رُقيّة الرّشِيدِي:هل يدفع ثمن السِّلم إلا من تخلّى عن معادلة الردع؟

 

الحروب تصنعنا بقوّة، وتُعيد تشكيلنا بخبرة في التصدّي للعدوّ والتعامل معه، ولا تترك فينا فراغًا للضعف، بل تُراكم في وعينا قواعد الاشتباك، وتُهذّب فينا معنى الجهوزيّة الدائمة، حتى يصير الاستعداد أسلوب حياة لا حالة طارئة.

اليوم، قياداتنا لا يقفون في مربع ردّ الفعل، بل في موقع المبادرة المحسوبة، حيث تُدار معركة الردع بعقل بارد ونفس طويل، لا بعشوائيّة منفعلة، الجهوزيّة العسكريّة لم تعد مجرّد عرضٍ للقوّة، بل صارت معادلة ثابتة: سلاح حاضر، ورجال على أهبة الاستعداد، وأعين لا تنام عن حدود السيادة وثغور الوطن.

لقد أثبتت السنوات الماضية أن من يمتلك زمام الردع لا يحتاج إلى إشعال الحرب كلّ يوم، لأن مجرّد قدرته على إشعالها متى شاء كفيل بكبح العدوّ وردعه.. ولهذا، فإن غياب التصعيد الواسع اليوم لم يكن نتيجة ضعف، بل ثمرة قوّةٍ بالغة، ومعادلة صار العدوّ يحسب لها ألف حساب قبل أن يخطو خطوة واحدة.

وإذا نظرنا إلى ما يجري في حضرموت اليوم، ندرك بوضوح كلفة هذا “السلم” مع العدوّ وأدواته، حضرموت تُستهدف بفوضى ممنهجة، وتمزيق ناعم، وصناعة صراعات داخلية، لأن العدوّ حين يُحرم من كسر الجبهة الصلبة، يذهب للعبث في الأطراف الرخوة، ما يحدث هناك ليس حدثًا معزولًا، بل نتيجة طبيعيّة لحالة انفلات زرعها التحالف عبر المال والسلاح والإغراءات، ليعوّض فشله في كسر صنعاء.

حضرموت تُستنزف اليوم لأن بعض من فيها وُضعوا خارج معادلة الردع، وتُرِكوا بلا مظلّة سياديّة حقيقيّة، فصار العبث بهم أسهل، والتآمر عليهم أسرع، وتحويلهم إلى وقود صراعات أيسر، وهنا تبدو المفارقة المؤلمة: حيثما غابت معادلة الردع، حضرت الفوضى، وحيثما ترسّخت قوّة الاستعداد، فشل العدوّ في الاختراق.

قيادتنا تدرك أن الحرب لا تُدار فقط في الميدان، بل في الوعي، وفي الاقتصاد، وفي الأمن، وفي صنع القرار، ولهذا، فإن الجهوزيّة التي يتمسّكون بها اليوم ليست خيارًا ترفيًّا، بل ضرورة وجوديّة، لأن العدوّ لم يتغيّر، وإن غيّر أدواته، ولم يتخلّ عن أطماعه، وإن بدّل خطاباته.

 

إن من يراهن على أن الهدوء يعني تراجعًا، يجهل طبيعة هذه المرحلة، فالهدوء هنا هو الهدوء الذي يسبق العاصفة إن فُرضت، وهو السكينة التي تخفي خلفها عاصفة جاهزة للانفجار في اللحظة التي تُمسّ فيها كرامة هذا الشعب أو سيادته.

ختامًا، ما يحفظ هذا الوطن اليوم ليست الاتفاقات الهشّة، ولا الوعود الدوليّة الباردة، بل معادلة الردع، وروح الجهوزيّة، والعقل الذي يتقن إدارة الصراع دون أن يحترق بناره قبل أوانه، وما لم تُفهم هذه الحقيقة جيّدًا، سيظلّ العدوّ يعبث في الأطراف، ويُجرّب حظه حيث يظنّ أن القبضة رخوة، بينما تبقى صنعاء – بثباتها واستعدادها – العقدة التي استعصت على الكسر.

 

 

Comments are closed.

اهم الاخبار