Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

عدن في عيون الأجانب

د. علوي عبدالله طاهر

 

5- عدن في نظر الرحالة الفرنسيين:

 

في سنة 1709 جاءت إلى عدن بعثة فرنسية تجارية تبغي التجارة بالبْن يصحبها رجل اسمه (لاروك) وقد كتب كتاباٍ صغيراٍ يصف فيه تلك الرحلة أسمه:

 

Veyag dons I,Arabie Heureuse per ha Rogue

 

ومن خـــلال هذا الكتاب نتـــعرف على عــــدن في ذلك الزمان حيث كان الفرنســـــيون قد أقاموا فيــــها بضـــعة أسابيع.

 

ومما قالته البعثة في وصفها:»أنها عدن الشرق الصميم الرقيق الجانب الكريم الخلق العزيز الشأن والفضل لكاتب تلك البعثة المسيو (لاروك) في وصف المدينة وصفاٍ دقيقاٍ كأنه صورة محفورة على النحاس لرسام هولندي في ذلك الزمان«.

 

6- عدن في نظر الرحالة أمين الريحاني:

 

في عام 1924م كان الكاتب أمين الريحاني قد قام برحلة لعدد من الأقطار العربية ومدنها وكانت عدن واحدة من المدن التي زارها وهي يومئذ واقعة تحـــت ظل الاحتلال البريطاني وتدار شـــــؤونها عن طريق حكومة بومبي في الهند.

 

وكان أمين الريحاني قد سِجـــــل انطباعاته عن عدن في كتابة الشهير (مــــلوك العرب ج1) وهو الذي كان قد قرأ انطباعات المســــيو (لاورك) عن عدن. لذلك يبـــــدو أنه كان مندهــــشاٍ من رؤية المدينـــــة قد فقـــدت كثيراٍ من خصائصها التي ذكرها (لاروك) في كتابة آنف الذكر. فقال متسائلاٍ:

 

»أين أرميا بنثر الأشعار في ندب الديار¿ أين سورك الذي كان يطوق الجزيرة يا عدن¿ وأين قصورك تفوق قصور ابن ذي جدن¿ وأين حماماتك الجميلة المرصوفة بأنواع الرخام المزدانة ببقية من عمد الأصنام¿ وأين مساجدك ذات القباب البيضاء والزرقاء والمآذن الدقيقة البناء¿ وأين آثارك أدبائك وشعرائك ومن كان يمشي سامد الرأس تحت لوائك¿ بل أين تلك اللغة اليوم من رطانات وطمـــطمانيات سِرِتú من الشـــرق ومن الغرب إليها¿ بل أين تلك الروح روح  قحطان وتلك المكارم مكارم عدنان وذاك المظهر الشريف النقي مظــــهر الوحدة القومية تزينه الفصاحة والفروسية«.

 

 وأردف الرياحني معقباٍ على ذلك قائلاٍ:

 

»قلت إن عدن تكل الأيام كانت عدن العرب والتوحيد ولا أريد بالتوحيد الدين فقط بل القومية واللغة أيضاٍ أما الوحدة القومية فكان قد تخللها شيء من خليط الهنود الذين هاجروا إلى هذه الزاوية من البلاد العربية قبل أن يحتلها الإنجليز«.

 

»وكان البينيان في عدن يوم جاءتها البعثة الفرنيسة والمسيولاروك يذكرهم في كتابة ويقول: إنهم يهود المدينة أي التجار والصيارفة فيها وكان العربي اليماني الزيدي يكرمهم ويتخذ لهم منهم الأخذان ويحسن إليهم كل الإحسان وهو لا يدري أن أبناءه في المستقبل سكونون من خدِامهم وخدِام كذلك ومن جاؤوا كذلك من المغرب«.

 

ويقارن الريحاني بين عدن قديماٍ وعدن في أيام زيارته لها فيقول:

 

» أما عدن اليوم فمدينة الشرك هي لا مدينة التوحيد مدينة عمومية لا عربية ولا شرقية ولا أوروبية مدينة  التجارة والفحم والمضارب العسكرية هي من الوجهة الحربية جبل طارق الشرق ومن الوجهة التجارية مركز استيراد وتوزيع مهم في البحر العربي ومن الوجهة البحرية هي مستودع فحم لبواخر العالم التي تجري بين الشرق والغرب وهي قوق ذلك وقبل كل ذلك مستودع رئيسي للبواخر الإنجليزية في الطرق بين الجزائر البريطانية والهند لا يفوقها سوى جبل طارق والسويس«.

 

ويقدم الريحاني وصفاٍ دقيقاٍ لعدن كما هي في أيام زيارته لها فقال:

 

»إن المدينة تقسم قسمين: عدن الفحم والصحون والسياسة وتدعى التواهي وعدن التجارة والموبقات وتدعى كمب أي المعسكر في الأولى: وهي على الشاطئ دار الاعتماد والقنصليات وبيوت الضباط والموظفين والأنزال وبعض المخازن التي تباع فيها بضائع الشرق والغرب الرديئة بأسعار غالية وفي الثانية وهي وراء الجبل على مسافة خمسة أميال في فم البركان أون ما كان بركاناٍ في قديم الزمان وفيها أربعون ألفاٍ من السكان من كل شعوب الأرض والأديان فيها المسلم الذي يصلي إلى الله الفارسي الذي يصلي إلى الشمس والبنيان الذي يصلي إلى الأوثان والمسيحي مكرم الصور والصلبان والإسماعيلي صاحبْ صاحب الزمان واليهودي مسبح الذهب الرنان وفيها من يغسلون ويكفنون أمواتهم ومن يحرقونهم ومن يحملونهم إلى برج السكينة لتأكلهم النسور والعقبان«.

 

»كل هؤلاء يتاجرون ولا يتنافرون ويربحون ولا يفاخرون أما بيوتهم فواحدة لا تعرف أعربية هي أم هندية أم أوروبية وأما أديانهم فهي كالأشجار والأدغال في الغاب وهم في ظلالها لا يتغيرون ولا يتطيرون الزاهرون الشائكون والشائكات«.

 

ويضيف الريحاني إلى ذلك بقوله:

 

»قلت إن يوم زار المسيولاروك عدناٍ لم يكن فيها غير الإسلام وحفنة اليهود والبينيان أما اليوم ففيها من المذاهب الدينية مئة مذهب تعيش كلها في فم البركان بسلام وأمان وليس فيها غير واحد من المذاهب السياسية تصونه التقية ويعززه الدينار والقوة وهو مذهب الاحتلال«.

 

»والتاجر وطنياٍ كان أو أجنبياٍ هو دائماٍ مع الحكمة أو بالأحرى لا يهمه من الحكومة  غير الأمن والنظام مهما قيل في حكومة عدن البريطانية فالأمن والنظام ركنان فيها ثابتان«.

 

وفيما يتعلق بالجانب الآخر من عدن يقول الريحاني:

 

»تدعى عدن الثانية المعسكر لأن فيها الثكنات وقسماٍ من جيش الاحتلال وهي في حلقة من الجبال السمحاء  يكلل قممها حصون قديمة مهجورة لأن الانجليز يستغنون عنها اليوم بالمراكب البحرية أما أشهر ما فيها من الآثار ما تبقى من ظل مجدها الغابر فهي أسداد الماء تلك الأسداد المبنية في مضيق منحدر بين جبلين بناء متيناٍ محكماٍ محفوراص بعضها في الصخور سد فوق سد يصب الواحد مياهه حين يمتلئ في السد تحته حتى تفضي بعد امتلاء  عدة أسداد إلى الخزان الأخير القائم عند سفح الجبلين ولكن هذه الأسداد وهي من أجمل الأعمال الهندســـــية في العالم لا تمتلئ لقلة الأمـــطار إلاِ مرة أو مرتين كل بضــع سنين« ص 403 ..

 

وعن التواهي يتحدث الريحاني قائلاٍ:

 

»وفي التواهي أي عدن السياسية دائرة أشغال هي من أهم من كل ما ذكر هناك وبين تلك الربى المكللة بالحصون الحديثة المتصلة بعضها ببعض بوساطة الأنفاق رابية لا علاقة لها مباشرة بالحروب أو بالسياسية رابية عامرة نيرة منيرة بيوتها كلها حديثة هندسية وبناء ومهنة سكانها أهم من المهن الرسمية كلها. هي قرية قائمة بذاتها فيها المطعم والحانة والنادي وأسباب اللهو والرياضة والراحة جميعها وإليها ومنها تمتد الأسلاك وأسلاك السحر الحديث سحر العلم والعمل من الشرق وجزر الشرق الكبيرة من استراليا والفلبين من افريقيا وأوروبا من قارات الأرض تجري أمواج السحر في أسلاك العلم والعمل فتهمهم وتطنطن تحت الماء في أعماق البحار وتبرق على صدر اليبس ونورها كامن في السلك والسلك في القماش في القار والقار في الحديد هي أنباء العالم انباء التجارة والاجتماع والسياسة يحملها البرق تحت الأمواج فتصل إى عدن تلك الربوة المهمة منها إلى مركز البرق هناك ثم تتوزع منه كما تتموج إليه أمواجاٍ فتربط الأمم الشرقية بالغربية وتقضي على المسافات في المعاملات والمراسلات تحصرها في سلك نصفه يمتد من الرابية شرقاٍ وجنوباٍ والنصف الآخر غرباٍ وشمالاٍ وهذا السلك هو قوام الاتصال بين الشرق والغرب بل هو قوام التجارة وأحد أركان المدنية والعمران« ص404

 

وعن شركة  التلغراف في عدن يقول الريحاني:

 

»لا شك أن في العالم مراكز من تلك التي في عدن ولكن ليس في العالم على ما أظن أهم منها أقطع ذلك السلك أوقف العمل في الرابية أسكت المئة آلة التي تدندن ليل نهار هناك فتعود البحار إلى ظلامها القديم واستبدادها في المسافات تمسي وقارات العالم القديم كلها آسيا أوروبا وافريقيا واستراليا وكل منها في عزلة الجزر والجبال لا صلة بينها غير تلك  التي يحملها الرسول أو البحار«.

Share

التصنيفات: ثقافــة

Share