Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

القضاء والبرلمان انموذجاٍ الشفافية .. بين حق الحصول المعلومات وسريتها

استطلاع/

 سمير الفقيه – صادق السماوي

تعد الشفافية أحد العوامل الرئيسية في بناء الحكم الصالح وشرطاٍ أساسياٍ لتحقيق المساءلة.. إذ من البديهي أنه لن تكون هناك مساءلة ما لم تكن هناك شفافية.. وإذا اجتمع هذان العاملان سيكون سير التنمـــية أفضل وقدرة الناس على المشاركة في وصنع القرار والتأثير عليه أكبر.. لذا فإن كثيراٍ من الدول وضعت تشريعات قانونيـــة تكفل حصول المواطنين على المعلومات بل فرضـــت عقوبات على كل من يمنع هذا الحق..

وفي هذا السياق نظم مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي الأحد الماضي ندوة »إشهار الدراسات حول التزام المؤسسات اليمنية بالشفافية والإفصاح وحق الجمهور في الحصول على المعلومات« فيما ركزت الورقة المقدمة من مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي حول تقديم عرض منهجي للدراسات حول مدى التزام المؤسسات الحكومية بقواعد الإفصاح والشفافية وحق الجمهور في الحصول على المعلومات..

واعتبرت الدراسة أن قضية الشفافية والحصول على المعلومات شكلت ركيزة أساسية للتعبير عن مجتمع ما بأنه يتفق مع المبادئ الأساسية للحكم الجيد بما يعنيه من فصل بين السلطات وسيادة القانون واحترام الحقوق..

 

مقاربات منهجية

غير أن الدراسة تشير إلى الكثير من التحديات حين البحث عن مقاربات منهجية لقواعد الشفافية والإفصاح عن المعلومات منها حداثة الموضوع وعدم الاتفاق بين الباحثين والمتخصصين على التعريفات العلمية والإجرائية كمفاهيم الشفافية ومعايير الإفصاح عن المعلومات..

وتضيف الدراسة أنه من خلال الجدل الدائر حول الشفافية وقواعد الإفصاح عن المعلومات يبرز تساؤل مهم حول المعايير الدقيقة للحكم على هذه المؤسسة أو تلك بأنها مطابقة لمعايير وقواعد الإفصاح عن المعلومات أم لا¿.. وهل توجد معايير محددة ومتفق عليها¿ وماهي المقاربات التي توصل إليها الباحثون في هذا المجال¿ وكيف يمكن أن نؤسس لقواعد للإفصاح يتم البناء عليها وتطويرها¿

مكمن المعلومة

ووفقاٍ للدراسة فإن المؤسسات الدستورية والرقابية والتنفيذية تشكل مكمن صنع المعلومة وهي التي يمكن الحكم من خلالها في حال تعززت فيها قنوات الشفافية مع وسائل الإعلام والجمهور أن هناك أفقاٍ لحرية الحصول على المعلومات.. وحول الواقع الحالي لتلك المؤسسات في اليمن تشير الدراسة الى أن هذه المؤسسات تعد المئات من التقارير المهمة لكن الكثير منها تظل حبيسة الأدراج إما لأسباب قانونية أو لأسباب تتعلق بالوعي الثقافي للقائمين عليها.. إذ درج المجتمع اليمني وخاصة في المؤسسات على أن كل معلومة لا بد أن تكون سرية تحت مسمى »سرية العمل« ولا يحق لأي موظف أن يصرح بمعلومة إلا بعد الرجوع إلى مرؤوسيه وتصل السلسلة إلى رئيس المؤسسة ومن هنا يأتي هذا المشروع لمعرفة مدى التزام تلك المؤسسات بحق الجمهور في الحصول على المعلومة وطبيعة القوانين التي تعيق عملية الشفافية والإفصاح..

مجتمع الدراسة

وهدفت الدراسة أثناء بحثها إلى اختيار مجموعة محددة من العينات لقياس الدراسة عليها حيث تكون مجتمع الدراسة لديها من أربع مؤسسات مختلفة هي البرلمان والمجلس الأعلى للقضاء وهيئة مكافحة الفساد وجهاز الرقابة.. وأرجعت الدراسة اختيارها لهذه المؤسسات لتنوعها التشريعي والقضائي والرقابي ولاعتبارها من أهم مصادر المعلومات للصحفيين كما أنها تعتبر مجمعاٍ تنساب إليه النســــبة الأكبر من المعلومات المتعلقة بمختـــلف مؤســـــسات الدولة والمؤسسات الخاضعة لرقابة ومحاســـبة هذه الجهات بموجـــــب قوانين إنشائها وطبيعة عملها..

دور القضاء

فيما يرد المحامي عبدالرحمن علي برمان في ورقته الموسومة بـ»الشفافية والإفصاح عن المعلومات في المجلس الأعلى للقضاء« أن بنية إدارة المعلومات في مجلس القضاء الأعلى وخصوصاٍ »الموقع الإلكتروني« لا يزال بحاجة إلى تحديث وأن عدد الزوار للموقع لم يتجاوز الـ »2400« زائر.. الأمر الذي يدل على عدم معرفة الجمهور به.. أو أن الموقع لا يمثل أهمية لهم ولا سيما أصحاب الاختصاص من القضاة والمحامين والإعلاميين.. والأمر الآخر أن الموقع لا يتم تحديثه في فترات متباعدة فآخر تحديث للموقع كان بتاريخ ٢٢/٧/٩٠٠٢م حتى نهاية شهر سبتمبر وذلك بسبب الإجازة القضائية بل حتى في غير الإجـــــازة القضائية لا يتم تحديث الموقع إلا في أوقــــات متباعدة تصل أحياناٍ إلى اسبوعين وعلى سبيل المثال في شهر مايو 2009م تم تحديث الموقع ثلاث مرات فقط..

غياب الشفافية

ويلفت برمان الى عدم وجود سياسات واضحة لدى مجلس القضاء الأعلى في عملية نشر المعلومات حيث لا يوجد منشور ورقي يصدر عن المجلس ولا تصدر بلاغات صحفية عنه يوضح فيها انشطته والقرارات التي تتخذ في اجتماعه الاسبوعي ويضيف برمان:

إن الفهم التقليدي حول سرية المعلومات الخاصة بالقضاء ما يزال سائداٍ في المجلس حيث أن ما ينشر لا يتعدى الأمور العادية مثل الحركة القضائية وتنقلات القضاة وترقياتهم وبعـــــض أخــــبار غير واضحة مثــــــل فصل عدد من القضاة أو أعــــضاء النيابة دون توضــــيح الأسباب أو ذكر أسماء الأشخاص..

سياسة تعتيم

ويتابع برمان بالقول: وهنا يجري التعتيم على الجمهور بشأن المعلومات الخاصة بالقضاء.. الأمر الذي جعل مجلس القضاء الأعلى يفضل التعامل بالإجراءات الرسمية التي تحدد النشر في مجالات محددة وتشكل معلومات منقوصة.. وعلى الرغم من أنه تم إنشاء مركز للمعلومات إلا أنه وحتى هذه اللحظة لم يقدم شيئاٍ ملموساٍ في مجال توفير المعلومات واطلاع الجمهور عليها بعد مرور عام ونصف على إنشائه ليتضح أن أغلب المعلومات التي يقوم المركز بإعدادها وحفظها تعتبر »سرية« لا يجوز الاطلاع عليها إلا لذوي الاختصاص.. وخصوصاٍ المعلومات المتعلقة بالقضاة وأعضاء النيابة الذين أوكل المركز إعداد ملف لكل منهم يحتفظ فيه بكافة المعلومات الشخصية وسيرته الوظيفية وكل إجراء يتخذ ضده من تحقيق أو تنبيه أو عقوبات..

حساسية العلاقة

ويلفت المحامي برمان إلى أنه ربما كانت العلاقات الأكثر حساسية في مجتمعاتنا العربية عموماٍ واليمن خاصة هي تلك التي تجمع بين الإعلام والقضاء حيث يندر للأسف أن توجد علاقات مستقرة واضحة تحكم أسس التعامل بين الطرفين على الرغم مما يجمع بينهما من أهداف مشتركة.. ويؤكد برمان.. أن تدخل وسائل الإعلام وتمكينها لتمحيص الأحكام والتعليق عليها وكذا القرارات الصادرة عن مجلس القضاء الأعلى هو من قبيل »التدخل الوجوبي« الذي يتمم عمل القضاء ويسمح له بأن يحيل سلطة الشعب أو الرأي العام من عالم التنظير إلى أرض الواقع ولا تقل عن ذلك أهمية تحقيق درجة من النضج في العلاقة بين الطرفين تعزز من ترسيخ ذهنية متميزة للقضاة والإعلاميين واستقلالهما معاٍ عن كل المؤثرات التي تحول دون الأداء الموضوعي لهما رهن بالتعاون والتكامل لا التنافس والصراع مما يتطلب أكبر قدر ممكن من الانفتاح والشفافية فالاستقلال الذي تنشده السلطة القضائية رهن الى حد كبير بضــــغوط يمارسها الإعلام في هذا الاتجــــاه وهي ضـــــغوط محمودة طالما كان القصد منها صالح المجتمع كما أن حرية الإعلام واستـــقلاله وقدرته على سبر أغوار القضــــايا الشائكة في المجتمع موقوفة على وجـــــود ضمـانة قانونية وقــــضائية تكفل حرية التعبير قولا وفعلا..

نتائج

ويخلص المحامي برمان في ورقته المقدمة حول الشفافية والإفصاح في مجلس القضاء الأعلى إلى الآتي:

– خلو القوانين المتعلقة بالسلطة القضائية من نصوص مباشرة تلزم المجلس بنشر المعلومات المتعلقة بعمله بشكل يضمن عدالة الحصول عليها عدا الإشارة إلى مبدأ علانية جلسات المحاكم فقط..

– احتواء قانون السلطة القضائية واللائحة التنظيمية لمجلس القضاء الأعلى على نصوص تجعل الأصل سرية المعلومات في عمل المجلس ومنح رئيس المجلس السلطة في تقدير المعلومات التي تتاح للجمهور..

– لا يوجد للمجلس أي وسيلة إعلامية تعبر عنه عدا الموقع الإلكتروني الذي لا يقدم معلومات كافية للجمهور

– ميزانية المجلس تنشر كرقم واحد ولا يتم نشر تفاصيل أخرى وكذلك إيرادات المحاكم وأوجه الإنفاق ولم نستطع أن نحصل على أي معلومات متعلقة بها..

واقع البرلمان

وحول مدى التزام البرلمان بقواعد الإفصاح والشفافية وحق الجمهور في الحصول على المعلومات رأت الدراسة التي أعدها كل من الدكتور حسن منصور استاذ الصحافة المساعد بجامعة العلوم والتكنولوجيا وخالد العلواني عضو نقابة الصحفيين اليمنيين أن الشفافية هي تعميم وتطبيق النظم والآليات والسياسات والتشريعات وغير ذلك من الأدوات التي تكفل حق المواطن في معرفة وفهم ومراقبة وتقييم قرارات وسلوكيات الموظفين العموميين وإتاحة المعلومات للمواطنين عن ذلك دون طلب أو بناء على الطلب حسب الحالة..

وتشير الدراسة الى أن الواقع العملي لتفاعل والتزام البرلمان بقواعد الإفصاح والشفافية لا تسير على ضوء هذه النصوص والقوانين.. فالجلسات لا تبث إلا مسجلة بعد خضوعها للإشراف والمراقبة وكذلك يتم إبراز الموضوعات والعناوين والمواد التي تتوافق مع رغبات واتجاهات وأهداف هذا الإشراف..

وبالنسبة للصحافة وعلى الرغم من وجود توجيه من رئآسة المجلس بتوزيع التقارير التي تم مناقشتها فوراٍ للصحافة إلا أنه لا توجد آلية لهذا التوزيع ولا يحصل الصحفي على أي تقرير من المجلس أو هيئة رئاسته بل يتم الحصول عليها عبر الأعضاء..

مواقع جامدة

وتفيد الدراسة أنه بالنسبة للصحيفة المخصصة للمجلس والتي تحمل اسم »الشوروي« فقد توقفت منذ عام بالرغم من أنها لم تكن تنشر إلا ما يتم نشره عبر الإعلام الرسمي ولا تأتي بأي جديد وتم الاستعاضة عنها بنشرة خاصة تحت اسم »يوميات النواب« توزع داخل المجلس فقط.. كما يعاني الموقع الالكتروني من قدم المعلومات المتوفرة فيه وعدم تحديثها ويفتقد كذلك إلى التواصل الحي مع مرتاديه بالإضافة إلى محدودية هؤلاء المرتادين على شريحة ضيقة جداٍ وذلك بالنظر إلى وضعية الشعب اليمني وحالته الاقتصادية والمعرفية..

وتتابع الدراسة بالقول: وعموماٍ فالمواطن لا يسمح له بالدخول إلى شرفات المجلس ابتداءٍ.. ومن ثم فهو مغيب عن جزء كبير مما يدور داخل المجلس وذلك لأنه يعتمد في حصوله على المعلومات من الإعلام الرسمي الذي يبرز ويركز على ما يريد والإعلام المعارض والذي أيضاٍ يبرز الأمور من وجهة نظره.. مما يجعل هذه المعلومات مشوهة وناقصة إن لم تجانب كامل الصواب أحياناٍ وهذا ما يزيد الحاجة الملحة للشفافية في بث كل ما يدور في أروقة المجلس وتحليله بحيادية تامة وموضوعية كبيرة خدمة لدور المجلس في أداء واجباته وتفاعل الجمهور معه وإدراكه لما يدور في قاعته ولجانه المختلفة..

الاستنتاجات والتوصيات

وخلصت الدراسة إلى عدد من الاستنتاجات والتوصيات المتعلقة بدور البرلمان في تكريس مبدأ الشفافية والإفصاح عن مهام وهي كالآتي:

– هناك هوة كبيرة ما بين النصوص القانونية المتعلقة بالشفافية والواقع الممارس داخل أروقة البرلمان..

– يحظر على الصحفي الذي استكمل كافة إجراءات حق الدخول إلى الشرفة المخصصة لرجال الصحافة والإعلام أن يصطحب آلة تسجيل أو كاميرا أو هاتفا محمولا..

– لا يجرى البث الحي لجلسات المجلس عدا بعض جلسات استثنائية..

– يمنع الصحفيون من حضور جلسات اللجان كما أن جلسات اللجان لا تبث بثاٍ مباشراٍ ومسجلاٍ على الإذاعة أو التلفزيون..

– التقارير الميدانية الساخنة لا تناقش ويجرى ترحيلها إلى أن تفقد قيمتها وتتقادم المعلومات التي فيها..

– ليست هناك آلية واضحة ومعلنة أو دليل منشور حول كيفية حصول المواطن أو الصحفي على المعلومات والتقارير المتعلقة بالمجلس..

– السياسة الإعلامية للمجلس تعبر عن إدارة المجلس أكثر من خضوعها لشروط ومعايير الشفافية كما أن صلاحية رئيس المجلس تخوله إصدار توجيهات وقرارات تحد من درجة الشفافية..

– وضع آلية واضحة ومحددة تسهل حصول المواطنين والصحفيين والوسائل الإعلامية المختلفة على كل المعلومات المتعلقة بأداء المجلس الرقابي والتشريعي والمهام القانونية الأخرى..

– توعية أعضاء المجلس وهيئة الرئاسة بمعايير الشفافية ودورها في تحسين الأداء وإزالة علامات الاستفهام التي تنتج عادة عن التحفظ والغموض..

Share

التصنيفات: مكافحة الفساد

Share