Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

مصر‮ ‬2010نيل‮ ‬َ‮ ‬تحت التهديد‮ .. ‬جيل‮ ‬َ‮ ‬ضد التوريث‮ .. ‬والليل‮ ‬يصعد مْجنøحا‮ ‬ٍ‮ ‬كعروس‮ !‬

حسن عبد الوارث‮ ‬

‬عقدَ‮ ‬ونيف من الزمان مرِ‮ ‬على زيارتي‮ ‬الأخيرة لقاهرة المعز‮ ..‬
مرت السنون تترى‮ ‬, وكأنها كانت في‮ ‬الأمس القريب جدا‮ ‬ٍ‮ ..‬
غير أن القول المصري‮ ‬العبقري‮ ‬يصدق لامحالة‮ : ” ‬اللي‮ ‬يشرب من نيلك‮ ‬, لازم‮ ‬يرجع لك‮ ” !!‬
وبرغم‮ ” ‬البلاوي‮ ” ‬التي‮ ‬صار النيل‮ ‬يزدحم بها‮ ‬, إلاِ‮ ‬أن مصر تظل‮ ” ‬هبة النيل‮ ” ‬بحسب المؤرخ العظيم هيرودوت‮ ..‬
ولايدري‮ ‬أحد ماذا سيحل بهذا النيل‮ – ‬بل بهبة النيل‮ – ‬إذا تصاعدت تراجيدية الخلاف‮ – ‬بصدد مياه هذا النهر العظيم‮ – ‬بين دول المنبع ودول المصب‮ .. ‬وقد هالني‮ ‬تقرير نْشر مؤخرا‮ ‬ٍ‮ ‬في‮ ‬جريدة‮ ” ‬الأندبندنت‮ ” ‬اللندنية بقلم دانييل هاودن‮ ‬, يشير إلى هذا المشهد‮ ‬, منوها‮ ‬ٍ‮ ‬بأنه قد‮ ‬يكون أولى حروب المياه في‮ ‬العالم‮ !!‬
‮( ‬1‮ )‬
وقد عادت بي‮ ‬الذاكرة إلى دراسة‮ – ‬صدرت قبل عدة سنوات‮ – ‬بتمويل من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية‮ ‬, أشارت الى أن المياه ستشهد تحديات في‮ ‬غاية الخطورة‮ ‬, في‮ ‬غير بقعة من البيضة الأرضية‮ .. ‬لاسيما في‮ ‬منطقة الشرق الأوسط وشبه الصحراء الأفريقية وجنوب القارة الآسيوية وشمال الصين‮ ..‬
وتوقعت هذه الدراسة اشتداد حدِة الخلافات الأقليمية بشأن المياه مع حلول العام‮ ‬2015م‮ .. ‬وفي‮ ‬الوقت نفسه‮ ‬, أصدرت منظمة الأمم المتحدة تقريرا‮ ‬ٍ‮ ‬تْحذر فيه من أزمة مياه عالمية بحلول العام‮ ‬2030م‮ !!‬
ومن سخرية القدر أن الدراسة‮ ” ‬تنبِأت‮ ” ‬بأن كميات النفط والغاز الكامنة في‮ ‬جوف الأرض ستكون أكبر من كميات المياه الجوفية‮ .. ‬ففي‮ ‬حين‮ ‬يتناقص المخزون المائي‮ ‬بصورة مرعبة‮ ‬, فإن‮ ‬80‮ ‬٪‮ ‬من النفط و‮ ‬90‮ ‬٪‮ ‬من الغاز سيكونان مازالا في‮ ‬جوف الأرض‮ !!‬
بانوراما قاهرية
لعلِ‮ ‬هذه الفترة من أشد الفترات زخما‮ ‬ٍ‮ ‬في‮ ‬مصر‮ .. ‬وقد تكون أشدها على صعيد الأزمات في‮ ‬غير صعيد‮ ..‬
فإلى جانب مشكلة النيل‮ .. ‬ثمة مشاكل في‮ ‬السياسة‮ ‬, وفي‮ ‬الاقتصاد‮ ‬, وفي‮ ‬الاجتماع‮ ‬, تنعكس جميعها على المسرح الإعلامي‮ ‬المصري‮ ‬الذي‮ ‬صار جبروتا‮ ‬ٍ‮ ‬حقيقيا‮ ‬ٍ‮ .. ‬أكان في‮ ‬نطاق الإعلام الفضائي‮ .. ‬أو على صعيد الصحافة المقروءة‮ ( ‬الورقية والإلكترونية‮ ) ..‬
إن موجات المعارضة باتت تتدحرج مثل كرات الثلج‮ ‬, وتخرج من الصالونات إلى الشوارع‮ .. ‬وقد صارت ثمة حركات معارضة عدة
‮( ‬2‮ )‬
تجاوزت الاحزاب ذاتها‮ ‬, مثلما تجاوزت الخطابات والمنابر التقليدية‮ ..‬
وهذه سمة محسوبة لصالح الديمقراطية في‮ ‬مصر‮ .. ‬فلم تشهد مصر معارضة كالتي‮ ‬تشهدها اليوم‮ .. ‬وفي‮ ‬المقابل لم تشهد حرية وتعددية وشفافية أيضا‮ ‬ٍ‮ ‬كالتي‮ ‬تشهدها اليوم‮ !‬
إن رفض التوريث‮ ‬, من قبل أن‮ ‬يحدث‮ .. ‬وتأييد البرادعي‮ ‬, من قبل أن‮ ‬يترشح للرئاسة‮ .. ‬صورتان واضحتا الملامح في‮ ‬هذا المشهد‮ .. ‬وهو مالم‮ ‬يعرفه الآباء الذين شهدوا الفصول الماضية من تاريخ مصر السياسي‮ ‬والثقافي‮ ‬والاجتماعي‮ ..‬
حتى في‮ ‬رصيف الصحافة‮ ‬, جاء اليوم الذي‮ ‬تنافس فيه صحيفة خاصة مثل‮ ” ‬المصري‮ ‬اليوم‮ ” ‬عملاق الصحافة المصرية والعربية‮ ” ‬الأهرام‮ ” ‬في‮ ‬المادة والسبق الصحافي‮ ‬والتميز المهني‮ ‬, وهو الأمر الذي‮ ‬انعكس على صعيد التوزيع والانتشار بصورة لافتة‮ !‬
وقد تعلِمنا الكثير من مصر‮ .. ‬ولازلنا نتعلم‮ .. ‬وسنظل ربما الى ماشاء الله‮ .. ‬فالحيوية الخارقة التي‮ ‬يتمتع بها هذا البلد‮ ‬, بشعبه ومجتمعه وشارعه وظواهره سيتحول الى مؤشرات في‮ ‬غاية الأهمية‮ – ‬والخطورة أحيانا‮ ‬ٍ‮ – ‬في‮ ‬الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والإعلامية‮ ‬, للشعب العربي‮ ‬والمؤسسات العربية‮ ‬, في‮ ‬كل الوطن العربي‮ ‬تقريبا‮ ‬ٍ‮ ..‬
وأذكر أننا‮ – ‬معشر الصحافيين اليمنيين‮ – ‬كنا نتجادل حول هذه القضية أو تلك الأزمة‮ .. ‬وحين‮ ‬يحتد الجدل‮ ‬يأتي‮ ‬سؤال من جهة ما‮ : ‬كيف عالج المصريون هذه القضية ¿‮! .. ‬أو كيف حلْوا هذه الأزمة ¿‮!‬
‮( ‬3‮ )‬
من وقت لآخر وكلما اشتد الكرب في‮ ‬الضفة أو‮ ‬غزة تنبري‮ ‬بعض الأصوات التي‮ ‬تنتقص من الموقف‮ – ‬وحتى الدور‮ – ‬المصري‮ ‬تجاه القضية الفلسطينية‮..‬
حدث هذا حين شنت عصابات آل صهيون حرب الإبادة الأخيرة ضد الشعب الفلسطيني‮ ‬في‮ ‬قطاع‮ ‬غزة‮ .. ‬ثم راح البعض‮ ‬يرشق السفارات المصرية في‮ ‬عدة دول بالحجارة‮ !!‬
ثم حدث هذا مؤخرا‮ ‬ٍ‮ ‬, إثر الجريمة البشعة التي‮ ‬اقترفتها العصابة الصهيونية ذاتها ضد‮ ” ‬أسطول الحرية‮ ” .. ‬وما استتبعه من موقف تركي‮ ‬متصاعد‮ .. ‬وقد ارتفع العلم التركي‮ – ‬بمئات النسخ‮ – ‬على أسطح البيْوت والمرافق في‮ ‬قطاع‮  ‬غزة‮ .. ‬فقال لي‮ ‬أحد الأصدقاء من المثقفين المصريين‮ : ‬كم حزِ‮ ‬في‮ ‬نفسي‮ ‬أن‮ ‬يغيب علم مصر عن هذا المشهد وفي‮ ‬هذا الوقت بالذات‮ !!‬
والحق أنه لايمكن حتى للجاحد أن‮ ‬يتناسى للحظة واحدة أن أنهارا‮ ‬ٍ‮ ‬من دماء الفدائيين والأبطال الصناديد المصريين قد سْفحت قربانا‮ ‬ٍ‮ ‬قوميا‮ ‬ٍ‮ ‬على مذبح فلسطين‮ .. ‬ويظل اسم البطل الشهيد احمد عبد العزيز مْسطرا‮ ‬ٍ‮ ‬بحروف من عسجد على كل‮ ‬غصن زيتون وشجرة زيزفون في‮ ‬أرض الأنبياء‮ .. ‬وأمثال احمد عبد العزيز كثيرون كثيرون‮ .‬
مؤخرا‮ ‬ٍ‮ ‬أحتفت القاهرة بالأديب اليمني‮ ‬الكبير الراحل علي‮ ‬احمد باكثير‮ ..‬
‮( ‬4‮ )‬
وكم كنت أتمنى أن‮ ‬يكون هذا الاحتفاء معقودا‮ ‬ٍ‮ ‬في‮ ‬مدينة تريم لأنها عاصمة الثقافة الإسلامية لهذا العام لأنها حضرمية‮ ‬يمانية تغدو جديرة باحتضان مئوية هذا الأديب الحضرمي‮ ‬اليماني‮ ‬الفذ الذي‮ ‬أثرى المكتبة الأدبية العربية والإسلامية بكل نفيس في‮ ‬شتى فنون الإبداع الادبي‮ ..‬
غير أن‮ ” ‬البيت واحد‮ ” ‬بالنسبة لباكثير في‮ ‬مصر واليمن‮ .. ‬فقد كانت عصارة إبداع هذا الأديب من نصيب مصر وكانت أزهى فترات حياته وبصماته في‮ ‬أرض الكنانة‮ .. ‬فقد كان مصريا‮ ‬ٍ‮ ‬قْحِاٍ‮ ‬في‮ ‬نظر كل المصريين‮ .. ‬حتى أن الأديب الكبير نجيب محفوظ لم‮ ‬يعرف أن باكثير‮ ‬يمني‮ ‬إلاِ‮ ‬في‮ ‬فترة لاحقة من معرفته به‮ ‬, وهكذا حال عديد من المثقفين وأعداد عدة من القراء المصريين والعرب‮ !!‬
وقد قال باكثير‮ ‬يوما‮ ‬ٍ‮ : “‬انا على‮ ‬يقين ان كتبي‮ ‬واعمالي‮ ‬ستظهر في‮ ‬يوم من الأيام‮ ‬وتأخذ مكانها اللائق بين الناس‮ .. ‬ولهذا فأنا لن أتوقف عن الكتابة‮ ‬‮ ‬ولا‮ ‬يهمني‮ ‬أن‮ ‬يْنشر ما اكتب في‮ ‬حياتي‮ “.‬
فقد كان حظه قليلاٍ‮ ‬من الانتشار والتقدير في‮ ‬اليمن‮ ‬‮ ‬على العكس مما لقيه في‮ ‬مصر وفي‮ ‬سواها‮ ‬‮ ‬وعلى الباحث أن‮ ‬يجول في‮ ‬كل مقررات ومناهج التعليم في‮ ‬هذا البلد ليعرف المساحة التي‮ ‬يحتلها أدب باكثير‮ – ‬على تنوعه ووفرته-في‮ ‬هذه المناهج‮ .. ‬وسيدرك حينها الفاجعة‮ !!‬
ولو أنك سألت اليوم جيلاٍ‮ ‬بكامله عمِا‮ ‬يعرفه عن هذا الأديب الفذ لجاءتك الاجابة مْخيبة لكل الآمال‮ !.. ‬وقد أجتهدت شخصياٍ‮ ‬في‮ ‬هذا الموضوع‮ – ‬ولو على نطاق محدود في‮ ‬كل الأحوال‮ – ‬فكانت صدمتي‮ ‬كبيرة‮ !!‬
وقد سألتْ‮ ‬بعض الأصدقاء الأدباء في‮ ‬حضرموت عن مصير منزله في‮ ‬سيئون‮ -‬المعروف باسم دار السلام‮- ‬والذي‮ ‬سبق لفخامة الرئيس‮ – ‬منذ عدة سنين‮ – ‬التوجيه بشرائه وترميمه ومنحه لفرع اتحاد الأدباء في‮ ‬سيئون‮ ..‬إلاِ‮ ‬إنني‮ ‬سمعتْ‮ ‬إجابة‮ ‬ٍ‮ ‬لا تِسْر البتة‮!!‬
‮( ‬5‮ )‬
البوصلة المصرية
‮* ‬مايحدث في‮ ‬الساحة الثقافية المصرية دائما‮ ‬ينعكس بالضرورة على كل الساحات العربية‮ ‬ولو بدرجات متفاوتة‮ .‬
والحق أن الاحداث المصرية تؤثر دائماٍ‮ ‬في‮ ‬الساحات العربية عموماٍ‮ ‬ليس ثقافياٍ‮ ‬فحسب‮ ‬إنما على كل الأصعدة‮ ‬والسياسية منها بالذات‮ ‬غير أن المضر في‮ ‬هذه الظاهرة أن العرب‮ ‬يتأثرون بالاحداث السيئة أكثر من تفاعلهم مع الاحداث الطيبة‮ .. ‬أو بمعنى أدق‮ : ‬إذا قْمعت الحريات أو صودرت الكتب أو قْهرت الصحافة في‮ ‬مصر‮ ‬فإن عدوى القمع وجرثومة المصادرة وفيروس القهر‮ ‬يعم كل بلاد العرب من المحيط إلى الخليج‮ .. ‬حتى في‮ ‬بيروت التي‮ ‬ظلت خيمة الحرية لعقود عديدة‮!!‬
والحكومات العربية تتخذ الحالة المصرية مثالاٍ‮ ‬ثابتاٍ‮ ‬أو أنموذجاٍ‮ ‬مقدساٍ‮ ‬في‮ ‬كل ما‮ ‬يتصل بالافعال الضارة بالديمقراطية فقط‮ .. ‬أما في‮ ‬ما‮ ‬يتعلق بدفع الممارسة الديمقراطية إلى الامام‮ ‬فلا ثمة مثال ولا أنموذج‮ ‬يحتذى به‮ ‬لا في‮ ‬مصر ولا في‮ ‬هونولولو‮! .. ‬بالرغم من أن تاريخ التجربة الديمقراطية المصرية وسجل الحريات العامة والابداعية في‮ ‬ارض الكنانة أكثر طولاٍ‮ ‬وعرضاٍ‮ ‬وعمقاٍمن تاريخ القهر وسجل القمع وتراث المصادرة‮ .. ‬غير أن الحكومات العربية أكثر ميلاٍ‮ ‬إلى أدوات العصر الحجري‮ ‬فالهراوة مازالت لها الأسبقية على القنديل‮!‬
وإذا كانت قيادات الديوان السياسي‮ ‬والإدارة الثقافية والاعلامية في‮ ‬مصر أكدت جميعها على أن الرقابة هناك لاتسري‮ ‬إلاِ‮ ‬على حالتين فقط‮: ‬الإساءة إلى الاديان وخدش الحياء العام‮ .. ‬فإن الرقابة في‮ ‬جل‮ – ‬إن لم‮ ‬يكن كل‮ – ‬البلاد العربية تسري‮ ‬على عشرات وربما مئات الحالات‮ .. ‬وقد‮ ‬يأتي‮ ‬يوم‮ ‬إذا قال فيه الكاتب ان التفاحة‮ »‬حمراء‮« ‬يْتهم بأنه‮ »‬شيوعي‮« .. ‬وإذا زعم ان البرتقالة‮ »‬صفراء‮« ‬فإنه‮ »‬إخواني‮« .. ‬وإذا تحدث عن الحقول‮ »‬الخضراء‮« ‬قيل أنه عميل للعقيد القذافي‮!! ‬
‮( ‬6‮ )‬
ليل القاهرة
‮* ‬يأتي‮ ‬الليل‮ .. ‬فتنداح فيك مشاعر الحزن والأسى‮ .. ‬وتتقاذفك أحاسيس اللوعة والنوى‮ ‬وتصطلي‮ ‬في‮ ‬داخلك شتى الأشياء والحالات التي‮ ‬تحيلك إلى‮ ‬غابة الكآبة‮ ..‬
إلاِ‮ ‬ليل القاهرة‮ ..‬
ففيه‮ ‬تنقلب الأشياء المقرونة بالليل إلى أضدادها‮ .. ‬وتصير الحالات الكامنة في‮ ‬قاموسه على عكس ماتكون في‮ ‬الثبات‮ .. ‬أما المشاعر فتهاجر من اعشاش العادة إلى فضاءات التحول‮ ‬على صعيد السلوك أو في‮ ‬نطاق الإبداع‮ ‬على حد سواء‮ ..‬
ليل القاهرة‮ .. ‬ظاهرة تخرج على قوانين الزمكان‮ .. ‬وعلى قواعد الأشياء‮ ‬وسوائد الحالات‮ ‬وعوائد الإنسان‮ .. ‬حتى أخال كائنات السماء تتقاطر كل مساء إلى القاهرة‮ ‬‮ ‬تغترف من ليلها ومن نيلها قبل أن تعود إلى الأيائك النورانية مترعة من سلسبيل ليس إليه سبيل إلاِ‮ ‬من باب زويلة أو قصر الشوق أو جامع السلطان حسن‮ ..‬
وفي‮ ‬حضرة السيدة زينب‮ ‬يعتلي‮ ‬بك الوجد حتى‮ ‬يحط بك على كرسي‮ ‬الحلول‮ ‬قبل أن‮ ‬يعزم عليك البطل احمد عبد العزيز بكأس من شاي‮ ‬أو قرفة أو سحلب في‮ ‬مقهى الفيشاوي‮ .. ‬وماهي‮ ‬إلاِ‮ ‬هنيهات حتى تكون متحدثاٍ‮ ‬إلى نجيب محفوظ وشلة الحرافيش‮ ‬أو مصافحاٍ‮ ‬جمال الغيطاني‮ ‬ويوسف القعيد أثناء مرورك بهما‮ – ‬مصادفةٍ‮ – ‬و أنت تدلف إلى رواق خان الخليلي‮..‬
وفي‮ ‬القاهرة‮ – ‬ليلاٍ‮ – ‬لاتنام سوى الكوابيس‮ .. ‬والخفافيش وحشرات البق والعثة وصراصير الليل وضفادع المستنقعات‮ ..‬
أما العشاق فلاينامون في‮ ‬ليل القاهرة‮ ..‬
‮( ‬7‮ )‬
وأما الأطفال فلا‮ ‬ينامون في‮ ‬ليل القاهرة‮ ..‬
وأما المبدعون‮ .. ‬وأما الحالمون بغدُ‮ ‬أجمل‮ ‬منسوج من صوف الحقيقة وحرير الأمنية‮ .. ‬فلا‮ ‬ينامون في‮ ‬ليل القاهرة‮ .. ‬
وقد خلق الله النهار للكد‮ ‬والعمل‮ ‬والليل للنوم والكسل‮ .. ‬إلاِ‮ ‬في‮ ‬القاهرة‮ .. ‬فقد خلق الليل لأعمال شتى خارج حدود الوظيفة السقيمة‮ ‬ولأفعال شتى خارج تضاريس المخدع المخادع‮ ‬ولأقوال شتى خارج قواميس الغيبة والنميمة والإشاعة‮ ..‬
إن ليل القاهرة لايهبط عليك من أعالي‮ ‬ذرى المْقطِم‮ ‬كما هي‮ ‬عادات الليل في‮ ‬كل زمان ومكان‮ ‬يهوي‮ ‬مترنحاٍ‮ ‬من رؤوس الجبال‮ .. ‬إنما هو‮ ‬يصعد إليك مجنحاٍ‮ ‬كعروس نيلية مطرزة بسندس الدهشة الحالمة‮ ‬ومكللة بديباج النشوة العارمة‮ ‬ومحفوفة بألف ألف فرس بيضاء‮ ‬وألف ألف حديقة خضراء‮ ‬وألف ألف جندول مجندل بأطنان من العود والعطور والعنبر والبخور‮ .. ‬فإذا بها الليلة الثانية بعد الليلة الأولى بعد الألف ليلة‮.. ‬خرجت من الكتاب والكتابة‮ ‬ودخلت في‮ ‬الروح والصبابة‮ !!..

 
Share

التصنيفات: تحقيقات

Share