عادل الحسني: لماذا حضرموت؟
دومًا ما يُطرح هذا السؤال عند كل تطور ميداني أو سياسي في هذه المحافظة، التي تتحول شيئًا فشيئًا إلى ساحة تنافس خارجي مفتوح.
أطماع إماراتية مسنودة باليد المسلحة والموالاة الضيقة التي تضخمها آلة الإعلام. إضافة إلى ثقل سعودي لا ينوي التفريط بعمقه الأمني والاستراتيجي، وبين الاثنين اهتمام أمريكي يُعنى بحضرموت بشكل خاص لاعتبارات بين الظاهرة والمضمرة.
طالما كانت حضرموت محافظة ذات أهمية مضاعفة على الخارطة اليمنية بمساحتها الممتدة من الصحراء حتى الساحل، وحدودها المزدوجة بين السعودية وعُمان، وشريطها الساحلي الأطول في اليمن، وما تحظى به من ثروات النفط والذهب والأسماك، وغير ذلك.
كل هذه العناصر جعلت منها هدفًا مبكرًا لمشاريع النفوذ السعودي والإماراتي، وفق تقسيم واقعي غير مكتوب، فالرياض ترسخ حضورها في الوادي وسيئون، وأبوظبي تبسط نفوذها في الساحل والموانئ والقواعد البحرية.
تحت عنوان “مكافحة القاعدة”، وبحرب مصطنعة لم يُجرح فيها أحد سنة 2016، دخلت الإمارات إلى ساحل حضرموت، وأنشأت تشكيلات عسكرية وأمنية خاصة، وتحولت هذه التشكيلات إلى أداة رئيسية لتجريف الثروات.
عمدت الإمارات إلى استخراج النفط وتصديره عبر ميناء الضبة في أجواء من الغموض، دون معرفة حجم الإنتاج أو طبيعة العقود، أو حصة حضرموت وأبنائها من الثروة التي تُنهب في الظلام.
وعملت على التنقيب في وادي مدن المشهور بالذهب، وتهريب كميات مهولة من الصخور على متن شاحنات لتفريغها في ميناء الضبة، حتى أنَّ الطريق بين المهرة وحضرموت كان يُغلق ليليًا بحجة الاحتياطات الأمنية، بينما كانت الشاحنات تتحرك لتجريف ثروات حضرموت.
وفي البحر، تضع الإمارات يدها على سواحل حضرموت من الريدة الشرقية إلى بلحاف، وتمنع الصيادين الحضارم من الصيد في أغلب الأماكن، أيضًا بحجج أمنية، بينما تُجرف كميات كبيرة من الأسماك، وخاصة الشروخ والديرك، وتُصدَّر للعالم.
كما حولت مطار الريان إلى قاعدة عسكرية ومخابراتية، وبنت بداخله عنابر للضباط، إلى جانب زنازين تضع فيها عشرات السجناء الذين يتعرضون للتعذيب بشكل وحشي.
في مواجهة هذا الواقع، برز حلف قبائل حضرموت بوصفه تعبيرًا عن محاولة منظمة لالتقاط موقف حضرمي جامع، بقيادة الشيخ عمرو بن حبريش.
ظهر الحلف كمنصة تجمع قبائل وشخصيات اجتماعية، بمطالب حضرمية خالصة بأن تُجنَّب المحافظة المرحلة العبثية، وأن تُدار من أبنائها بعيدًا عن النزاعات البينية أو الجهوية أو حتى المذهبية.
كان هدف صيانة موارد وثروات وأمن حضرموت وترابطها الداخلي هو المحرك الوحيد للحلف.
من زاوية إقليمية، مثَّل الحلف تهديدًا لأي مشروع يهدف إلى تحويل حضرموت إلى منطقة نفوذ صامتة، أو أن تُدار من الخارج؛ لذلك توالت محاولات احتواء الحلف، وحين فشلت، قامت بحملات تشويه واسعة، وشق الصف القبلي، وصناعة كيانات بديلة مضمونة الولاء، وتوظيف تشكيلات عسكرية للتضييق عليه.
إلا أن وجود غالبية عناصر النخبة الحضرمية من أبناء القبائل أنفسهم خلق حدودًا لمستوى الصدام، إذ تردد كثيرون أمام فكرة الدخول في مواجهة مفتوحة مع أهلهم ومحيطهم الاجتماعي.
عند هذه النقطة، اتجهت أبو ظبي إلى خيار أكثر خشونة، باستقدام تشكيلات من خارج حضرموت، وقوى عسكرية، يدرك الجميع طبيعة ارتباطها المالي والسياسي.
في محاولة لكسر الكلمة الحضرمية، من خلال أيدٍ تنكرت لوشائج الدم والعرف المشتركة.
القوى المستقدمة تتحرك بعقلية السمع والطاعة للأمر الإماراتي، ولا تعترف بالانتماء.
لتقف حضرموت أمام أطلال من التصعيد، والمؤسف إذا دخلت المحافظة المستكينة حربًا لم تكن مضطرة لخوضها لولا خبث الإمارات وخيانة أتباعها لأرضهم وإخوانهم.
المشهد الراهن في حضرموت يمكن قراءته على أنه صراع بين نموذجين،
نموذج يريد تحويل المحافظة إلى مساحة منزوعة السيادة، بتجريف الثروات وإخضاع القبائل، وإدارة المحافظة من الخارج.
ونموذج آخر يسعى لفرض معادلة مختلفة تقوم على أن القرار الحضرمي يجب أن ينطلق من الداخل، وأن الثروة ينبغي أن تنعكس على حياة الناس، وأن حضور أي طرف خارجي يجب أن يخضع لضوابط واضحة.
Comments are closed.