د. أحمد الخطري: المؤتمرات الطبية في اليمن: بين الوهم والواقع
لا يحتاج اليمن إلى عشرات المؤتمرات سنويًا، بل إلى مؤتمرٍ واحد يُحدث فرقًا حقيقيًا في حياة مريضٍ واحد. فإذا خرجنا من قاعة المؤتمر ونحن نعرف كيف نُنقذ طفلًا من الملاريا، أو نُقلل وفيات الأمهات بنسبةٍ ولو 5٪، فذاك هو المؤتمر الذي يستحق الجهد والمال.
في وقتٍ يُعاني فيه النظام الصحي اليمني من أزمات حادة، ويسافر المرضى للخارج و بين المحافظات بحثًا عن علاجٍ أساسي، تُقام العشرات من المؤتمرات الطبية في قاعات الفنادق. تُفتح الأبواب، تُعلّق اللافتات، تُوزَّع الشهادات، ثم ينصرف الجميع. في الخارج، تستمر الأرقام المقلقة: ملايين اليمنيين يفتقرون للتغطية الصحية الكافية، مشاكل في سلامة الدواء، وهجرة عدد كبير من الأطباء. بين هذين الواقعين – القاعات المكيّفة والواقع الصحي المرير – تبرز أسئلة جوهرية.
1. متى يصبح المؤتمر «طبيًّا» حقًّا؟
المؤتمر الطبي في أبسط تعريف هو اجتماعٌ علمي يُعقد لمناقشة مشكلة صحية محددة وتبادل الأبحاث والخبرات. لكن المشكلة تبدأ من الإعلان نفسه: “ندعوكم لحضور فعاليات اليوم العالمي للقلب”، ثم تجد في البرنامج محاضرات عامة متنوعة لا رابط واضح بينها. هذا التشتت يُضعف القيمة العلمية ويُضيّع فرصة التعمق في موضوع واحد بشكل مفيد.
2. تكرار الوجوه والمحتوى
غالبًا ما يُعطى تنظيم المؤتمرات لشركات علاقات عامة تبحث عن “متحدث مشهور” يجذب الحضور، فيتكرر استدعاء نفس المتحدثين لإلقاء نفس المحاضرات. هذا النمط يحرم جيلًا من الأطباء والباحثين الشباب من فرصة المشاركة وعرض أبحاثهم، ويُكرّس ثقافة الاستهلاك بدلًا من الإنتاج المعرفي.
3. المحتوى المتكرر والمعلومات الأساسية
من المشاكل الشائعة تقديم محاضرات عن موضوعات أساسية يعرفها الأطباء منذ سنوات الدراسة، تحت مسمى “التعليم الطبي المستمر”. المفترض أن يركز التعليم المستمر على الجديد في المجال، والتقنيات الحديثة، والأبحاث المستجدة، لا على إعادة المعلومات الأساسية بتغليف جديد.
والأخطر انك تجد استاذا في تخصص يعرض تقنية من اختراعه وهي خاطئه علميا ولا تستند الى ادلة علمية دليله الوحيد الخبرة المبنية على اساس خاطئ وعلى سمعته المزعومه وحين يناقشه الحضور الواعي يجعله امر شخصي وليس نقاش علمي يتقبل النقد .. فهذا اخطر ما يمكن لانه بمثابة نشر السموم في عقول الجيل الجديد فمثل هؤلاء لا يجب ان يعتلي منصة ويترك المجال لمن هم قادرين على احداث الفرق
4. غياب التخصص الدقيق
من الأخطاء الشائعة إقامة مؤتمر في تخصص معين، ثم إدراج محاضرات من تخصصات مختلفة تمامًا. مثلًا: مؤتمر “النساء والتوليد” يتضمن محاضرات عن السكري والصحة النفسية دون رابط واضح بالتخصص الأساسي. هذا يُضعف الفائدة للمتخصصين الحقيقيين الذين يبحثون عن معلومات متعمقة في مجالهم.
5. الحلول المقترحة
أ. معايير واضحة للترخيص
* ربط ترخيص المؤتمرات بمعايير علمية صارمة: هدف محدد، لجنة علمية مؤهلة، تنوع في المتحدثين
* إنشاء قاعدة بيانات للمشاركات السابقة لتجنب التكرار
ب. منصة إلكترونية موحدة
* إطلاق منصة تُدار من وزارتي التعليم العالي والصحة لإصدار التراخيص ونشر الأبحاث
* توثيق كل المؤتمرات ونتائجها للاستفادة المستقبلية
ج. دعم الباحثين الشباب
* تحديد حد أقصى لمشاركات المتحدث الواحد (مثلًا: ثلاث مرات سنويًا)
* تخصيص منح لحضور الباحثين الشباب أصحاب الأوراق العلمية الجيدة
* تشجيع البحث العلمي من خلال جوائز للأبحاث المتميزة
د. مؤتمر وطني سنوي موحد في كل تخصص
* إقامة مؤتمر طبي وطني واحد سنويًا برعاية رسمية
* التركيز على أولويات اليمن الصحية مثلا (الكوليرا، سوء التغذية، الأمراض الوراثية، صحة الأم والطفل)
* اعتماد توصيات المؤتمر وتحويلها إلى سياسات صحية فعلية
دليل مبسط لأنواع الفعاليات العلمية
Keynote (المحاضرة الرئيسية) وضع الخريطة الطريق لبحثٍ جديد أو موضوع متقدم “الجراحة الروبوتية في أورام الحنجرة” يُدعى خبيرٌ عالميٌ له أبحاث منشورةٌ في آخر سنتين
Symposium (الندوة) مناظرةٌ حول قضيةٍ علمية مُختلف عليها “القسطرة مقابل الجراحة في أمراض القلب الخلقية” لجنةٌ من ثلاثة محاورين على الأقل بآراء مختلفة
Workshop (ورشة العمل) تعليم مهارةٍ عملية أو تقنية “زراعة الصمام التاجي عبر القسطرة” نسبة المشاركين إلى المدرب 4:1 كحدٍ أقصى لضمان التفاعل
Research Presentation (عرض البحث) عرض ورقةٍ علمية أصيلةٍ لم تُنشر “علاقة HbA1c باعتلال الشبكية في صنعاء” لا تقل نسبة الباحثين الجدد عن 60٪ من المشاركين
المؤتمرات الطبية ليست غاية في حد ذاتها، بل وسيلة لتطوير الممارسة الطبية وتحسين صحة المجتمع. عندما نُركز على الكيف بدلًا من الكم، وعندما نُعطي الفرصة للجيل الجديد، وعندما نربط المؤتمرات بالواقع الصحي الحقيقي للبلد، عندها فقط يمكن أن نقول إننا أقمنا مؤتمرًا يستحق اسمه.
Comments are closed.