والخلافات التي‮ ‬أعادت الوضع إلى نقطة البداية باندلاع‮  ‬المواجهات العسكرية بين الشطرين في‮ ‬24فبراير‮ ‬1979م إلا أن‮  ‬اللقاءات استمرت وتمكن الرئيسان عبد الفتاح إسماعيل وعلي‮ ‬عبد الله صالح من احتواء تلك الحرب كما كان لجامعة الدول العربية دورها الإيجابي‮ ‬حين سعت إلى تشكيل لجنة وساطة تمكنت من التوصل إلى اتفاق‮ ‬يقضي‮ ‬بانسحاب القوات المسلحة للطرفين والتزامهما بعدم التدخل في‮ ‬الشؤون الداخلية لبعضهما ووقف الحملات الإعلامية وفتح الحدود بين شطري‮ ‬الوطن وعودة العلاقات والحوارات الوحدوية إلى طبيعتها بما في‮ ‬ذلك العلاقات التجارية وتنقل الأفراد‮ ‬وما سهل مهمة الجامعة العربية في‮ ‬تهدئة النفوس هو تجاوب رئيسي‮ ‬الشطرين كما سبق وأشرنا بحيث نقل الرئيسان محطة حوارهما إلى الكويت ليعقدا مؤتمرهما الأول خلال المدة ما بين‮ ‬28‮-‬30مارس‮ ‬1979م ولم‮ ‬ينحصر لقاؤهما حول دراسة المستجدات الناتجة عن الصدام العسكري‮ ‬بين الطرفين بل سعيا إلى إعادة الحوار الذي‮ ‬سبق وأن اتفقا عليه عبر اللجان الوحدوية ولقاءات القمة السابقة وضرورة العمل على تكثيف الجهود والإسراع في‮ ‬مسألة توحيد الشطرين وفي‮ ‬ضوء ذلك اتفقا على الأسس التنفيذية لتحقيق الوحدة‮.‬
ونتيجة لموقف الرئيس عبد الفتاح إسماعيل خلال خطابه أمام الرئيس علي‮ ‬عبد الله صالح الذي‮ ‬قال فيه‮:”‬ليكن الوزراء في‮ ‬صنعاء وزراء والوزراء في‮ ‬الجنوب نواباٍ‮” ‬أثار حفيظة بعض أعضاء قيادة الحزب الإشتراكي‮ ‬اليمني‮ ‬والسلطة في‮ ‬الجنوب واعتبروا ذلك تسليماٍ‮ ‬للسلطة للشمال وتنازلاٍ‮ ‬غير مرغوب فيه من عبد الفتاح إسماعيل لتبدأ الانتقادات ومخططات التآمر ضد عبد الفتاح إسماعيل وإحباط عملية اللقاء الثاني‮ ‬الذي‮ ‬حدد في‮ ‬منطقة‮ (‬الشريجة‮) ‬بين الرئيسين وحينما أدرك عبد الفتاح إسماعيل مدى المخطط الذي‮ ‬يستهدفه ويستهدف الوحدة اليمنية فضل تقديم استقالته وغادر عدن ليعيش في‮ ‬منفاه في‮ ‬موسكو ليخلفه علي‮ ‬ناصر محمد الذي‮ ‬واصل دوره في‮ ‬عملية اللقاءات الوحدوية مع‮ – ‬الرئيس علي‮ ‬عبد الله صالح‮ ..‬
واستمرت اللقاءات والاتفاقات الوحدوية بين قيادتي‮ ‬شطري‮ ‬الوطن اليمني‮ ‬ولجانه الحدودية على الرغم من اتخاذ سياسة خطوة بخطوة سعى الطرفان من خلالها إلى كسب الوقت تحت مبرر أن تلك السياسة من شأنها أن تهيئ الظروف المناسبة للشطرين‮ ‬, وتلاحقت الأحداث بين مد وجزر منذ عام‮ ‬1981م وحتى أوائل‮ ‬يناير‮ ‬1986م إذ اندلعت أحداث‮ ‬يناير الدامية في‮ ‬الشطر الجنوبي‮ ‬من الوطن وأدت إلى توقف العمل الوحدوي‮ ‬جراء النتائج المأساوية لتلك الأحداث إلا أن اللقاءات الوحدوية عادت من جديد في‮ ‬إبريل‮ ‬1988م بين رئيسي‮ ‬شطري‮ ‬الوطن اليمني‮ ‬وكان ذلك اللقاء الأول بعد أحداث‮ ‬يناير ولكنه أكد على كافة الالتزامات والاتفاقات التي‮ ‬سبق‮  ‬إقرارها بين القيادتين وما ترتب عنها من نتائج إيجابية والعمل على ضرورة تطبيق تلك النتائج بالسرعة الممكنة لتوحيد الأرض والإنسان اليمني‮ ‬وتجنب كافة السلبيات وتجاوزها بما‮ ‬يضمن للشعب اليمني‮ ‬حقه التاريخي‮ ‬والحضاري‮ ‬في‮ ‬الوحدة وضرورة التزام الطرفين في‮ ‬الشطرين ببعض التنازلات بما‮ ‬يخدم مصلحة الوطن والمواطن وتجنب التعصب للولاء الحزبي‮ ‬والسياسي‮ ‬الذي‮ ‬من شأنه أن‮ ‬يعيق مسار العمل الوحدوي‮. ‬وعلى الرغم من التوتر الذي‮ ‬شاب العمل الوحدوي‮ ‬في‮ ‬الخفاء إلا أن الأمور أخذت تتجه نحو إيجاد صيغ‮ ‬وحدودية جديدة من شأنها أن تقرب المسافات على طريق الوحدة الاندماجية‮.. ‬لقد كانت المدة ما بين‮ ‬19يناير‮ – ‬22مايو‮ ‬1990م موعداٍ‮ ‬مهماٍ‮ ‬ومرحلة في‮ ‬تاريخ العمل الوحدوي‮ ‬والذي‮ ‬عقد في‮ ‬صنعاء برئاسة قيادتي‮ ‬الشطرين بصفاتهم الرسمية والحزبية وبحضور تسعة وستين من قيادتي‮ ‬الشطرين ليتم خلال ذلك اللقاء الاتفاق على أسس تحقيق الوحدة والتي‮ ‬تمثلت باتفاق إعلان دولة الوحدة‮.. ‬وفي‮ ‬صباح ال22مايو1990م كانت قيادة الوطن اليمني‮ ‬والملايين من أبناء الشعب على موعد مع صوت الرئيس القائد علي‮ ‬عبد الله صالح وهو‮ ‬يلقي‮ ‬بيان إعلان قيام الجمهورية اليمنية حيث صاغت تلك الكلمات أعظم‮ ‬يوم في‮ ‬تاريخ اليمن المعاصر وفي‮ ‬ذلك اليوم رفع علم الجمهورية اليمنية على السارية نفسها الذي‮ ‬أنزل البريطانيون علمهم منها قبل رحيلهم أواخر نوفمبر‮ ‬1967م‮.‬
مقبرة الغزاة
‮> ‬كلمة أخيرة تودون قولها¿
‮>> ‬إن إعلان الجمهورية اليمنية أعاد لليمن تاريخه المجيد وحضارته التي‮ ‬عرف بها عبر التاريخ ليؤكد للعالم أجمع حقه في‮ ‬العيش شعباٍ‮ ‬واحداٍ‮ ‬لكي‮ ‬يثبت الحقيقة التي‮ ‬طالما عرف بها اليمن الوطن والإنسان بأنها أرض الأصالة والحضارة والتاريخ و ما وصف به في‮ ‬مراحل التاريخ القديم بأنه‮ (‬مقبرة الغزاة‮) ‬أثبتها التاريخ المعاصر وبما لا‮ ‬يدع مجالاٍ‮ ‬للشك أن الشعب اليمني‮ ‬قادر على الدفاع عن حـــقه في‮ ‬الحـــرية والاستـــقلال والوحدة مـــهما كان حـــجم المخــــططات والمـؤامرات ليــترـجم بذلك قــــدرة قائد وإرادة شــعب‮..

Share

التصنيفات: حــوارات

Share