أنس القاضي: أين وصل ملف السلم في اليمن؟
اختتمَ المبعوثُ الأمميُّ الخاصُّ إلى اليمن، هانس غروندبرغ، جولةً جديدةً من المشاورات في السعودية والإمارات، شملت لقاءاتٍ مع مسؤولين من حكومة المرتزقة وسفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن. وتركّزت هذه اللقاءات على مناقشة التطوّرات السياسية الأخيرة ومساعي الأمم المتحدة لإحياء العملية السلمية، مع التأكيد على أنَّ الحلَّ السياسيَّ الشامل هو السبيلُ الوحيدُ لإنهاءِ معاناة الشعب اليمنيّ واستعادة الدولة اليمنية المستقلة لجميع اليمنيين.
يمكن وصف هذه الجولة بأنها استطلاعية وجسّ نبضٍ سياسيّ، هدفها اختبارُ استعدادِ الأطرافِ للعودة إلى المسار التفاوضي بعد وقف الحرب في غزة، خصوصاً وأنَّ المبعوث سابقاً كان يقول صراحة ان العمليات البحرية اليمنية تمثل عائقاً أمام استئناف المسار السياسي، وكان ذلك بسبب ضغط أمريكي على المبعوث وعلى السعودية معاً.
غير أنّ المؤشرات الراهنة تُظهر أنَّ صنعاء وحدها ما تزال تتبنّى موقفاً واضحاً ومسؤولاً تجاه السلام، عبر تصريحات الوفد الوطني ووزارة الخارجية، الداعية إلى استئناف المفاوضات الجادة وفق أسسٍ عادلةٍ واقعية (خارطة الطريق) تحفظُ السيادة الوطنية وتُنهي التدخلات الخارجية، تبدأ بالجانب الإنساني من تسليم الرواتب واخراج الاسرى وتنتهي بالحوار اليمني اليمني وحكومة وحدة وطنية واعادة الاعمار والتعويض.
في المقابل، تُظهر الأطرافُ الأخرى ــ ولا سيما دولُ العدوان السعودي والإماراتي ــ غياباً عن الفعل السياسي الحقيقي، مكتفيةً بعباراتٍ عامةٍ حول “دعم جهود المبعوث” دون التزامٍ عمليٍّ أو جدولٍ زمنيٍّ واضحٍ لإجراءات التهدئة وبناء الثقة. أمّا حكومة عدن فتُواصل تمسّكها بشعاراتٍ تجاوزهَا الواقعُ السياسيّ، مثل “السلام بعد إنهاء الانقلاب” والالتزام “بالمرجعيات الثلاث”، وهي مواقف تعكسُ تعنّتاً ورفضاً عملياً لأي تسويةٍ جادة تُعيد للدولة اليمنية وحدتها وسيادتها، وواقعياً السعودية والإمارات من تقرر بدلاً عنهم في قضايا كبرى كهذه.
في المشهد الميداني، تتواصل التحركات العسكرية بإشرافٍ أميركيٍّ–بريطانيٍّ–سعوديٍّ تحت غطاء “حماية الملاحة الدولية” و”دعم خفر السواحل”، ما يكشفُ تناقضاً بين الخطاب الدبلوماسيّ والممارسة الميدانية والتوجه العملي بطابعه العدواني التصعيدي، ويؤكد استمرار المقاربة الأمنية على حساب الحل السياسي.
في المقابل، برز الموقفُ الروسيّ كالأكثرِ اتزاناً وواقعيةً، إذ تنظرُ موسكو إلى خارطة الطريق كإطارٍ عمليٍّ لإطلاق عملية سلامٍ شاملة، دون التمسك بالمرجعيات القديمة التي يروّج لها الغرب ودول الخليج. هذا الموقفُ يعبّر عن رغبةٍ روسيةٍ حقيقيةٍ في دعم تسويةٍ يمنيةٍ–يمنيةٍ تُنهي حالة الوصاية الخارجية وتعيد بناء مؤسسات الدولة.
أما الأمم المتحدة، فقد ركّزت في بياناتها الأخيرة على قضية الموظفين المحتجزين في صنعاء وربطتها بمسار السلام والمساعدات الإنسانية، في مقاربةٍ تقنيةٍ تضيقُ عن جوهر الصراع السياسيّ المتمثل في السيادة والاستقلال وإنهاء العدوان والحصار.
في العموم لم تنجح جولة المبعوث في تحقيق أي اختراقٍ سياسيٍّ أو انتزاع مواقفَ عمليةٍ داعمةٍ لمسار التسوية، رغم اتصالاته الواسعة مع الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، بما في ذلك طهران، ويبدو أنَّ دور المبعوث ما يزال محصوراً في التيسير والتذكير بضرورة العودة للمسار السياسي، من دون امتلاك أدواتٍ ضاغطةٍ أو ضماناتٍ حقيقيةٍ لإنجاز خطواتٍ ملموسةٍ نحو سلامٍ عادلٍ ومستدامٍ يضمن لليمنيين إعادة بناء دولتهم على أساس الشراكة والسيادة الوطنية.
Comments are closed.