من زقـر إلى عبد الكـوري.. توسع إماراتي في الجزر اليمنية بغطاء صهيو أميركي

خالد الصايدي

من ميون إلى زُقَر والمخا على البحر الأحمر، مروراً إلى أرخبيل جزيرة سقطرى وتحديدا جزيرة عبد الكوري، في المحيط الهندي قرب مصب خليج عدن، تواصل الإمارات إنشاء قواعد عسكرية ومدارج طيران وتطوير مواقع ذات طابع استخباراتي وأمني، في خطوة تضع أمامها تساؤلات عدة حول الأهداف الحقيقية وراء هذا التمركز المتنامي وكذلك الأبعاد والتوقيت، وإمكانية استغلال أطراف إقليمية بينها الكيان الصهيوني لهذه المنشآت في أي تصعيد عسكري محتمل.

مشاريع هيمنة

يؤكد عضو المكتب السياسي لأنصار الله محمد الفرح، أن الدور الإماراتي في المنطقة لا يعكس أي مشروع وطني أو استراتيجي مستقل، لافتا إلى أن هذا الدور “يأتي في إطار الوظيفة الأمريكية الصهيونية الهادفة إلى إعادة تشكيل موازين القوى بما يضمن استمرار الهيمنة الغربية وإضعاف قوى الأمة”.

الفرح: سياسات أبو ظبي تعبر عن ارتباط وظيفي بواشنطن وتل أبيب

الفرح قال في تدوينه بمنصة “أكس” تابعتها “الوحدة” إن السياسات الإماراتية في اليمن أو حتى في السودان وقطاع غزة تعبّر بوضوح عن هذا الارتباط الوظيفي، مشيراً إلى أن أبو ظبي تتحرك فقط في المساحات التي تريد واشنطن وتل أبيب إعادة توزيع النفوذ فيها أو كبح أي مشروع تحرري ومقاوم.

أجندات صهيو أمريكية

القيادي الجنوبي والمحلل السياسي، سمير المسني، يقول “إن الاستحداثات العسكرية الإماراتية في جزيرة زقر اليمنية يأتي امتدادا لسلسلة من التحركات الإماراتية المتواصلة منذ عام 2020، عن طريق ميليشيات الداخل باستباحة الجزر اليمنية وتحويلها الى ثكنات عسكرية، وكان أولها جزيرة سقطرى”.

وأشار في حديثه لـ”الوحدة” إلى أن الامارات عمدت على تغيير ديموغرافيا السكان في الأرخبيل من خلال عملية توطين جنسيات غير يمنية وفرضها على المجتمع السقطري، وتغيير المناهج الدراسية وتغييب المفاهيم الوطنية، الأمر الذي أدى إلى الإخلال بالثوابت الوطنية والسيادة اليمنية.

ويضيف المسني: “أنه في الوقت الذي كانت القيادة الثورية والسياسية والجيش اليمني في صنعاء يقوم بعمليات الدعم والإسناد لغزة، استغلت الإمارات الفرصة لتنفيذ مخططها الاستيطاني في الجزر اليمنية، وكان لجزيرة عبد الكوري النصيب الأكبر من ذلك السيناريو حيث تم تهجير سكان الجزيرة، وتشييد قواعد عسكرية أجنبية ومدرج للطائرات يبلغ طوله أكثر من ٣٠٠٠ متر لهبوط طائرات الشحن الأمريكية والإسرائيلية في الجزيرة”.

المُسني: الإمارات تنفذ أجندات صهيونية أمريكية في السيطرة على الجزر اليمنية

وتابع: “جاء الدور على جزيرة زقر التي تبعد عن الساحل اليمني ٣٢ كيلو متر وترتفع ٦٢٤ متر عن سطح البحر، وتشرف على باب المندب مما يعطيها التميز والاسبقية استخباراتيا للاطلاع وبشكل دائم على مواقع منصات إطلاق الصواريخ والمسيرات للقوات المسلحة اليمنية وإعطاء الإحداثيات لاستخبارات الكيان الصهيوني”.

موضحا أن الإمارات عززت من وجودها في جزيرة زقر لقربها من السواحل اليمنية، وعملت على بناء مدرجا للطيران مجهزا بأنظمة إنذار ودفاع جوي، ما حولها إلى مركز عمليات استخباراتي لمراقبة قوات صنعاء ورصد الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة على السفن الإسرائيلية.

ويلفت إلى أن “كل هذه المعطيات تؤكد صوابية بأن “الامارات تنفذ أجندات صهيونية أمريكية في السيطرة على الجزر اليمنية”، محذرا من أن “تداعيات موقف الإمارات المتماهي في خدمة الصهيونية العالمية وأمريكا سوف تكون آثاره وخيمة على دويلة الإمارات وعلى اقتصادها تحديداً”.

وخلص إلى القول “أن القوات المسلحة اليمنية جاهزة لإفشال كل تلك الأجندات والمخططات الرامية إلى تقويض السيادة اليمنية إن عاجلا أو آجلا”.

أبعاد جيوسياسية

أما الدبلوماسي الدكتور نبيل أحمد الدرويش، أن ما قامت به الإمارات مؤخرا في جزيرة زقر بأنه “يمثل تصعيداً واضحاً في العديد من الانتهاكات التي مارستها وتمارسها دولة الإمارات على السيادة اليمنية، ويكشف عن أبعاد جيوسياسية متعددة” مبيناً أن “جزيرة زقر الاستراتيجية بطبيعتها لموقعها في البحر الأحمر قبالة مضيق باب المندب، تمنح أي قوة تتحكم بها قدرة على مراقبة خطوط الملاحة الدولية والتحكم في تدفق التجارة والطاقة بين الشرق والغرب، ما يجعلها هدفاً استراتيجياً محتملاً لمشاريع نفوذ إقليمي ودولي”

وعن توقيت الاستحداثات الإماراتية يقول الدرويش الذي يعمل في وزارة الخارجية  والمغتربين، في حديث خاص لصحيفة “الوحدة” أنه “لا يمكن فصله عن تصاعد التوترات في المنطقة، بما في ذلك المنافسة الإقليمية مع إيران، وصراع النفوذ في اليمن ضمن التحالف العربي، فضلاً عن الضغوط الداخلية للإمارات لتعزيز دورها العسكري في مياه البحر الأحمر، لافتا أن هذه الخطوة تعكس رغبة أبو ظبي في ترسيخ موقع لها خارج حدودها التقليدية، وتحويل الجزيرة إلى منصة عسكرية متقدمة، ما يفتح الباب أمام سيناريوهات تدخل أوسع لأطراف دولية أخرى”.

وفي سياق العلاقة الأمريكية الإسرائيلية الإماراتية، يؤكد أنه “يمكن النظر إلى هذا التطور كجزء من استراتيجيات موسعة لدعم المشروع الصهيوني الأمريكي التوسعي في المنطقة، خصوصاً في السيطرة على المضائق الحيوية وتأمين خطوط الطاقة والتجارة العالمية، مع إمكانية استخدام جزيرة زقر كنقطة لوجستية وعسكرية لمشاريع تتجاوز الإطار الإقليمي اليمني، بما في ذلك مراقبة الأنشطة الإيرانية ودعم عمليات التحالفات الإقليمية المناهضة لطهران”.

الدرويش: أبو ظبي تستخدم جزيرة زقر كنقطة لوجستية و لمشاريع عسكرية تتجاوز الإقليم

ويشير د. الدرويش إلى أن “التحرك الإماراتي واستحداثاته في زقر ليس خطوة منفصلة، بل جزء من استراتيجية طويلة المدى لإعادة تشكيل خريطة النفوذ في البحر الأحمر والجزيرة العربية، بما يخدم أهداف مشروع توسعي أمريكي– صهيوني، يعيد رسم ميزان القوى في منطقة حساسة، مع تهديد مباشر للسيادة اليمنية والأمن الإقليمي”.

منصات ومرافق للتجسس

من جهته، يقول زكريا الشرعبي مدير مركز المعلومات في دائرة التوجيه المعنوي بصنعاء، “إن الاستحداثات العسكرية الإماراتية على السواحل اليمنية ومجموعة من الجزر الحاكمة، بينها جزيرة سقطرى، لا تقتصر على إجراءات عسكرية محلية، بل تُعد حلقة ضمن مشروع استراتيجي أوسع يهدف إلى التحكم في الملاحة الدولية بالبحر الأحمر والبحر العربي وتوسيع النفوذ إلى كامل منطقة الخليج”.

وأشار الشرعبي إلى أن الإمارات أقامت منصات ومرافق للتجسس والرصد والتشويش الإلكتروني، كما عملت على تجهيز بعض الجزر لتكون قواعد لانطلاق الطائرات المسيرة، مع خطط تمتد لأهداف جيوسياسية بعيدة المدى تتماشى، بحسب قوله، مع عقيدة أمريكية حديثة تقوم على الدفع بالحلفاء لتحمل مسؤولية حماية المصالح الأمريكية والإسرائيلية.

الشرعبي: الاستحداثات الإماراتية في زقر جزء من مخطط صهيوأميركي

وأوضح أن “العدوان على اليمن كان تجسيدا بارزًا لهذه العقيدة، حيث أوكلت الإمارات نفسها مهمة التحكم في الموانئ والسواحل اليمنية، خصوصًا في البحر الأحمر، فيما أشرفت الولايات المتحدة على المشروع وعمليات المراقبة والتجسس، وشارك في ذلك الإمارات والسعودية ودول إقليمية أخرى ضمن ما سُمي بالقوة 153 التي تشرف عليها الولايات المتحدة لضمان السيطرة العسكرية والأمنية والاقتصادية والسياسية على المنطقة، وربط هذه السيطرة بمسارات التطبيع والتعاون مع الكيان الإسرائيلي كما ورد في وثيقة عام 2019، مع نقل تمثيل إقليمي إسرائيلي في 2021 لتنسيق أدوار التعاون”.

من زقـر إلى عبد الكـــوري

مجدداً، تعود جزيرة زقر اليمنية إلى دائرة الضوء، بعد أن كشفت وكالة أسوشيتد برس الأمريكية عن استمرار الإمارات العربية المتحدة في إنشاء قواعد عسكرية ومدارج طيران في عدد من الجزر اليمنية المطلة على البحر الأحمر والبحر العربي، ولا سيما تلك القريبة من مضيق باب المندب، أحد أهم الممرات البحرية في العالم.

ووفقًا لتقرير الوكالة، بدأت الإمارات منذ أبريل الماضي أعمال إنشاء مدرج طيران جديد في جزيرة زقر، الواقعة على بُعد نحو 90 كيلومترًا جنوب شرق مدينة الحديدة. وتُظهر صور الأقمار الصناعية مراحل متتابعة من أعمال البناء: بدءًا من تسوية الأرض وإنشاء رصيف بحري، مرورًا برصف الإسفلت في أغسطس، وصولاً إلى طلاء علامات بيضاء واضحة على المدرج في أكتوبر الجاري. وتشير هذه التطورات إلى نشاط هندسي إماراتي منظم ضمن خطة أوسع لتثبيت حضور عسكري طويل الأمد.

زقر من أكبر الجزر اليمنية في البحر الأحمر

تُعد زقر من أكبر الجزر اليمنية في البحر الأحمر، إذ تبلغ مساحتها نحو 185 كيلومتراً مربعاً، وتبعد عن الساحل اليمني نحو 32 كيلومتراً. وتحتل الجزيرة موقعًا استراتيجيًا استثنائيًا، إلى جانب جزيرة حنيش، إذ تشرف على ممر مائي دولي حيوي يربط البحر الأحمر بخليج عدن.

وتقف الإمارات وراء مشاريع بناء مدارج طائرات متعددة في اليمن وذلك خلال السنوات الأخيرة، ففي مدينة المخا على البحر الأحمر، تم توسيع مطار المدينة ليسمح بهبوط طائرات أكبر بكثير، كما يوجد الآن مدرج في مدينة ذوباب المجاورة، ويوجد مدرج آخر في جزيرة عبد الكوري، في المحيط الهندي قرب مصب خليج عدن، وفي مضيق باب المندب نفسه، يوجد مدرج آخر بنته الإمارات في جزيرة (ميون)، الواقعة تحت سيطرة ما يسمى بقوات المجلس الانتقالي المدعوم اماراتيا.

“العيون الزرقاء”

في موازاة ذلك، أشار تقرير حديث لمركز هنا عدن للدراسات الاستراتيجية “الى ان جزيرة زقر تبرز كجزء من مشروع التحكّم الإماراتي الإسرائيلي في العقد البحري الممتد من رأس الحد جنوب عمان حتى ميناء بورسودان في السودان، وهو المشروع الذي يندرج تحت ما يسمى “نظام العيون الزرقاء”، وهو مصطلح يُستخدم في مراكز الدراسات الإسرائيلية للإشارة إلى شبكة المراقبة والاستجابة السريعة التي تنشئها تل أبيب بالتعاون مع حلفائها على امتداد البحر الأحمر.

وفي هذا السياق، يبدو أن زقر لا تؤدي فقط وظيفة دفاعية، بل يتم استخدامها لتخزين المعدات وتسهيل عمليات الإمداد للقواعد الأخرى، وعلى رأسها قاعدة ميون الجوية، مما يجعلها نقطة ربط لوجستي حيوية.

ولفتت الدراسة ان ما يثير القلق بشكل خاص هو المؤشرات المتزايدة على أن الجزيرة تحتوي على مركز احتجاز غير قانوني، وهو ما أشار إليه تقرير داخلي صادر عن فريق خبراء الأمم المتحدة في تقريره للعام 2024، دون أن يذكر موقعه صراحة.

التقرير تحدث عن “موقع ناءٍ في إحدى الجزر اليمنية يستخدم لاحتجاز أفراد يُشتبه بانتمائهم لجماعات مسلحة” دون محاكمة أو ضمانات قانونية. وقد لاحظ الفريق الأممي أن هذا الموقع يخضع لإدارة جهة غير يمنية، ولم يتمكن من زيارته لأسباب أمنية. تحليل الصور الجوية لمنشآت زقر يبيّن وجود مبنى مربع معزول وسط الجزيرة تحيط به أسوار عالية ومراقبة دائمة، بما يتطابق مع وصف مراكز الاحتجاز العسكري.

جزيرة ميون

وتابعت الدراسة انه من الجانب التقني، تتكامل الأنظمة الموجودة في زقر مع شبكة الاتصال الفضائي التي تستخدمها الإمارات، والتي ترتبط بقمر “الياه سات” و”خليفة سات”، ما يتيح للقوات المتمركزة هناك إمكانية نقل البيانات اللحظية إلى مراكز القيادة في أبوظبي وتل أبيب. وتشير مصادر استخباراتية _كما تؤكد الدراسة_ إلى أن هذه الأنظمة تُستخدم كذلك لتوجيه الطائرات بدون طيار التي تقوم بمهام رصد السفن، وربما توجيه عمليات هجومية بحرية مستقبلًا.

وذكر التقرير، إن استخدام زقر بهذه الطريقة يمثل خرقا واضحًا للسيادة اليمنية وانتهاكا للقوانين الدولية التي تنص على ضرورة احترام الحدود البحرية وعدم إنشاء قواعد عسكرية دون اتفاقات معلنة وشفافة. كما أن النشاط العسكري والاستخباري فيها يعكس تنسيقا علنيا بين الإمارات وإسرائيل يتجاوز نطاق “التطبيع” ليصل إلى مستوى “التحالف العسكري الحقيقي”، وهو ما يُعد سابقة في البحر الأحمر، ويهدد بشكل مباشر التوازن الإقليمي وحرية الملاحة الدولية، ويعرّض السلم البحري لمخاطر حقيقية.

Comments are closed.

اهم الاخبار