شرعن لعسكرة البحر الأحمر.. صنعاء تُجهض مشروع أمريكي بريطاني شامل

نجيب علي العصار

في لحظة كان ينتظر فيها اليمنيون انفراجة لا حصارا جديدا جاء قرار مجلس الأمن الأخير بتمديد العقوبات على اليمن مرة أخرى ليكشف بوضوح أن المجتمع الدولي، ممثلا بالأمم المتحدة، لم يعد ينظر إلى اليمن كدولة ذات سيادة وشعب يستحق السلام، بل كملف تُدار فيه مصالح واشنطن والدول الغربية المتماهية مع الرغبات الإسرائيلية في منطقة مصالح حيوية، كالبحر الأحمر.

  وبينما تواصل الأمم المتحدة الحديث عن “السلام” و“الاستقرار”، كادتا الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وتحت غطاء أممي أن تبنيا حزمة إجراءات إضافية شديدة لحصار صنعاء تؤدي إلى تفاقم الأوضاع المعيشية للشعب اليمني إلا أن امتناع الصين وروسيا عن التصويت، أعاق تلك الإجراءات التي كانت تمثل عقابا جماعيا يهدد أمن اليمن وأمن الملاحة الدولية في مضيق باب المندب، الذي يعتبر أحد أهم ممرات التجارة العالمية حيث تعبر من خلاله أكثر من 12% من التجارة الدولية، وقرابة 30% من حركة الحاويات البحرية في العالم.

وكانت قاعة مجلس الأمن الدولي قد شهدت في منتصف نوفمبر الجاري واحدة من أكثر الجولات الدبلوماسية حساسية وتعقيداً حول الملف اليمني، انتهت بانتصار استراتيجي لحكومة التغيير والبناء في صنعاء وإجهاض شامل لمشروع بريطاني-أمريكي مشترك كان يهدف إلى فرض حصار اقتصادي شامل وعقوبات مالية وتجارية غير مسبوقة على اليمن.

مشروع قرار غير مسبوق

كشفت كواليس الجلسات عن محاولة غربية مدفوعة بـ “ارتدادات حرب غزة والبحر الأحمر” لإعادة هندسة قواعد الاشتباك القانونية والدولية ضد اليمن، إلا أن قوة الدفع الروسية-الصينية المشتركة أطاحت بالمسودة العدوانية، وأجبرت المجلس على الاكتفاء بتجديد تقني محدود لصيغة العقوبات القديمة لعام 2015، والتي وجدت صنعاء طرقاً عديدة لتجاوزها، هذا ما أكده المحلل السياسي، أنس القاضي، في ورقة تحليلية نشرها في منصة “أكس” وتابعتها “الوحدة”.

حصــار شامل

يقول القاضي، أن معركة تجديد نظام العقوبات على اليمن داخل مجلس الأمن جاءت في ظل لحظة دولية معقدة، تداخلت فيها ثلاث مستويات رئيسية، هي ارتدادات حرب غزة والبحر الأحمر وما رافقها من عمليات يمنية استهدفت الملاحة المرتبطة بالكيان الصهيوني، وكذا تزايد التوتر الاستراتيجي بين الغرب وروسيا والصين خلال العام الجاري، وتحول معظم ملفات مجلس الأمن إلى ساحات تنازع بين المحورين،  بالإضافة إلى جمود مسار السلام في اليمن، ومحاولة القوى الغربية إعادة صياغة قواعد الاشتباك عبر بوابة العقوبات بعد فشل العمليات العسكرية  العدوانية ضد اليمن 2023- 2025م.

مبينا في ورقة تحليلية، “أن بريطانيا والولايات المتحدة حاولتا الدفع نحو أكبر تعديل في نظام العقوبات منذ 2015م، استجابة لتوصيات مراكز الأبحاث السياسية الغربية والخبراء والعسكريين، بهدف هندسة البيئة الأمنية والقانونية-الدولية في البحر الأحمر والحديدة، للحدّ من تنامي القوة العسكرية للقوات المسلحة اليمنية في صنعاء”.

وأشار إلى أن معركة تجديد العقوبات بصورة مبكرة بدأت في 6 نوفمبر، حينما قدمت بريطانيا، بصفتها “صاحبة القلم” والمسؤولة عن صياغة نصوص مجلس الأمن المتعلقة باليمن، مسودة أولى تعد الأكبر والأخطر منذ عام 2015م.

القاضي: سقوط مؤامرة الحصار الشامل مكسب استراتيجي

ووفق القاضي، تضمّنت المسودة بنوداً وصفت بأنها الأخطر منذ بدء الحرب حظر شامل على المكونات المدنية التي قد تُستخدم عسكرياً، ما كان سيؤدي إلى حصار فعلي على الصناعات المدنية والغذائية والزراعية في اليمن.

إلى جانب ذلك، سعت بريطانيا إلى إدخال تفويض دولي صريح يمكّن الدول الأعضاء، منفردين أو ضمن تحالفات بحرية، من تنفيذ عمليات تفتيش بحري في المياه اليمنية وأعالي البحار وصولاً إلى الخليج العربي، وهو ما كان سيجعل البحر الأحمر ومضيق باب المندب في حكم المناطق الخاضعة لرقابة دولية موسّعة خارج إطار آلية التفتيش الأممية (UNVIM) في جيبوتي ما يجعل وصول أي سفينة إلى اليمن رهن بمشيئة التحالف البحري الغربي، والذي سيكون بيده القدرة على فرض الحصار وتأخير وصول السلع لتفجير المجتمع اليمني من اداخل للضغط على  السُلطة الوطنية في صنعاء.

ولم تكتفِ المسودة بذلك، بل توسعت في إدراج “الأنصار- وبالتالي حكومة صنعاء ” ضمن شبكة “التهديدات الإرهابية العابرة للحدود” أي أن التصنيف الفردي الأمريكي لأنصار الله بالإرهاب سيصبح ملزما لمختلف دول العالم، عبر ربط الأنصار والسلطة الوطنية في صنعاء بحركة الشباب الصومالية وبجماعات مسلحة تنشط في السودان، مع اتهام الصومال بأنه “مركز عبور أسلحة” إلى اليمن.

كما تضمّنت المسودة أيضاً، إدانات واسعة لاحتجاز 59 موظفاً أممياً، وأدخلت لأول مرة فكرة تنسيق ثلاثي بين لجان العقوبات الخاصة باليمن والسودان وحركة الشباب، بما يضع اليمن في قلب شبكة أمنية معقدة تتجاوز حدوده الجغرافية، وقد صُممت هذه المسودة بوضوح لخلق نظام عقابي موازٍ للقرار (2216)، وتوسيع أدوات الضغط الغربي ليشمل البحر والبر والفضاء المالي واللوجستي.

وخلص القاضي، إلى القول “أن سقوط المسودة البريطانية–الأمريكية يعد مكسباً استراتيجيا لصنعاء، إذ يمنع تشديد الحصار البحري ويحمي موانئ الحديدة من تدخلات دولية جديدة، كما يعزز مكانة صنعاء السياسية بوصفها طرفاً يحظى بقدرة على مقاومة الضغوط الدولية.

وعلى مستوى البحر الأحمر، يرى أن القرار يحافظ على الوضع القانوني القائم ويمنع اضفاء شرعية على اي تدخلات بحرية جديدة، ويقوض مساعي التحالف الغربي لفرض آلية تفتيش موسعة، موضحا أن القرار يعزز صلابة التحالف الروسي–الصيني في مواجهة الغرب، ويؤكد انتقال العالم إلى توازنات دولية متعددة الأقطاب.

انعكاس للأجندة الأميركية

من جهتها، رفضت حكومة التغيير والبناء في صنعاء، قرار مجلس الأمن بتجديد العقوبات على اليمن، ووصفته بأنه “انعكاس للأجندة الأمريكية”.

وقال القائم بأعمال وزير الخارجية عبد الواحد أبو راس، أن القرار 2801 استند الى ادعاءات أطراف شاركت في الحرب، في ظل غياب الموقف اليمني داخل المجلس، بحسب ” وكالة سبأ”.

وأضاف: أن الولايات المتحدة وبريطانيا تسعيان من خلال القرار إلى شرعنه عسكرة البحر الاحمر وتهديد الملاحة في البحرين العربي والأحمر، مؤكدا أن هذه القرارات لن تغير موقف صنعاء من القضية الفلسطينية.

سياسة الكيل بمكيالين

بدوره، أدان مجلس النواب قرار مجلس الأمن، ووصفه بأنه يجسد سياسة الكيل بمكيالين تجاه قضايا اليمن والمنطقة.

وقال “إن المجلس الدولي تحول إلى أداة طيعة بيد الولايات المتحدة وإسرائيل، محذرا من تداعيات الاستمرار فيما وصفها بالممارسات غير العادلة”.

وكان مجلس الأمن قد دعا، الجمعة، إلى وضع حد للهجمات العابرة للحدود والبحرية، التي تشنّها القوات المسلحة اليمنية، كما قرر تشديد الرقابة على الحظر المفروض على الأسلحة.

وتم تبني نص القرار بغالبية 13 صوتا، مع امتناع روسيا والصين عن التصويت، وهو يجدّد لمدة عام، حتى 14 نوفمبر 2026 م، العقوبات (تجميد الأصول وحظر السفر) والتي تستهدف حالياً نحو عشرة أفراد، معظمهم مسؤولون في حركة أنصار الله، إضافة إلى الحركة “ككيان”.

ازدواجية المعايير

في المقابل، أشاد عضو المكتب السياسي لأنصار الله، محمد الفرح، بالموقف الذي اتخذته روسيا والصين بالتوقف عن تجديد العقوبات على اليمن، الذي أتى “في مقابل السقوط الأخلاقي لمجلس الأمن الدولي”، واصفا موقف موسكو وبكين بأنه “يجسد صحوة ضمير إنسانية وأخلاقية، ووعيا بخطورة السياسات الأميركية التي تستخدم العقوبات لإخضاع الشعوب”.

وقال الفرح، في منشور على منصة “إكس” تعليقاً على قرار مجلس الأمن الدولي تمديد العقوبات على اليمن، أن “مجلس الأمن يواصل تقديم أسوأ نموذج لازدواجية المعايير، بعد أن أمضى سنوات وهو يغض الطرف عن جرائم الإبادة في غزة، بل ويساند العدو حتى يرتوي تعطّشه للدم، ويغطي الحصار والعدوان على اليمن من دون موقف أخلاقي أو قانوني”.

لكنه أعرب، في الوقت نفسه، عن أمله في لو كان موقف روسيا والصين في مجلس الأمن الدولي رفضا نهائيا ونقضا للقرار، مع تثمين لهذا الموقف (روسيا والصين امتنعتا عن التصويت على قرار تمديد العقوبات)”لما يحمله من رفضٍ لاستغلال مجلس الأمن، ولأنه يعيد بعضاً من التوازن في وجه الهيمنة الغربية”.

ورأى الفرح، أيضا أن “ما يفعله الغرب اليوم وأميركا، من دعم مفتوح للعدو الإسرائيلي بالسلاح والمال، وحماية الجرائم سياسياً، يكشف أن العقوبات التي يسعى لفرضها على اليمن ليست إلا أداة لخدمة الأهداف الصهيونية، ومعاقبة الشعب اليمني على صموده واستقلال قراره ووقوفه مع غزة”.

الفرح: مجلس الأمن منصة لازدواجية المعايير وتقاسم المصالح الغربية

في هذا السياق، جدد الفرح تأكيد الموقف اليمني المساند لغزة ولقضايا المظلومين من أبناء الأمة، ومواصلة المواقف المناهضة للهيمنة الأميركية والغربية على شعوب وبلدان المنطقة بلا تردد.

حجر العثرة

واجهت المسودة البريطانية-الأمريكية انقساماً حاداً وغير مسبوق داخل مجلس الأمن. وبينما ساندت فرنسا المسودة واعتبرتها غير طموحة بما يكفي، لعب الموقف الروسي-الصيني دور “حجر العثرة” الأكبر.

اعتبرت موسكو وبكين المسودة “غير متوازنة ومسيسة” وتمثل محاولة غربية لفرض وصاية بحرية دولية، وتتعارض مع مبادئ القانون الدولي، خصوصاً اتفاقية البحار، والولاية الحصرية “لدولة العلم” التي تحمل التجارة إلى موانئ اليمن. كما حذرت الصين من أن منح تفويض بحري دولي يفتح الباب لتدخلات عسكرية تحت غطاء قانوني مضلل.

مراقبون: تمديد العقوبات شرعنة للوصاية الدولية على اليمن

مشاريع ومصالح!

ويرى مراقبون محليون، أنه على الرغم من امتناع الصين وروسيا عن التصويت، إلا أن مواقفهما بدت أقل حدة مما كان يتوقعه اليمنيون الذين يرون في القوى الكبرى شريكة في ترسيخ نظام العقوبات المفروض على اليمن، فقد اكتفى البلدان بالتعبير عن قلقهما من طابع القرار السياسي، دون اتخاذ موقف صريح يعيد النقاش إلى جوهره: حق الشعب اليمني في السيادة وإنهاء الوصاية الدولية، فالصين، التي يعبر معظم تجارة بضائعها عبر البحر الأحمر، قلقة من الهيمنة الغربية على الممرات البحرية، لكنها لا ترغب في صدام مباشر مع واشنطن ولندن، ما يجعل اعتراضها محدود التأثير.

مواقف أقل حدة

أما روسيا، يؤكد المراقبون رغم انتقادها لاستخدام العقوبات كأداة سياسية، فإن موقفها ظل في إطار المناورة الدبلوماسية، لا في مستوى الدفاع الحقيقي عن سيادة اليمن، والحقيقة أن القوى الكبرى، سواء الغربية أو الآسيوية، تنظر إلى اليمن من زاوية المصالح وليس المبادئ، لافتين إلى أن اليمنيين يبقون وحيدين في مواجهة منظومة دولية تتحرك وفق حسابات السوق والجغرافيا السياسية، لا وفق العدالة أو الاستقلال الوطني، ويعكس هذا الواقع أن اليمن لم يعد محطة في صراع داخلي، بل نقطة تقاطع لمشاريع دولية تتنافس على الثروة والموقع الاستراتيجي.

ويرى مراقبون أن استمرار هذه العقوبات، دون تقدم حقيقي في مسار السلام أو دعم اقتصادي متوازٍ، قد يفاقم من معاناة المدنيين، ويزيد الضغوط على الفئات الأكثر هشاشة، في بلد ينهكه الحرب منذ سنوات.

عسكرة البحر الأحمر

بدوره، يؤكد السفير بوزارة الخارجية والمغتربين، عبد الله صبري، في لقاء مع قناة “المسيرة”، أن “قرار مجلس الأمن يساعد على مزيد من عسكرية البحر الأحمر”، موضحاً أن “قرار مجلس الأمن سابقا فاقم معاناة ملايين اليمنيين وتمديده يزيد المعاناة وفي نفس الوقت يفتقد للمعايير الضامنة لتنفيذه”.

صبري: قرار مجلس الأمن الدولي يشرعن عسكرة البحر الأحمر

ولفت صبري إلى أن “روسيا والصين تراعي مصالحها مع السعودية والإمارات وهذه المصالح هي وراء الموقف المتراخي لدى البلدين”.

حل سياسي

وقضى قرار مجلس الأمن الدولي الصادر الجمعة، بتمديد تدابير العقوبات المالية وحظر السفر لعام إضافي على اليمن حتى 14 نوفمبر 2026.

وعلى صعيد الحل السياسي، أكد بيان مجلس الأمن عدم وجود حل عسكري في اليمن. داعيا لاستكمال الانتقال السياسي وفق مبادرة الخليج ومخرجات الحوار الوطني، مشددًا على تسهيل المساعدات الإنسانية والواردات التجارية، مؤكدًا أن العقوبات لا تستهدف المدنيين.

يُشار إلى أن القرار الذي صاغته بريطانيا امتنع عن التصويت له كل من الصين وروسيا.

 

Comments are closed.

اهم الاخبار