Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

الشبكة العنكبوتية وميكنة المشاعر

ابن النيل

 

اعتدنا نحن العرب – دون غيرنا من سائر بني البشر – على الانبهار بأية صرعة عالمية كانت بغض النظر عن كونها تتناسب مع جوهر عاداتنا وتقاليدنا ..من عدمه.

 

وعلى الجانب الآخر.. نجدنا الأكثر من غيرنا سعياٍ للبحث عن أوجه التسلية وإضاعة الوقت.. في كل ما يجري استحداثه من تقنيات الكترونية متطورة بغض النظر عن كون هذا الذي نبحث عنه.. إنما هو أبعد بكثير عن طبيعة الدواعي الحقيقية لما جرى استحداث مثل هذه التقنيات بغية توفيره لمستخدميها عملياٍ وعلمياٍ ومعرفياٍ ومهارياٍ كذلك.

 

وأذكر هنا.. أنه في سالف العصر والأوان – ومنذ أتيحت لأبنائنا فرصة استخدام الآلة الحاسبة للاستعانة بها في مراحل دراستهم الأولى – فإنهم آثروا الاعتماد عليها كلية.. بدلاٍ من اعتمادهم على نعمة العقل والذاكرة لدرجة أن معظمهم لم يشأ أن يبذل جهداٍ في حفظ جدول الضرب على سبيل المثال مكتفياٍ بلجوئه إلى هذه الآلة المخترعة.. لإجراء أبسط العمليات الحسابية كلما لزم الأمر.

 

ولما كانت الشبكة العنكبوتية قد أتاحت لجميعنا منذ أمد ليس ببعيد.. إمكانية الاستفادة من عديد فضائلها العملية والعلمية والمعرفية والمهارية على حد سواء وعلى ضوء عدم اكتراثنا بأهمية تنظيم أوقاتنا.. على نحو يمنح لكل من اهتماماتنا الحياتية نصيبه المستحق من الوقت فقد تركنا لعوامل الجذب على هذه الشبكة السحرية العجيبة.. إمكانية أن تستبد بعقولنا وأن تبتلع ماتيسر لها مما لدينا من مساحات زمنية غير ملزمة على حساب من نعاشرهم لدرجة أن بتنا- بالوعي أو باللاوعي- مجرد أسرى لعديد ما يستهوينا من خفاياها الإلكترونية الجاذبة متجاهلين في ذلك مدى حاجة الآخرين إلينا.

 

ويكفي أن نجد عديد أبنائنا غارقين سهواٍ.. في متاهات ما يستهويهم على شبكة »النت« هذه بصورة يومية ودونما انقطاع.. وبساعات طويلة كذلك دون أن يسأل واحدهم نفسه عن دوره تجاه أسرته بينما نجده – بالمقابل –  غير مهتم بدراسته بنفس القدر.

 

كما نجد كثيراٍ من الأزواج.. يعكفون بعد عودتهم من العمل على تسخير معظم أوقاتهم في البيت.. لممارسة هوايتهم المكتسبة مع الكمبيوتر الشخصي أو المحمول في ذات الاتجاه دونما إحساس بما قد ينتاب الآخرين من حولهم من شعور مفترض بالملل طالما هم في حالة استغراق ممتع مع عالمهم الافتراضي البديل لدرجة أن تلعن زوجاتهم اليوم الذي جاء بهذا الاختراع العلمي إلى أيديهم على أهميته.

 

ومع تسليمنا المبدئي بضرورة تسخير مثل هذه التقنيات العلمية المعاصرة بما يكفل توفير المعلومة لجميعنا كل بحسب حاجته إليها غير أن هناك دائماٍ من يحلو لهم المبالغة في سبل التعامل معها.. على نحو يكاد يكون استهلاكياٍ.. بشكل أو بآخر طالما لم نوزع أوقاتنا بالتساوي على الأقل بحيث تتسم لما تبقى من اهتماماتنا الحياتية ككل.

 

ويحضرني هنا أن واحداٍ من وزراء الدفاع العرب كان معروفاٍ بتعدد هواياته الشخصية لدرجة أن تردد في الأوساط المجتمعية لبلاده بحكم انشغاله بها.. بأنه كان يمارس مهامه الرسمية كوزير للدفاع في أوقات فراغه حينها.

 

الأكثر مدعاة للدهشة والاستغراب.. أن كثيراٍ من المبدعين في زمننا هذا ممن أصابتهم عدوى التخلص من أقلامهم واستبدلوها بأزرار لوحة مفاتيح أدواتهم الإلكترونية الخاصة.. تراهم وكأنما قد تلاشت من قائمة خصائصهم.. حميمية شخبطاتهم على الورق.. حال ولادة أي من أعمالهم الأدبية.

 

وأعود لأذكر هنا.. أنه ليس هناك ما هو أجمل وأرق. في إصدار »الجنوبي« للكاتبة المبدعة »عبلة الرويني« عن زوجها الراحل الشاعر »أمل دنقل«.. من تضمينها إياه ماتيسر لديها من شخبطاته على الورق.

 

 وأخشى ما أخشاه أن تلعب الاستحداثات التقنية هذه دورها في ميكنة مشاعرنا أو في صناعة نوع من الجفاء بين بعضنا البعض..
 

ibnuneel@yahoo.com

Share

التصنيفات: منوعــات

Share