حضرموت على بُعد خطوة من “الفاشر”

الوحدة نيوز- أبوعامر: حضرموت على بُعد خطوة مما يحدث في “الفاشر” السودانية، حيث تدير القوى الاقليمية والدولية صراعتها على ساحتها بأدوات محلية بهدف فرض نفوذها وترسيخ أمر واقع فيها أساسه تفتيت النسيج المجتمعي داخلها وخلق حالة من الاقتتال البيني والفوضى واللاستقرار المستمر لكي تتمكن من نهب ثرواتها الثمينة واستغلال موقعها الجغرافي الاستراتيجي في خدمة مشاريع تلك القوى الخارجية على حساب أصحاب الأرض الذين يتضورون جوعاً ويعيشون حالة مزرية من البؤس والتشرد والفقر وغياب أدني الخدمات البسيطة.

وها هي حضرموت تلك المحافظة اليمنية ذات المساحة الجغرافية الواسعة وموقعها الاستراتيجي الهام وما تحتوي بواطن أرضها من الثروات والمعادن النادرة، تشهد اليوم تصعيداً خطيراً يوشك على الانفجار بين أدوات الاحتلال الإماراتي والسعودي حيث يحشد كل طرف قواته القبلية والعسكرية في المحافظة استعداداً لمعاركة “فرض النفوذ” بالقوة من خلال أدواتها المحلية وبدعم لوجستي من كلا الدولتين .

وبعد سنوات من الاستقطاب السياسي والدعم والتسليح والتدريب السعودي والإماراتي للقوى القبلية والعسكرية والمدنية داخل محافظة حضرموت وخارجها، رأت كلتا الدولتين أنه حان وقت المواجهة بينهما على ساحة حضرموت تحت ذرائع متعددة منها مكافحة المخدرات ومحاربة تنظيم القاعدة، في حين تضمر كلا منهما أهداف مغايرة عما تظهره في العلن ولعل أبرزها ثروات حضرموت النفطية والمعدنية والبحرية وموقعها الاستراتيجي بالنسبة لهما.

ويأتي هذا التصعيد، في ظل ما تعيشه المحافظات الجنوبية والشرقية المحتلة من احتقان شعبي نتيجة الأوضاع المتردية وغياب شبه كلي للخدمات الأساسية لاسيما الكهرباء وانقطاع الرواتب والانفلات الأمني وارتفاع نسبة حالات الاختطاف والقتل اليومية وتدهور قيمة الريال أمام العملات الاجنبية، حيث تشهد احتجاجات شعبية متقطعة رافضة لسياسية التجويع والاذلال الممنهج الذي يمارس ضدهم، ومنددة بفساد حكومة المرتزقة ومليشيا “الانتقالي” ومطالبة برحيلهما مع الاحتلال السعودي والاماراتي من محافظاتهم.

وبرغم ما يحدث من تحشيد قبلي وعسكري في حضرموت وتصاعد نبرة التحدي والاستعداد للحظة الانفجار الخطير والكبير في المحافظة، تغيب “حكومة المرتزقة” عن كل ما يجري وتتورى خلف الأبواب المغلقة في معاشيق أو فنادق عرابيها، وكأن لا علاقة لها بالوضع المتوتر هناك، وهذه نتيجة طبيعية لـ”المرتزقة” الذين سلبت منهم الإرادة الوطنية وصاروا كـ”الإرجوازات” لا يقدرون على الحركة ما لم تحركهم أصابع الإمارات والسعودية.

أهداف “المحتلين الجدد”

تتحرك السعودية في حضرموت من بوابة النفوذ الجغرافي المباشر مستندة إلى الامتداد الحدودي الطويل، وإلى حضورها العسكري في مناطق الوادي والصحراء، وهناك بنت شبكة من الولاءات الرسمية وأدارت مفاصل حساسة في السلطة المحلية، وهذا الحضور يبدو صارماً محسوباً، يتحرك بمنطق الاحتواء أكثر من منطق التحول الجذري.

وفي المقابل تنسج الإمارات نفوذها في الساحل الحضرمي بروح مختلفة، تعتمد على الاقتصاد وإعادة تشكيل الفاعلين المحليين، وبناء قوة أمنية مرتبطة بالموانئ والسواحل، وفي المكلا يتجلى هذا النهج بوضوح، حيث تحرّك أبوظبي أدواتها عبر الأمن البحري والاستثمارات بما يضمن لها حضوراً مستقراً يتجاوز الطابع المؤقت للوجود العسكري، لتبدو المدينة وكأنها واجهة مشروع إماراتي صامت، يتقدم بخطوات محسوبة دون أن يصطدم مباشرة بمراكز النفوذ السعودية.

بين الوادي والساحل تتشكل ثنائية نفوذ غير معلنة، تجد حضرموت نفسها اليوم ساحة تصفية حسابات باردة، تتقدم فيها المصالح الإقليمية بخطى أسرع من تطلعات أهلها.

مشروع تفتيتي

إن صمت ما يسمى “الشرعية” عما يجري الآن من تحركات عسكرية في حضرموت، يكشف أنها لم تعد تملك زمام المبادرة ولا حتى المقدرة على الدفاع عن واحدة من أهم وآخر المناطق التي تتمتع باستقرار نسبي في البلاد، وفق ما أوضح الدكتور فؤاد البداي استاذ العلوم السياسية بجامعة تعز، لافتاً إلى أن “التحالف” الذي أتى تحت مسمى “استعادة الدولة”، أصبح هو نفسه أكبر عامل في تآكلها، ويفتقر إلى وجود مشروع واضح يحفظ اليمن من مزيد من الانقسام.

ويشير البداي إلى أن أجندة الإمارات باتت واضحة تمامًا وقائمة بالأساس على إعادة رسم الجغرافيا السياسية، وتفكيك بني الدولة والمجتمع اليمني نفسه، وبما يخدم نفوذها، ويعزز من مصالحها الضيقة والآنية.

يستطيع الشعب اليمني بما يمتلكه من عناصر القوة، أن يعيد بناء دولته دون الحاجة لمثل هذا التدخلات التي تتنافى مع مصالح الشعب اليمني وأمنه واستقراره، وما يحتاجه الشعب فقط، هو وجود قيادة وطنية مخلصة تحافظ على السيادة وتوظف الطاقات والموارد في تحقيق نهضة اليمن الحديث، ونخب سياسية واجتماعية وطنية واعية ومسؤولة، توفر الدعم والمساندة، وتعمل على تحصين المجتمع من آفات التمزق والانقسام، كما يقول البداي.

ساحة صراع

تحولت حضرموت اليوم إلى ساحة صراع بين السعودية والإمارات، فالرياض لها أطماع قديمة متجددة بالوصول إلى بحر العرب وأبوظبي لها أطماع بالجزر والسواحل والموانئ، كما يرى زكريا الشرعبي الباحث في الشؤون العسكرية، مؤكداً أن أحد عشر عاما من الاحتلال كانت كافية ليأخذ الجميع الدروس ويقتنعون أنه ما من دخيل عافية.

نقل الفوضى

ما يحدث في حضرموت اليوم من محاولات نقل مشروع الفوضى إليها لإخضاع أهلها واذلالهم، أبناء المحافظات الجنوبية منها برأ، بحسب ما أكد عبدالكريم السعدي، رئيس تجمع القوى المدنية في الحراك الجنوبي السلمي، مشيراً إلى أن ما يدور في حضرموت معركة اقليمية بمرتزقة محليين دمروا عدن وما حولها وباعوا سقطرى مقابل أن يرضى عنهم سيدهم وولي نعمتهم.

تهديد خطير

أن إدخال مجاميع مسلحة وتعزيزات كبيرة إلى محافظة حضرموت تحت أي غطاء هو تجاوز خطير لا يمتّ لروح الاستقلال ولا لمبادئ التحرر التي حملها يوم الـ 30 من نوفمبر المجيد، كما يقول علي محامد الناطق الرسمي باسم لجنة الاعتصام السلمي في المهرة، موضحاً أن محاولة فرض السيطرة بالسلاح، أو خلق واقع جديد، هي خطوة مرفوضة قبلياً ووطنيا وشعبياً، وتمثل تهديداً صريحاً لاستقرار المحافظات الشرقية وسلمها الاجتماعي.

وأكد محامد أن أمن حضرموت هو جزء لا يتجزأ من أمن محافظة المهرة والشرق اليمني كله، وأي عبث باستقرارها ينعكس على الجميع، لافتاً إلى أنه لن يُسمح أن تُستخدم لفرض احتلال جديد او محاولة فرض السيطرة تحت أي ذريعة.

رسالة صنعاء للجنوب

من جانبه أبدى محمد البخيتي عضو المكتب السياسي لأنصار الله تعاطف صنعاء تجاه المجتمع الحضرمي في مواجهته لمليشيات الإمارات، كون ذلك هو حال أغلب الشعب اليمني، مستدركاً أن هذه التعاطف لا يعني بالضرورة تحوّله إلى عمل عسكري مساند لقبائل حضرموت، لان طبيعة الصراع القائم تجعل هذا الاحتمال غير واقعي، إلا في حال تم استدعائنا لحماية المجتمع الحضرمي في سياق استعادة سيادة واستقلال اليمن فعندها لن نتأخر لحظة واحدة.

ولأن ما يجري من صراعات في المحافظات المحتلّة ليس سوى صراعات عبثية ناتجة عن توتر العلاقة بين السعودية والإمارات حول تقاسم النفوذ والثروة، وهي صراعات ما تلبث أن تنتهي “كما في كل مرة” باتفاق ثنائي جديد لإعادة تقاسم الكعكة على أشلاء ابناء الشعب اليمني ومعاناتهم، بحسب البخيتي.

وأفاد البخيتي أنه من الصعب التنبؤ بنتائج هذه المعركة أو التأثير في مسارها، لأن أي اتفاق سعودي–إماراتي مفاجئ قد يقلب المشهد رأسًا على عقب؛ فكما قد ينتهي المشهد اليوم إلى تسليم حضرموت للانتقالي دون قتال، قد يقود غدًا إلى انسحاب قوات الانتقالي من حضرموت، بما في ذلك المكلا نفسها، بعد تكبده لخسائر فادحة في سبيل السيطرة عليها.

لا يُستبعد البخيتي أن ما يجري اليوم من حشود وتلويح باجتياح حضرموت ليس سوى بروفة متفق عليها بين الإمارات والسعودية، تهدف إلى إخضاع المجتمع الحضرمي “الذي لا يزال متماسكًا” ودفعه إلى تقديم المزيد من التنازلات للسعودية، ليس فقط في ما يتعلق بنهبها لثروات حضرموت النفطية والغازية ومناجم الذهب، بل أيضًا في ما يخص حصولها على منفذ بحري على المحيط الهندي.

نداء للضالع وردفان ويافع

وتوجه البخيتي بنداء للأخوة والأهل في الضالع ويافع وردفان قائلاً: “لا تنجرّوا إلى معارك عبثية مُكلفة، فمثل هذه الصراعات غالبًا ما تنتهي باتفاقٍ ثنائي بين السعودية والإمارات، بينما يدفع اليمن ثمن كل ذلك”.

وأكد البخيتي إن قضية اليمنيين الحقيقية التي ينبغي أن نلتف حولها هي استعادة سيادة واستقلال اليمن.

وتابع: “كلما تورطنا في معارك جانبية فإنها تُبعدنا اكثر عن ذلك الهدف الذي لا يمكن تحقيقه إلا بتوحدنا لخوض معركة تحرير اليمن من صعده إلى المهرة”.

 

Comments are closed.

اهم الاخبار