Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

لو يفعلها الآخرون !!

محمد عبدالرحمن المجاهد

الزميل أمين الوائلي في عموده اليومي في صحيفة الجمهورية الغراء استنكر على هيئة مكافحة الفساد قبولها لاستقالات الذين لم يملأوا استمارات إقرارات الذمة أو لم يقدموا للهيئة تلك الإقرارات فاعتبر الزميل الوائلي ذلك منهم تهربا أو هروبا وطالب الهيئة بضرورة محاسبتهم عملا بشعار ( من أين لك هذا¿) ومع احترامي للزميل الوائلي فإني أرى أن تقديم الاستقالات من أولئك الذين لم يملأوا استمارات إقرار الذمة أنها شجاعة منهم واعتراف ضمني على فسادهم وأنهم قرروا كف أيديهم عن الفساد وعن اختلاس المال العام والخاص..

بينما غيرهم وهم كثيرون جدا في مفاصل السلطة من قمتها إلى قاعدتها العريضة رغم فسادهم الظاهر للعيان وما يملكونه من قصور وفلل ومزارع واسعة وشركات ومؤسسات خاصة وأرصدة بنكية متضخمة بمئات الملايين من العملات المحلية والأجنبية قدموا وملأوا استمارات إقرارات الذمة بتحد واضح دون خوف ولا وجل والأدهى والأمر أنهم صباحا ومساءٍ يزايدون ضد الفساد والفاسدين وفي كل المحافل فسببوا لنا جميعا الحيرة في معرفة الفساد والفاسدين حتى كاد يصل حد اليقين أن الفاسدين هم عامة الشعب وذوو الدخل المهدود الذين لا يكاد دخلهم أو دخولهم المشروعة تكفي لمعيشتهم لأيام أو أسابيع مما يضطرهم للبحث عن مصادر دخل مشروعة إضافية أخرى ( تْرِكي ) لرواتبهم الشهرية من وظائفهم ..

فهم أيضا يسكنون بيوتاٍ بالإيجار لعدم قدرتهم على شراء أو بناء مساكن لهم حتى ولو ( ديم ) جمع ( ديمة ) فالضجيج الذي يحدثه كبار الموظفين والمسؤولين الذين يملكون كل شيء عن الفساد والفاسدين كاد  يجعلنا نتوه عنهم ونعتقد جازمين أن صغار القوم وفقراءهم وضعفاءهم هم أس الفساد وهي خطة مدروسة وعملية ذكية من الفاسدين الحقيقيين باستعمال الهجوم وسيلة للدفاع ..

ولذا نجدهم أكثر من يتحدث عن الفساد وأكثر من يهاجم الفاسدين وذلك لإبعاد الأنظار عنهم وتحويلها إلى غيرهم ولذلك كانوا أكثر جرأة وهم يقدمون إقرارات الذمة المالية لهيئة مكافحة الفساد عن ثقة مطلقة أنها لن تصنع بهم أو لهم شيئا أكثر من ذلك فهي لن تستطيع أن تحاسب أحدا ولن تعمل أو تسعى لمعرفة حقيقة ومصادر ممتلكاتهم وثرواتهم فبعضهم قد يكونوا أوردوا كل ثرواتهم وممتلكاتهم دون خشية أبدا لثقتهم بأنهم لن يحاسبوا ولن يساءلوا عن مصادر ثرواتهم وممتلكاتهم رغم المعرفة بأنهم وإلى قبل سنوات أو عقدين أو ثلاثة عقود من الزمن كانوا شبه معدمين لا يملكون إلا رواتبهم ولا يملكون من حطام الدنيا شيئاٍ ولكنهم بين عشية وضحاها أصبحوا من ذوي الأملاك والقصور الفارهة والشركات والمؤسسات الخاصة والمزارع الواسعة والأرصدة البنكية المتضخمة دون أن يسألهم أحد من أين لكم كل هذا¿!

والآن هم يلعنون الفساد والفاسدين إبعاداٍ للعيون عنهم فهم لبوا سريعا لتملئة استمارات إقرارات الذمة وتسليمها لهيئة مكافحة الفساد و ( على عينك يا تاجر ) ظنا منهم أنهم بذلك قد أبرأوا أنفسهم من الفساد والإثراء غير المشروع لثقتهم أن الأمر لن يتعدى إقرارات الذمة وأنه لن يكون هناك بحث ولا استقصاء عن صحة ما أوردوه في استماراتهم إقرار الذمة ولا عن مشروعية مصادر ممتلكاتهم وثرواتهم وهل جاءت عن طرق مشروعة أم غير مشروعة ¿ ..

وأظن – وبعض الظن ليس إثما – أن بعضا منهم قد جعل من نفسه في لإقرارات الذمة معدما يستحق الصدقة وأنه من النزاهة والشرف لا يضاهيه إلا الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وصاحباه أبو بكر وعمر ابن الخطاب رضي الله عنهما مع أن قصوره وأملاكه الواسعة والمتزايدة تخرج للناس لسانها سخرية واستهزاء وتحدياٍ لكل هيئات وأجهزة مكافحة الفساد وذلك لعجز تلك الهيئات والأجهزة عن فعل شيء لأنها لم يخول لها المحاسبة لانعدام قانون ( من أين لك هذا ) الذي على ضوئه ستكون المساءلة والمحاسبة مع أن ذلك شعار وسلوك إسلامي عمل به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون ..

فالرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم عندما بعث بأحد الأشخاص لجباية الزكاة من إحدى المناطق الإسلامية عاد ذلك الشخص ومعه من العطايا والهدايا ما يزيد على ما هو حق لبيت المال فجاء يقول لرسول الله هذا لي وذلك لبيت مال المسلمين فغضب رسول الله وقال : (هلا قعد أحدكم في بيته هل كان سيأتيه شيء من المال ¿) ثم ضم جميع ما ادعى به ذلك الشخص لبيت مال المسلمين ليقينه أن ذلك المال لم يأت إلا مقابل التغاضي عن تسليم الـزكاة كاملة وصحيحة لبيت مال المســلمين..

كذلك فعل عمر ابن الخطاب مع عمرو ابن العاص عندما بلغه أنه فشت إليه فاشية فأرسل إليه خطاباٍ يقول فيه بلغني  يا عمرو أنه قد فشت إليك فاشية فمن أين ¿ فأجابه عمرو ابن العاص قائلا : يا أمير المؤمنين إن أرض مصر طيبة وخصبة وقد تاجرت فكان لي ما بلغك فإذا بعمر ابن الخطاب يرسل أحد الصحابة حاملا رسالة يقول فيها لعمرو : بعثناكم ولاة ولم نبعثكم تجارا ويحمل إليك هذا (فلان ) فقاسمه نصف مالك ..

بينما ولاتنا ومسؤولونا يتاجرون وينشغلون عن أمور الناس بتجارتهم رغم عدم دستورية أفعالهم ولا يحاسبهم أحد حتى بلغ بهم الحال أن أصبحوا يتهمون غيرهم بالفساد وبالفم المليان وفي كل المحافل والمناسبات والندوات والملتقيات التي يعقدونها وبوجوه صفيقة جريئة  غير هيابة وقد كنا سنحترمهم لو صدقوا مع أنفسهم واستعفوا من مناصبهم ووظائفهم كما فعل غيرهم أولئك الذين أشار إليهم الزميل الوائلي وعفا الله عما سلف ويكفيهم ما هبروه ونهبوه واختلسوه وهنيئا لهم ثرواتهم غير المشروعة وسامحهم الله عن فسادهم السابق.

لكنهم مصرون إصرارا لا نظير له متحدين كل مشاعر الاستنكار والسخط الجماهيري  ضد فسادهم أما الذين قدموا استقالاتهم استنادا لقول الزميل الوائلي فقد أعطوا الأمل بأنه لا يزال للحياء وجود فقدموا استقالاتهم اعترافا بأخطائهم واستعدادهم للكف عن الفساد ويا ليت يعملها غيرهم ويستحون فيقدمون استقالاتهم كما فعل من سبقوهم ويستعفون من مناصبهم فعلى الأقل سيثبتون أنهم فعلا عند قولهم وضد ممارساتهم الخاطئة ولكن يظل ذلك مجرد حلم ليس إلا فهم ينطبق عليهم قول الشاعر :

( إذا سبح القيطون فابشر بزلة

 وإن هلل فابشر بأم الكبائر )..

almujahed_mohammed@yahoo.com  

Share

التصنيفات: منوعــات

Share