عاصم السادة: “إنسانية ترامب”.. انتهازية من أجل المعادن
كان يظن ترامب أنه صار قاب قوسين أو أدنى من وضع يده على المعادن النادرة في أوكرانيا، عقب لقائه الأخير ببوتين، لكنه وجد أن ايقاف الحرب بين موسكو وكييف ليست سهلة كما كان يتصور، لأن مساعيه كوسيط لإنهاء الحرب ليست إنسانية محضة، بقدر ما يهدف إلى “المعادن الأوكرانية” خاصة وأن ترامب قد توصل إلى صفقة مع زيلينسكي يمنح بموجبها واشنطن أحقية التنقيب عن تلك المعادن عقب توقف الحرب، مقابل ما قدمته من صفقات أسلحة لأوكرانيا لمواجهة روسيا.
ظل ترامب يغازل نظيره الروسي في كثير من تصريحاته الصحفية قبل وبعد وصوله للبيت الأبيض مجددا وظل يردد أن الحرب بين موسكو وكييف لم تكن لتحدث لو كان حاكما للولايات المتحدة، وأن إدارة بايدن “غبية”، وحث زيلينسكي للتنازل عن الأراضي التي أصبحت تحت سيطرت روسيا، ونصحه بانه لن يستطيع الصمود أمام قوة موسكو العسكرية، وطرده من البيت الأبيض، ورفض دعم بلاده واستقباله مرة أخرى إذا لم يعدل عن رأيه باستمرار الحرب، حتى أنه وصفه بالرئيس “غير الشرعي” لانتهاء ولايته، وتصادم ترامب مع الأوروبيين الذين يدعمون زيلينسكي في الحرب ضد روسيا، وقال لهم أنهم يخوضون حرباً خاسرة، وأجرى ترامب اتصالات عدة مع بوتين لكسر حالة الجمود السياسية بين واشنطن وموسكو التي كانت إدارة “بايدن” سببها لانحيازها المطلق لأوكرانيا ضد روسيا، وعقد ترامب لقاء مباشر مع بوتين في “ألاسكا” الأمريكية، وأثنى على ذلك الاجتماع وأبدى تفاؤله بنتائجه.
وبمرور أسابيع على اللقاء “ترامب وبوتين”، وجد الأول أن نظيره الأخير صعب المراس، ومن المستحيل تحقيق اختراق سياسي يفضي إلى السلام في أوكرانيا هكذا دون انفاذ شروط موسكو على طاولة التفاوض، فبدأت نبرة ترامب تتغير تجاه صديقه بوتين، وراح يلوح بالعقوبات ويحث الأوروبيين بعدم شراء النفط من روسيا، كضغوط ممكن أن تعيد بوتين لطاولة المفاوضات وفق قاعدة “رابح رابح” لكن موسكو لم تعر اهتماما لذلك، فاضطر ترامب إلى فرض عقوبات جديدة على النفط الروسي، حيث اعتبرها في معرض رده على أحد الصحفيين في البيت الأبيض عن تأثيرها على روسيا خاصة وأنها قللت من جدواها فرد قائلاً: “سيشعرون بأثرها بعد ستة أشهر”.
لم ينتظر ترامب كثيراً للمعادن الأوكرانية، لأنه وصل إلى قناعة أن الأمر سيستغرق وقتا طويلا، فبدأ برحلة مكوكية تستهدف دول أسيوية وكانت البداية من ماليزيا ومرورا باليابان وانتهاء بكوريا الجنوبية حيث التقى نظيره الصيني، والمتأمل في أهداف تلك الزيارة “الترامبية” كانت تركز في عقد اتفاقات عن المعادن مع الدول التي قصدها بغرض تعويض ما كان يأمل الحصول عليه في أوكرانيا لوحدها، فضلا عن الاتفاقيات العسكرية والتجارية الأخرى التي أبرمها ترامب مع تلك الدول الآسيوية، بالإضافة إلى اتفاقية السلام التي رعاها ترامب بين كمبوديا وتايلاند، وهي بالتأكيد سيجني من ورائها “أتعابه” على هيئة معادن وغيرها.
وجد ترامب أن صفقات المعادن المبرمة مع الدول الآسيوية غير كافية ولا تحقق طموح واشنطن وما تبحث عنه دون مقابل، فوجد أن ما يروم إليه يكمن في القرن الأفريقي وخاصة نيجيريا، لكن ما المبرر الذي يعطيه شرعية للوصول لتلك المعادن الثمينة والنادرة في أبوجا؟
حضرت “إنسانية ترامب” في نيجيريا فجأة، ولم يعد يقبل بما يحدث للمسيحيين من “بوكو حرام”، فهدد الحكومة النيجيرية إذا لم تضع حداً لاستهداف المسيحيين فإنه سيأمر جيشه للتدخل لحمايتهم هناك.
“حنية ترامب” غير الإنسانية غابت ولاتزال في غزة لتسعة أشهر منذ توليه مقاليد الحكم في أمريكا وتغيب الآن في السودان؛ فهي قائمه على مقياس المصلحة المعدنية أو العقارية أو الرسوم الجمركية، وما غير ذلك فلتذهب البشرية للجحيم.
وبالعودة الى بوتين، فهو من يفهم جيداً “صديقه ترامب” ويقرأ بناة أفكاره عن بعد، ويجيد التعامل مع أساليبه المخاتلة، ويدرك ما وراء مساع واشنطن لتحقيق سلاماً بين موسكو وكييف.
وبالتالي، تحول الغزل السياسي بين ترامب وبوتين إلى التلويح بالأسلحة “النووية”، وهي أقصى درجات الضغوط الممارسة بين الرئيسيين.
ولاتزال لعبة “شد الحبل” هي سيدة الموقف بين الرئيسين الروسي والأمريكي فيما يخص أوكرانيا، وما يبدو أن الجيش الروسي يسابق الزمن لإسقاط الكثير من الأراضي الأوكرانية قبل التوصل إلى صيغة نهائية مرضية للطرفين بغض النظر عن الأوروبيين والرئيس الأوكراني الذين يقفون في الهامش وإن حضروا فموقعون على أوراق جاهزة فحسب.
Comments are closed.