جوعٌ قاتل ومرضٌ بلا دواء وموتٌ تحت الأنقاض في غزة

وكالات:

رغم أحاديث التهدئة ووقف إطلاق النار، تتكشف في قطاع غزة ملامح مأساة إنسانية مركّبة، حيث يتقاطع الجوع مع المرض، والنزوح مع انهيار المأوى، في مشهد يهدد حياة مئات الآلاف، ولا سيما الأطفال وكبار السن، وسط تحذيرات أممية متصاعدة من انفجار إنساني وشيك.

حذّرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) من أن كبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة في قطاع غزة يواجهون مخاطر جسيمة نتيجة النزوح القسري والانهيار شبه الكامل للنظام الصحي. وأشارت الوكالة إلى نقص حاد في الإمدادات الأساسية، بما في ذلك الحفاضات المخصصة للكبار، ما يقوّض النظافة والكرامة الإنسانية، إلى جانب النقص المزمن في أدوية الأمراض المزمنة، الأمر الذي يؤدي إلى وفيات يمكن تفاديها.

وأكدت الأونروا أنها تواصل دعم العائلات النازحة، رغم استمرار السلطات الإسرائيلية في منعها منذ أشهر من إدخال المساعدات بشكل مباشر إلى غزة، مشيرة إلى تقارير عن وفيات ناجمة عن انهيار مبانٍ متضررة كانت تؤوي نازحين، إضافة إلى وفاة أطفال بسبب البرد القارس. وشددت الوكالة على ضرورة السماح الفوري بدخول المساعدات الإنسانية على نطاق واسع لوضع حد لهذا الوضع الكارثي.

وفي السياق نفسه، نقلًا عن منظمة الصحة العالمية، حذّرت المنظمة من أن أكثر من 100 ألف طفل، إلى جانب 37 ألف امرأة حامل ومرضع، سيعانون من سوء التغذية حتى شهر أبريل المقبل، في ظل التدهور المتواصل للأوضاع الإنسانية والصحية. وأكدت أن نقص الغذاء والخدمات الصحية الأساسية يفاقم المخاطر الصحية التي تهدد الفئات الأكثر ضعفًا، محذّرة من تداعيات خطيرة على النمو والصحة العامة إذا استمر الوضع على حاله.

كما أشارت منظمة الصحة العالمية إلى أن سكان غزة يعانون دمارًا هائلًا في البنية التحتية، وتراجعًا كبيرًا في إنتاج الغذاء نتيجة شلل النشاط الزراعي ونقص الإمدادات، ما يزيد من حدة الأزمة الإنسانية، ويهدد بمزيد من التدهور في الصحة العامة ما لم يتم ضمان وصول المساعدات الغذائية والطبية دون عوائق.

خروقات وطوارئ

سياسيًا وميدانيًا، حذّرت حركة “حماس” من تصاعد المخاطر الإنسانية في ظل استمرار انهيار المباني التي قُصفت خلال الحرب، وسقوطها على رؤوس ساكنيها، إضافة إلى تشديد الحصار ومنع إدخال مستلزمات الإيواء وعرقلة عمليات الإعمار. وقال الناطق باسم الحركة حازم قاسم إن القتل اليومي للمواطنين، كما حدث في حي الشجاعية، يشكل خرقًا واضحًا لاتفاق وقف إطلاق النار، ويعكس رغبة إسرائيلية في مواصلة العدوان، داعيًا الوسطاء إلى تحرك جاد لوقف هذه الخروقات والضغط لبدء إعمار حقيقي، بدل استمرار الموت تحت الأنقاض أو بسبب البرد وغرق الخيام.

وفي بعدٍ موازٍ، كشفت صحيفة نيويورك تايمز، استنادًا إلى منظومة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC)، أن تدفق المساعدات منذ وقف إطلاق النار لم ينعكس تحسنًا فعليًا في الأمن الغذائي، إذ لا يزال نحو 1.6 مليون شخص يعانون من انعدام حاد في الغذاء، بينما يواجه أكثر من 100 ألف خطر المجاعة، مع تصنيف قطاع غزة بأكمله ضمن مستوى “الطوارئ”.

وبيّن التقرير أن ما يصل من مساعدات لا يتجاوز الحد الأدنى للبقاء، في ظل بطالة تقارب 80% وارتفاع الأسعار وضعف القدرة الشرائية، محذرًا من احتمال تعرض أكثر من 100 ألف طفل دون سن الخامسة لسوء تغذية حاد بحلول عام 2026 إذا استمرت الاتجاهات الحالية. كما أكدت تحذيرات أممية أن غالبية السكان لا تزال تفتقر إلى مصادر بروتين أساسية، مع استمرار القيود اللوجستية والأمنية ونقص المياه والرعاية الطبية، رغم إدخال نحو 100 شاحنة مساعدات يوميًا وتقديم الغذاء لنحو 1.5 مليون شخص خلال شهر واحد.

وبين الجوع والمرض والبرد وانهيار المأوى، يعيش قطاع غزة واحدة من أخطر مراحله الإنسانية، في ظل تحذيرات متكررة من منظمات دولية بأن ما يجري لم يعد أزمة مؤقتة، بل كارثة مفتوحة تهدد جيلًا كاملًا ما لم يُكسر الحصار وتُفتح المعابر وتُطلق عملية إغاثة وإعمار حقيقية وفورية

Comments are closed.

اهم الاخبار