لماذا تتنصل السعودية عن استحقاقات السلام في اليمن؟
أبو عامر: لم تكن السعودية جادة في تحقيق خطة السلام الشاملة في اليمن والتي كانت في مراحلها الأخيرة للإعلان عنها في الأمم المتحدة والتوقيع عليها من جميع الأطراف اليمنية، بقدر ما كانت تريد استمرار حالة “اللا سلم واللا حرب” وبقاء الحصار وتغذية الصرعات بين اليمنيين وتفكيك عراهم الاجتماعية وخلق واقع فوضوي بصورة غير مباشرة.
ظلت السعودية تراوغ وتختلق الأعذار وتعزو تارة تأخير إنفاذ تلك الخطة على الواقع نتيجة الضغوط الأمريكية عليها، وتارة أخرى بأن صنعاء منشغلة بالمعركة الاسنادية لغزة، رغم أن القيادة السياسية بصنعاء أبدت الاستعداد التام منذ اللحظة الأولى للمضي في الخطة والبدء في ترجمت بنودها واقعياً؛ بغض النظر عن مناصرة الفلسطينيين بغزة، كون الأمر يتخذ مساراً مختلفاً عن ما يجري في اليمن.
والواضح أن السعودية حاولت التنصل عن استحقاقات السلام في اليمن وإنهاء عدوانها متعدد الأشكال عليه، إذ استمرأت الوضع بل أنها استغلته لتحقيق أهداف خبيثة، حيث مارست أحقادها البغيضة والخفية عبر مرتزقتها اليمنيين في الداخل والخارج لثني صنعاء عن مساندة غزة، وشاركتها بذلك الإمارات بدعم أمريكي وصهيوني، وبالتالي تكشفت مواقف الرياض في هكذا محطة مفصلية تجاه قضايا الأمة، وأظهرت مدى العداء المضمر لليمن والقضية الفلسطينية معاً، سياسياً وإعلامياً ومالياً وعسكرياً.
الآن، وبعد مرور أكثر من عامين على “خطة السلام الشاملة” التائهة في دهاليز الأمم المتحدة، لا تزال السعودية غير مستعدة لاستكمال ما تم التوصل إليه والوفاء بالاستحقاقات المتضمنة في خارطة الطريق ولعل أهمها دفع مرتبات موظفي الدولة والتعويضات وإعادة إعمار ما دمرته ونهبته خلال 9 سنوات من العدوان على اليمن.
وها هي حرب الإبادة العرقية الصهيونية العدوانية الوحشية تضع أوزارها على غزة وفق خطة “شرم الشيخ” للسلام، وبموجبها توقفت اليمن عن استهداف الكيان الإسرائيلي، لطالما تتضمن شروطه في وقف العدوان على قطاع غزة وادخال المساعدات إليه، فلماذا لا تبادر السعودية لإتمام “خطة السلام الشاملة” في اليمن؟!.
إذا كانت السعودية تراهن على اللعب بالنار مع اليمن مجددا، فإنها تضع نفسها في مأزق كبير، وستعض أنامل الندم إن فكرت بذلك، فلن تجدي الرادارات والدفاعات الجوية التي حصلت عليها مؤخراً من واشنطن نفعاً في صد صواريخ الفرط صوتي ولا الانشطاري ولا الطائرات المسيرة، فقد فشلت القباب الحديدية للعدو الصهيوني” حيتس” والأمريكية “ثاد” في منعها من الوصول إلى أهدافها المحددة عسكرياً من اليمن رغم البعد الجغرافي، فما بالكم بـ”الرياض أقرب”!.
وفي خطابه بمناسبة ذكرى ثورة 14 أكتوبر المجيدة، جدد الرئيس المشاط دعوته للنظام السعودي للانتقال من مرحلة خفض التصعيد إلى إنهاء العدوان والحصار والاحتلال وتنفيذ الاستحقاقات الواضحة للسلام، كون ذلك الحل الأقرب لقطع المجال أمام من يستثمر في الحروب بين أبناء الأمة خدمة لإسرائيل- في إشارة منه لـ”أمريكا”- التي بلا شك تسعى لتهيئة الشرق الأوسط للكيان الصهيوني من خلال إثارة الحروب واستغلالها لصالحه.
والحقيقة أنها دعوة صادقة تحمل في مضمونها دلالات عميقة وأبعاد استراتيجية تهم المنطقة وتقطع الطريق أمام المستفيدين من بقاء اليمن في حالة تأزم داخلي مستمر لأن ذلك قد ينعكس سلباً على السعودية ولن تحقق أي مكاسب سياسية على الواقع لصالحها.
والجدير بالنظام السعودي أن يتلقف دعوة الرئيس المشاط، وتسعى إلى تحريك المياه الراكدة في الملف اليمني وإنهاء الحصار والعدوان وتسوية الأوضاع وفق الاستحقاقات المتفق عليها للسلام.
الرد سيكون قاسياً
وما يجب أن يعيه النظام السعودية في هذه المرحلة أن أي تفكير يحوم في خلجانه ضد اليمن، لن يكون إلا سوء تقدير وقراءة خاطئة للمشهد الراهن، لأن الارتدادات تجاه أي تصرف لا يتناغم مع السلام المستدام والمنشود، سيكون قاسياً وغير متوقع للرياض.
ولعل خطاب قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي الأخير عن استشهاد المجاهد الفريق الركن محمد الغماري رئيس هيئة الأركان، كان واضحاً بخصوص تطور الأسلحة والامكانيات والقدرات العسكرية والجهوزية القتالية للقوات المسلحة، وهي رسالة موجهة لجميع الأطراف المتأبطين شراً باليمن داخلياً وخارجياً، مفادها باختصار: “مستعدون للمواجهة”.
وهنا، يأتي السؤال الذي يفرض نفسه أمام اليمنيين مع استمرار حالة “اللا سلم واللا حرب”، هل السعودية مستعدة لتنفيذ استحقاقات السلام في اليمن؟
صبر اليمنيين بلغ مداه
لن تذهب السعودية قُدما باتجاه تنفيذ أي اتفاق مع اليمن ويمكن القول أن قراراها بشأن السلام ليس في يدها بل بيد الولايات المتحدة الأمريكية، كما يوضح المحلل السياسي زكريا الشرعبي، منوهاً بأن مصلحة واشنطن وتل أبيب أن يبقى الوضع كما هو في اليمن بل ويسعون إلى استخدام السعودية في حرب لم يحققوا هم فيها أي نتيجة.
في المقابل فإن صبر اليمنيين قد بلغ حدوده ومداه، لا سيما والعدو السعودي وشريكه الإماراتي لم يتوقفوا ولو للحظة واحدة عن أعمالهم العدائية ضد اليمن: استمرار الاحتلال واينشاء المليشيات في مختلف المناطق المحتلة، وتمزيق النسيج الاجتماعي، وإدارة الصراعات في مجتمعات تلك المناطق، إلى جانب استمرار الحصار، وتقديم خدمات استخباراتية وأمنية للولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي، ناهيك عن تحضيراتهم لتصعيد وفقا خطة أعدت من قبل واشنطن والكيان وتشمل عددا من الجبهات، بحسب ما ذكر الشرعبي، متسائلاً: إلى أي مدى يمكن أن تتحمل السعودية والإمارات تبعات العودة إلى التصعيد، وما تداعيات ذلك عالميا لا سيما في ظل عودة ارتفاع أسعار النفط إثر تشديد العقوبات على موسكو.
العودة للحرب واردة
ويتفق الصحفي المتخصص في الشؤون الاقليمية ضرار الطيب مع ما طرحه الشرعبي، إذ أكد أن السعودية حولت مسار التهدئة مع اليمن الى مسار تصعيد من خلال الالتزام بالموقف الامريكي والإسرائيلي وربط ملف السلام بالصراع الأوسع في المنطقة، مع التمسك بالمرتزقة وتقديمهم كطرف أساسي في كل الملفات للتنصل عن الاستحقاقات، لافتا إلى أن الانفجار حتمي، لأن احتمالات عودة الرياض طواعية للسلام معدومة.
بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن الجزم بأن صنعاء قد سلمت بفرضية عدم وجود ما يمكن عمله لدفع السعودية نحو الالتزام باستحقاقات إنهاء الحرب، سواء بمعزل عن الصراع الأوسع أو ضمنه، خصوصا في ظل السخط الشعبي الذي لا يهدأ، وقد صرح السيد عبد الملك الحوثي مؤخرا بأنه يمكن التعامل مع كل الملفات في ظل الموقف العام المتعلق بمساندة غزة ومواجهة العدو الإسرائيلي والأمريكي، كما يقول الطيب.
ويلفت الطيب إلى أن السعودية قد تلجأ إلى استخدام بعض أوراق الملف الإنساني للحفاظ على التهدئة في وقت الحاجة، مثل “تبادل جزئي للأسرى” فإن احتمالية أن تمضي في سلام حقيقي وشامل بدون ضغوطات كبيرة هي احتمالية تكاد تكون منعدمة، وفي ظل مسار التصعيد الذي تنخرط فيه تدريجيا فإن النتيجة الحتمية هي الانفجار.
والحقيقة أن السعودية نفسها لا تتجاهل هذه الحتمية، فخشيتها من الانخراط الكامل في التصعيد الأمريكي والإسرائيلي ضد اليمن خلال العامين الماضيين، لم تكن مدفوعة فقط بالخوف من التعرض لهجمات يمنية، بل أيضا بمخاوف أن تتركها الولايات المتحدة في منتصف الطريق، وألا توفر لها ما يكفي من الدعم، بحسب الطيب، مشيراً إلى أن الإسرائيليون يرون أن “تقديم ضمانات” أمريكية للسعودية سوف يشجعها، وتحرص السعودية نفسها على إنجاز اتفاقات دفاعية كبرى مع الولايات المتحدة قبل أن تحسم أمرها مع اليمن.
معادلة الضغط على صنعاء
وتشير أحداث اليوم خصوصا الاتفاق بين السعودية و”حكومة العليمي” إلى استمرار المسار السعودي في إعادة تأهيل “عدن” وتثبيت الانقسام (وجود 2 حكومات في اليمن)، بدلاً من المضي خطوة إلى الأمام من خفض التصعيد إلى مسار السلام والاعمار، والمصالحة اليمنية، كما أفاد الكاتب والمحلل السياسي أنس القاضي، موضحاً أن هذه التحركات السعودية تترافق مع تصعيد دبلوماسي أمريكي وأممي ضد صنعاء عبر أدوات الخطاب الإنساني والسياسي، والبدء بتفعيل مخرجات “مؤتمر الأمن البحري” في مسار التأهيل والتدريب.
ويرى القاضي أن المرحلة الراهنة تمثل مرحلة “إعادة التموضع ” لمعسكر العدوان، هدفها تثبيت حكومة عدن ومنع انهيارها، للحفاظ على أداة سياسية فاعلة في معادلة الضغط المقبلة على صنعاء، خصوصاً اذا استقر وقف اطلاق النار في غزة، فسينتقل النشاط الأمريكي السعودي إلى ميدان السياسية والاقتصاد.
الرياض لا تملك قرار السلام
القرار السعودي بإيقاف العدوان على اليمن هو بيد أمريكا والكيان الصهيوني فهي لا تمتلك قرارها السيادي والسياسي لأنها أداة من أدوات خدمه المصالح الأمريكية الصهيونية في المنطقة العربية والإسلامية، كما يقول الدكتور محمد النعماني عضو الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين، مشيراً إلى أن السعودية لا تستطيع أن تنفرد بأي قرار يتعلق بسياساتها الخارجية والداخلية دون مشاركة أمريكية صهيوني فيها.
ويرى النعماني أن السعودية لا تزال تعيش هاجس فرض الوصاية على اليمن ولبنان وغيرها من البلدان العربية، وغير قادرة على التعايش مع تلك الدول بدون أن تكون هي الوصية عليها، مستبعداً أن يتحقق السلام في اليمن أو لبنان طالما الرياض لم تتحرر من الوصاية الأمريكية الصهيونية.
وتفرض المتغيرات الدولية اليوم واقعاً جديداً في العلاقات بين مختلف دول العالم، قائماً على أساس المصالح والمنافع المشتركة وليس الوصاية على البلدان وسلب قرارهم السيادي والسياسي، بحسب النعماني، حيث أكد أن اليمن لن تقبل بالوصاية السعودية بعد اليوم، داعياً إلى طرد المحتلين السعودي والإماراتي والأمريكي من الأراضي اليمنية في المحافظات الجنوبية.
ثورة ضد “المحتلين الجدد”
وأشار النعماني إلى أن الانتفاضات الشعبية الرافضة للمحتلين الجدد في المحافظات الجنوبية اليمنية مستمرة حتى تحريرها من المحتل “السعودي الإماراتي الأمريكي”.
إن إعلان تأسيس جبهة وطنية ومقاومة جنوبية للتحرر من المحتل السعودي والإماراتي الأمريكي الصهيوني، إلا مؤشر حقيقي وصادق لأبناء المحافظات الجنوبية، كما يؤكد النعماني، حاثاً الجميع إلى توحيد كل الجهود والامكانيات وحشد الامكانيات والإجماع الجنوبي- الجنوبي على تحرير المحافظات اليمنية الجنوبية من “المحتلين الجدد”، فالتحرير قادم والثورة مستمرة حتي تحقيق النصر.
Comments are closed.