الاحتلال يواصل الحرب الإنسانية على غزة

وكالات:

يتمسك الاحتلال الإسرائيلي بمنع إدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى غزة رغم وقف إطلاق النار، ما يشكل انتهاكاً واضحاً لالتزاماته القانونية والأخلاقية، ويؤكد تجاهله الصارخ للنداءات المتكررة من الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية والجهات الإقليمية. ويُبقي ذلك المشهد الإنساني قاتماً بعد أشهر من الدمار والتهجير، إذ يستمر خضوع المعابر لأهواء التعطيل الإسرائيلية التي تواصل محاولات كسر إرادة الفلسطينيين، وتجريدهم من أبسط مقومات الحياة الكريمة كي تبقى غزة شاهدة على مفارقة قاسية تفيد بأن وقف إطلاق النار لم يوقف المعاناة، بل غيّر شكلها فقط.

تتفاقم المعاناة اليومية في القطاع حيث يعيش السكان الذين يعانون أصلاً من معدلات عالية للفقر وسوء التغذية تحت وطأة النقص والحرمان وارتفاع الأسعار، ويواجهون واقعاً اقتصادياً واجتماعياً أقسى يوماً بعد آخر. وتحدثت سارة حميد (34 عاماً) عن أن أسرتها لم تستطع ترميم غرفة سكنية واحدة لا تزال شبه سليمة من القصف الإسرائيلي، بسبب عدم توفر مواد بناء، وعدم قدرتها على شراء شوادر ونايلون وأخشاب مرتفعة الثمن، في وقت يمنع فيه الاحتلال إدخال الخيام والشوادر اللازمة لإيواء الأسر المتضررة، وقالت لـ”العربي الجديد”: “فقد زوجي عمله ومصدر رزقه منذ الأشهر الأولى للحرب بعد تدمير محل الملابس الخاص به، ودُمّر المنزل في شكل شبه كامل، ونعاني حالياً من ظروف اقتصادية صعبة وغياب المساعدات الإنسانية، سواء النقدية أو العينية، جراء إغلاق المعابر ومنع إدخال الإمدادات”.

ويعكس استمرار هذا النهج جوهر السياسة الإسرائيلية القائمة على إبقاء غزة في حالة اختناق دائم، وواقع أن لا حرب كاملة ولا سلام حقيقي، بل إدارة ممنهجة للأزمة بهدف إضعاف البنى المجتمعية والاقتصادية للشعب الفلسطيني، وذلك رغم كل النداءات الدولية التي تطالب بفتح المعابر وتسهيل وصول المساعدات من دون قيود.

وأوضح محمد اشتيوي الذي يعاني من إعاقة حركية بعد بتر قدمه جراء إصابة مباشرة، أنه محروم مثل غيره من الفلسطينيين الحياة الكريمة والمساعدات الإنسانية والإغاثية التي باتت من حق الجميع، لأن النسبة الأكبر من الغزيين فقراء ومن دون عمل بسبب التداعيات الكارثية للعدوان والحصار. وقال لـ”العربي الجديد”: “الضغط الدولي والإقليمي على الاحتلال ضروري كي يفي بالتزاماته ويطبق بنود اتفاق وقف النار التي تقضي بإدخال مساعدات كافية للفلسطينيين. كان وقع الحرب على غزة أشد من زلزال، ويجب أن تتكاتف كل الجهود لإغاثة الناس والتخفيف من آلامهم التي يسعى الاحتلال على مدار الوقت لتعميقها”.

ورأى مطلعون أن “التعطيل المتعمّد لدخول شاحنات محمّلة بمواد غذائية وطبية بموجب معايير أمنية إسرائيلية ضبابية، أداة ضغط سياسي لفرض وقائع على الأرض تجعل المدنيين يدفعون وحدهم ثمن الحسابات السياسية”. وقالت المتحدثة باسم المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان مها الحسيني لـ”العربي الجديد”: “ينتهك الاحتلال الإسرائيلي بنود الاتفاق مباشرة وبشكل واضح، ويستمر في ممارسة سياسة الإبادة الجماعية بضجيج أقل. ربما خفّت وتيرة القتل الجماعي للمدنيين، لكن الاحتلال يواصل تنفيذ نهج تقييد دخول المساعدات الإنسانية، وتقنين دخول البضائع، ومنع إعادة الإعمار، وتقييد دخول المعدات الثقيلة لإزالة الركام”.

وشددت على “وجود إرادة إسرائيلية واضحة لإبقاء غزة في حالة حرب دائمة عبر استدامة التأثيرات الكارثية والمتواصلة للعدوان، ولن تحل هذه الأزمات إذا لم يوضع حدّ لاحتلال إسرائيل الأراضي الفلسطينية، وفك الحصار عن غزة”. تابعت: “يواجه أهالي قطاع غزة حرباً صامتة في وقت يحاولون فيه البقاء على قيد الحياة وسط غياب الاهتمام الدولي والعالمي الذي يريد الاحتلال أن يستمر لإبقاء السكان في حالة عدم أمان غذائي تام، فالأزمات القاسية، مثل الجوع والحرمان، لا تحل بمجرد إدخال بعض المساعدات والبضائع التي تبقي السكان رهن إغلاق المعابر وارتفاع الأسعار واختفاء السلع، وبالتالي رهن الشعور بخوف دائم من عدم الاستقرار، ومن الجوع الذي قد يفتك بهم مجدداً كما حصل في الأشهر الماضية”.

وأوضحت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) أنها تملك مواد غذائية تكفي غزة لمدة ثلاثة أشهر، لكنها ممنوعة من دخول القطاع ما يجعل السكان يدفعون الثمن. أما الدفاع المدني فقال إنه “لا تغيير على الأرض سوى دخول عدد من الشاحنات لا تلبي احتياجات السكان المنكوبين”.

Comments are closed.

اهم الاخبار