دومة انهيار إنساني وسط اتهامات للإمارات بتغذية الحرب..السودان بلد يحــتضر

يتدهور الوضع الإنساني في السودان بوتيرة متسارعة، بينما تتوسع دائرة الاتهامات الدولية لدول إقليمية -وفي مقدمتها الإمارات- بدعم أطراف مسلحة تغذي الصراع الدموي المستمر منذ أكثر من عامين. وفي ظل استمرار القتال وانهيار الخدمات وفرار السكان، تزداد التحذيرات الأممية من أن البلاد تتجه نحو كارثة غير مسبوقة.

وكالات الأمم المتحدة حذّرت خلال الأيام الماضية من تفاقم المخاطر على المدنيين، مع تزايد حركة النزوح في بيئة وصفتها بأنها “الأخطر منذ اندلاع الحرب”. وقالت جاكلين ويلما بارليفليت، رئيسة مكتب مفوضية اللاجئين في بورتسودان، إن المدنيين العالقين بين خطوط القتال “يعيشون حالة يأس كاملة”، مشيرة إلى أن آلافًا ما يزالون في الفاشر فيما يُمنع آخرون من مواصلة الفرار بسبب المخاطر أو وجود أشخاص ذوي إعاقة ضمن مجموعاتهم.

وتواجه البلاد واحدة من أسوأ أزمات الغذاء في العالم. فبحسب منظمة الصحة العالمية، يواجه أكثر من 21 مليون شخص انعدامًا حادًا في الأمن الغذائي، بينما تجاوز عدد ضحايا الكوليرا 3500 شخص.

وقال المتحدث باسم المنظمة، كريستيان ليندماير، إن المجاعة تأكدت بالفعل في الفاشر وكادقلي وتهدد عشرات المناطق الأخرى في دارفور وكردفان.

لكن الخطر لا يتوقف عند الجوع والمرض، إذ تشير دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام إلى أن المتفجرات والذخائر غير المنفجرة باتت تغطي مناطق واسعة داخل المدن. وقال المسؤول صديق راشد إن “كل خطوة قد تكون قاتلة” بالنسبة للمدنيين العالقين في مناطق الاشتباكات.

غضب دولي

في الوقت الذي تتوسع فيه الكارثة الإنسانية، تتزايد أيضًا الاتهامات الدولية بتورّط الإمارات في دعم قوات الدعم السريع التي تخوض حربًا ضارية ضد الجيش السوداني منذ أبريل 2023. وأفادت صحيفة واشنطن بوست بأن منظمات حقوقية وأعضاء في الكونغرس الأمريكي وخبراء إقليميين “يحملون الإمارات بشكل متزايد مسؤولية تغذية العنف”، خاصة بعد المذبحة التي شهدتها مدينة الفاشر الشهر الماضي.

وتتهم جماعات حقوقية قوات الدعم السريع بارتكاب “إبادة جماعية” في الفاشر بعد قتل عائلات وأطباء ومئات المدنيين. وتقول منظمات إن هذه الجرائم لم تكن لتتم دون الدعم العسكري المستمر الذي تتلقاه الجماعة من الإمارات، رغم نفي أبوظبي لهذه الاتهامات.

وتشير واشنطن بوست إلى وجود أدلة موثوقة على تزويد الإمارات لقوات الدعم السريع بذخائر وطائرات مسيرة. ففي عام 2024، قال مسؤولون سودانيون إنهم استولوا في أم درمان على طائرة مسيرة وذخائر مرتبطة بها، ظهرت على صناديقها ملصقات تشير إلى أنها موجهة إلى “القيادة اللوجستية المشتركة للقوات المسلحة الإماراتية”.

كما وثّق مرصد الصراع في السودان ما لا يقل عن 32 رحلة جوية بين يونيو 2023 ومايو 2024، خلص إلى أنها “شبه مؤكدة” لعمليات نقل أسلحة من الإمارات إلى قوات الدعم السريع.

مصالح إقليمية

يقول محللون إن دوافع الإمارات تشمل مصالح استراتيجية في البحر الأحمر، الذي تمر عبره نحو 12% من حركة الشحن العالمية، إضافة إلى مصالح اقتصادية في قطاعات الذهب والزراعة بالسودان، ضمن مساعيها لتنويع مصادر اقتصادها.

وقد دفع تصاعد الاتهامات الولايات المتحدة لبحث اتخاذ خطوات للحد من تدفق السلاح. وقال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إن الإدارة “تعرف الأطراف التي تزود الدعم السريع بالسلاح”، مضيفًا: “يجب القيام بشيء ما لقطع هذا الدعم قبل أن يؤدي إلى نتائج كارثية”.

كما أصدر أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي—من الحزبين—بيانًا اتهموا فيه الإمارات بأنها “أججت الصراع واستفادت منه، وشرعنت الوحوش التي تدمّر السودان”.

 

دعوات للعقوبات

منظمة “هيومن رايتس ووتش” دعت مجلس الأمن إلى فرض عقوبات جديدة على قيادة الدعم السريع بسبب انتهاكها حظر الأسلحة المفروض على دارفور منذ عام 2004، كما طالبت المجتمع الدولي بـ“إدانة علنية وصريحة” للدور الإماراتي في الصراع.

وقالت لاتيتا بادر، مديرة قسم القرن الإفريقي في المنظمة: “حتى الآن، لم يُفرض أي ثمن سياسي على الإمارات… وهذه اللحظة تتطلب محاسبة واضحة”.

وفي ظل تعاقب التحذيرات الأممية والاتهامات الدولية، يبقى المدنيون السودانيون هم الخاسر الأكبر. فالحرب التي قتلت أكثر من 140 ألف شخص وشردت 12 مليونًا باتت تهدد وجود البلاد نفسها، فيما تتعمق الانقسامات وتتوسع المأساة دون أفق واضح للحل.

Comments are closed.

اهم الاخبار