محمد علي اللوزي: حين تمطر (الرياض) إنسانية وتزرع الموت جوارها
أكثر من مليار دولار مساعدات سعودية لأوكرانيا.. عنوان برّاق على شاشات الأخبار، يثير في النفوس سؤالاً موجعاً: كيف تهطل الرياض غيثاً إنسانياً هناك، في أقصى الشمال، بينما تتحوّل بين جوارها إلى صحراء من الصمت والخذلان؟
تُعلن السعودية عن دعمها السخي لأوكرانيا، فتبدو وكأنها تفيض بالرحمة على ذوي العيون الزرقاء والشعر الأشقر، في حين أن ملايين العرب والمسلمين في الجوار — في اليمن، وسوريا، وفلسطين، والسودان — يتقلبون على جمر الحروب والجوع والتشريد، ولا يجدون من “الحنوّ الخليجي” إلا البيانات الباردة، أو قنابل تصنع المآتم.
أكثر من مليار دولار دولار هناك.. ودماء وجوع وخراب هنا. إنها معادلة عجيبة تنقلب فيها الموازين، ويغدو القريب أولى بالخذلان، والبعيد أولى بالمعروف. أي قلب هذا الذي يفيض عطاؤه عبر القارات، بينما يُدير ظهره لجاره المنكوب؟
ربما تقول الرياض إنها تعمل بدافع إنساني، لكن المتابع الحصيف يدرك أن هذه “الإنسانية” تأتي في التوقيت المناسب لإرضاء العم سام، وتجميل الصورة أمام الغرب، وتخفيف الضغط في ملفات أخرى. فالمال السياسي لغةٌ لا تُخطئها الأعين، والكرم المفاجئ غالباً ما يكون وجهاً من وجوه المداراة الدبلوماسية.
لقد أصبحت الإنسانية سلعة تُسَوَّق وفق المصالح، تُوزَّع بانتقائية مريبة: تُمنح للأوروبي المتألم، وتُحجب عن العربي الجائع، تُحمل في طائرة شحن نحو كييف، بينما في المخيمات القريبة من مكة والمدينة أطفالٌ بلا مأوى ولا دواء.
ما أقسى هذا المشهد! الرياض تمطر إنسانية في البعيد، لكنها تمطر موتاً في القريب. تغسل وجهها أمام العالم بماء العطاء، وتخفي في يدها الأخرى خنجر الحرب والخذلان.
أكثرمن مليار دولار.. ليست سوى رقم يُضاف إلى حسابات السياسة، لا إلى سجلات الرحمة.
Comments are closed.